تحقيقات وتقارير

شائعات مغرضة.. نشر الرعب في نفوس المواطنين يؤدي لهدم النسيج الاجتماعي القائم على الترابط والتعاضد


تسري الإشاعات كما تسري النار في الهشيم، تخرب وتدمر كل شيء، سيما تلك التي تتعلق بالأمن والسلام الاجتماعي، منذ سنوات خلت تتناول وسائل الإعلام محذرة من اختطاف الأطفال واختفاء بعضهم في ظروف غامضة، تعامل معها المواطنون على أنها (كلام جرايد) لأنها كانت بضع حالات هنا وهناك، وكانت في الواقع حقيقة ولا تزال، لكنها لم تكن بالصورة التي تناولتها بها الوسائط الاجتماعية التي هولت من الأمر وجعلته بعبعاً وروعت أمن واستقرار المجتمع.

الخطف موجود والعنف أكثر وحتى القتل، لا يخلو مجتمع من المشاكل، فالنفس الأمارة بالسوء تعيش بيننا، وكذلك ضعاف النفوس الذين يبتغون الكسب وجمع المال بشتى الوسائل والطرق غض النظر نتائج ذلك، وهناك من يعشقون ترويج الإشاعات ونشر الزعر والرعب ويستمتعون بذلك، ما هو التأثير الاجتماعي والنفسي لتلك المشاكل؟

سلام اجتماعي
قال الخبير الاجتماعي د. عبد الرحيم بلال من الضروري إشاعة الأمن والشعور بالأمان في مواقع البلد المختلفة في كل الأوقات من أجل السلام الاجتماعي والعام، وهذه المسؤولية ملقاه على عاتق الجهات الشرطية المنوط بها حماية المواطنين والحفاظ على أرواحهم، وهذه القضية إحدى مهامها وتخصصها سواء بدوريات مرئية وغير مرئية أو أي سبل حماية أخرى سيما في نقاط العبور من وإلى المدن ووضع خطط واستراتيجيات تغطي كل المنافذ.

خطورة بالغة
عد د.عبد الرحيم عدم الشعور بالأمان ونشر الرعب في نفوس المواطنين جراء اختطاف أو اختفاء، ولو بنسبة ضئيلة، أمراً غاية في الخطورة سيما لدى الأسر لأنه يدمر عملية الأمن المجتمعي والإنساني، ووصفه بالمؤلم. وقال: “لابد من إعطائه أولوية ومحاربة الشائعات إذا أثبت ذلك ووضع عقاب رادع وصارم في الحالتين”. وأشار إلى أن المشاكل المجتمعية تتطور بتطور المدينة وما يحدث فيها من مستجدات. وأضاف: “مثلاً ولاية الخرطوم بمحلياتها الثلاث في خمسينيات القرن الماضي كانت تضم نحو (500) ألف نسمة، الآن ومع تغير التكوينة السكانية صارت تضم ما بين (8 – 10) ملايين نسمة بعادات وتقاليد وخصائص مختلفة لا تستطيع الشرطة معرفتهم سيما في ظل الكم الهائل الوارد من الأجانب بالبلاد، بعكس المجتمعات المغلقة في السابق التي كان الناس فيها معروفين وضيوفهم أيضاً”.

قلق ورعب
من جهتها، أوضحت الاختصاصية النفسية سلمى جمال أن الإشاعة، أياً كان نوعها اجتماعية أو أو اقتصادية أو حتى سياسية أو أكاديمية، يقف وراءها أشخاص بعينهم لهم أهداف محددة. وقالت: “الشخص الذي يثير الإشاعات إنسان مريض يقصد إشاعة الرعب بين الناس والبلبلة، وعلى صعيد الأسر تشعر بالقلق والخوف على أبنائها خاصة الخطف، فهو من أسوأ أنواع الإشاعات لارتباطها بالوجدان وتحدث شرخ لا يلتئم سريعاً، فضلاً عن أنها أقوى أنواع التأثيرات النفسية على الأطفال”. وتابعت: “عملية الخطف أبشع من القتل في تأثيرها النفسي على الشخص، وأسوأ أنواع العقاب النفسي، لما يصاحبه من تفكير مستمر، غير أنه يفقد الثقة المتبادلة بين الناس، سيما تلك المرتبطة بالمصالح المشتركة كالمواصلات العامة وصاحب (الدكان)، فينتج عنها هدم للنسيج للاجتماعي القائم على الترابط والتعاضد، وتوقف أو انحسار سلسلة من الخدمات وتبادل المنفعة”.

صمت سلبي
وأكدت سلمى أن الدولة باجهزتها المختلفة عليها الحد من هذه الممارسات التي تعود سلباً على أمن البلاد والعباد، والحفاظ على استقرار المواطنين وحمايتهم من أي أشكال عنف سيما الأطفال. وقالت: “عليهم طمأنة المواطنين بواسطة وسائل الإعلام المختلفة وتوفير المعلومات الحقيقية أولا بأول ووضع المواطن في الصورة حتى يستطيع أن يكون إيجابياً وأكثر حرصاً في وضع استراتيجيته الحياته”. ولفتت إلى أن الصمت وغياب صوت الجهات الرسمية يجعل الأرض خصبة ومرتعاً لنشر البلبلة وتطورها، ونصحت الناس بأن يتوخوا الحذر ومراعاة مصلحة أبنائهم الفضلى وعدم إرسالهم إلى الشارع في أوقات القيلولة، وتوعية الأبناء بالمخاطر التي يمكن أن تواجههم في الطريق وكيف يمكن التعامل معها، كل ذلك يتم بطريقة يسهل عليه فهمها ولا تدخل الخوف والرعب في قلوبهم.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي