منوعات

آثار نفسية .. تحول مروجو الشائعات من إطلاقها على الخطف والنهب إلى الحديث عن وجود كائنات متوحشة تهاجم المواطنين


اعتاد السودانيون على إطلاق شائعات تتحدث عن وجود كائنات متوحشة تأكل البشر والحيوانات على حد سواء، أو تؤذيهم على أفضل الفروض، لا يعلم أحد مصدر هذه الشائعات، لكن الكثيرين يرون تنافيها مع المنطق، آخرها كانت حادثة الاعتداء على مؤذن بأحد مساجد مدينة ود مدني، ذلك الرجل الذي تعرض لهجوم على حين غرة من شخص لم يتبين ملامحه، قام بقضم أنفه وأذنه، واستمرت حالة الفزع في المدينة لعدة أيام؛ ما دفع الكثيرين لنسج روايات عن وجود كائنات ما ورائية تقوم بهذه الأفعال، والبعض أيد أن تكون هذه الكائنات (سحاحير).
ترى ما هو سر تناقل هذه الروايات غير المنطقية في عصرنا هذا، ومتى ظهرت تلك القصص في نسيج المجتمع القديم، ولماذا استوطنت في الأذهان حتى يومنا هذا، وهل لأفلام الرعب علاقة بتدعيم هذه القصص في الوعي المجتمعي.
من محاضر الشرطة
بعد أُصيب سكان مدني بالذعر من حادثة الاعتداء التي تعرض لها المؤذن بحي بانت، وتناقلت مواقع التواصل هذا الخبر الذي هوله الكثيرون، تمكنت شرطة المباحث بولاية الجزيرة من حل قضية، والإجابة عن كل التساؤلات غير المنطقية التي طرحها الناس حول ماهية الجاني، وذلك بإلقائها القبض على مرتكب الجريمة، الذي استغل ظلام الفجر حتى لا يتبين المؤذن هويته، فهاجمه وهو في طريقه إلى المسجد، واتضح فيما بعد أن الشاب الذي قطع أنف وأذن المؤذن هو شخص مهووس دينياً.
اللا منطقية في التفسيرات
في السياق، قال الاختصاصي النفسي أسعد الطيب لـ (اليوم التالي) إن ثقافة القصص الخرافية والكائنات الأسطورية منتشرة في كافة دول العالم، وهي بشكل أو بآخر موجودة في المجتمع السوداني، والتي تدعم فكرة الخرافة وتُظهر جهل المجتمعات بإيمانها بوجود كائنات غير مرئية أو خارقة، سواء كانت صديقة أو آكلة للحوم الكائنات. وأضاف: يكبر الصغار على تلك القصص غير المنطقية، وتكبر معهم إشكالاتهم النفسية التي تظهر فيما بعد على سلوكهم وتصرفاتهم، وتُكمل أفلام الكرتون العنيفة وأفلام الرعب التي تناسب مع أعمارهم اللا منطقية في تفسيراتهم، فلا يدركون الحقيقة من الخيال وإن شرح لهم ذووهم ذلك، ليكون ذاكرة خوف موازية لـ (السحار والبعاتي) وهي أشكال (المستذئبين ومصاصي الدماء والوحوش) الموجودة في أفلام الرعب. وتابع: يتطلب أن يُعرض الطفل على جلسات نفسية حتى لا تتفاقم الأزمة بداخله مع الوقت، والحل يكمن في التربية الصحيحة والابتعاد عن الخرافات منذ الصغر.
أساليب التخويف
من جهته، قال عادل بخيت من المرصد السوداني لحقوق الإنسان لـ (اليوم التالي) إن سمة الخوف متى ما تملكت الفرد فإنها تؤثر في كل تصرفاته. وأضاف: في تربية الأطفال تستخدم الأسر أسلوب التخويف منذ قديم الزمان، فيُهدد شغب الصغار بعبارة (استنى لما أبوك يجي)، وهنا تبدأ بذرة الخوف من الأب، بدلا من تعزيز ورعاية بذرة الحب، وكذلك تلجأ الأمهات إلى تنويم صغارهن بفكرة التخويف من (الحرامي، الكلب، أو اسم شخص يخشاه)، وفي الماضي كانت تُقص عليهم قصص الكائنات الخرافية في أفضل الحالات كقصة (الغول، البعاتي، السحار) وغيرها من القصص التي تُعزز فكرة وجود كائنات متوحشة ومؤذية، ما نما داخل الأطفال مشاعر الخوف. وأضاف: من النادر لدينا أن ينام الطفل لوحده في غرفة، وذلك بسبب الهواجس المرعبة التي قد تُسيطر عليه، مع أن الحكايات يجب أن تكون لطيفة وهادئة حتى ينعموا بليلة هادئة، ولا يتعرضوا لمشكلات نفسية مثل التبول اللا إرادي. واستطرد: هذه التربية الخاطئة ظهرت في طريقة تفكيرنا وتفسيرنا للظواهر التي نجهل أسبابها بأنها من فعل كائنات خارقة ما ورائية، نستدعيها من الأفكار القابعة في اللاواعي من أذهاننا، ومن المؤسف أن الكثيرين لا يزالون يربون أطفالهم بسياسة التخويف.

الخرطوم – نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي