تحقيقات وتقارير

حقوق الإنسان وجدل حضور الشياطين في رفع العقوبات


لم يتوقع المتابعون للتفاهمات التي تمت بين أمريكا والحكومة خلال الفترة الماضية وقادت إلى تعاون في ملفات مهمة، مثل: ملف مكافحة الإرهاب، إلى أن أصدر الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” في أواخر ولايته قراراً بالرفع الجزئي للعقوبات، على أن ترفع نهائياً في الثاني عشر من شهر يوليو الماضي، لم يتوقع أن يتم تمدد العقوبات لفترة الثلاثة أشهر، على ضوء أن الحكومة قالت إنها أوفت بالمطالب الأمريكية، كما أوصت وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات الأمريكية (CIA) برفعها، لكن بعض الأصوات في الكونغرس كانت تقف ضد الرفع، أما الحكومة والمجلس الوطني ممثلاً في رئيسه بروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” فقد هيئوا الساحة للتمديد باعتبار أنهم زاروا أمريكا وتعرَّفوا على المؤسسات وابتدروا حواراً معها وتوصلوا إلى أن هناك جهات تحتاج لوقت لإقناعها، لكن بعض المراقبين عزوا عدم رفع العقوبات عن السودان في الثاني عشر من شهر يوليو الماضي، إلى عدم اكتمال تأسيس مؤسسات الإدارة الأمريكية، بما في ذلك مسؤول الملف الأفريقي، وتوقع هؤلاء أن ترفع في الثاني عشر من أكتوبر القادم، فيما رأى آخرون أن الضغوط التي تعرَّضت لها الإدارة الأمريكية من قبل بعض أعضاء الكونغرس دعتها إلى الدفع بملف حقوق الإنسان ليصبح من شروط رفع العقوبات، رغم أنه لم يكن مضمَّناً في الشروط المتفق عليها، وتمثلت في تحقيق السلام في السودان والمساعدة في استقرار دولة الجنوب وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في مناطق النزاعات ومحاربة الإرهاب وعدم دعم جيش الرب.
ثمة إشارة مهمة قالها دكتور “غازي صلاح الدين” قبل يومين في محاضرة بجامعة الجزيرة كانت بعنوان (العلاقات السودانية الأمريكية وسياسة العقوبات) ووفقاً لـ”غازي” فإن السياسة الأمريكية تقوم على مبادئ من بينها مبدأ الاستثنائية الذي يجعل أمريكا تبذل الوعد تلو الوعد وتتقدم لترجع خطوتين، باعتبار أن ذلك مباح لها بصفة استثنائية، لذلك القرار الأمريكي يكون غير مقيَّد بوعد سابق وإنما مرهون باللحظة، وأعتقد أن “ترمب” وجد نفسه أمام حزمة من المتناقضات والأعباء والخصومات الداخلية، فتردد في اتخاذ القرار وتراجع عن الالتزام، وهذا الشيء يتوافق مع مبدأ النهج الاستثنائي.
بالعودة لموضوع الضغوط نجد أن الحكومة السودانية سبق أن أشارت لهذه الضغوط عندما قال وزير الخارجية، قبل التاريخ المحدد لرفع العقوبات في شهر يوليو الماضي: إن هناك عقارب تعمل حتى لا ترفع العقوبات عن السودان، ويبدو أن هذه العقارب مازالت تعمل لذات الهدف، والدليل على ذلك أن “غندور” كرر ذات التصريح بعد أن تم التمديد إلى الثاني عشر من شهر أكتوبر، حيث وصف الذين يعارضون رفعها بالشواطين، لكنه توقع رفعها في أكتوبر المقبل، لافتاً إلى أن وقائع الاتصالات مع واشنطن ترجح تلك الفرضية “حال أبعد الله الشياطين” وحديث “غندور” أقرب للتأكيد على خلفية أنه يمتلك معلومات ويتابع بحكم منصبه كوزير للخارجية مسارات التعاون والحوار بين حكومته وأمريكا بمختلف المؤسسات، كما كان شاهداً على الحديث الذي دار بين الرئيس “البشير” والملك “سلمان” الذي وافق الرئيس “البشير” بموجبه على مواصلة التفاهم مع أمريكا بعد أن جمَّد نشاط لجنة التفاوض ما يعني أن النظام السعودي سيواصل وساطته حتى ترفع العقوبات بصورة نهائية عن السودان.
كذلك هناك من قرأ قصر مدة التمديد التي حُدِّدت بثلاثة أشهر، لصالح رفع العقوبات.
وفيما رأى دبلوماسي قريب من الملف أن هذه الفترة حُدَّدت على أساس أن تقرير الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان سيناقشه مجلس حقوق الإنسان في شهر سبتمبر القادم، وتوقع أن تُرفع الوصاية الدولية عن السودان، وبعده لن يجد الرئيس الأمريكي “ترمب” حرجاً في رفع العقوبات عن السودان. يذكر أن الخبير المستقل “نونونسي” كان قد قال في زيارته الأخيرة للسودان في مؤتمر صحفي إنه لاحظ بعض التطورات الإيجابية، وأن الحكومة أتاحت له فرصة للوصول لكل الأماكن والمؤسسات والأشخاص الذين طلب الوصول إليهم،
بالمقابل تلاحظ خلال هذه الفترة أن هناك كثيراً من النشاط شهدته الساحة خلال تلك الفترة بحسب بعض المختصين له علاقة مباشرة بملف حقوق الإنسان والحريات في السودان، وكانت هناك وجهات نظر مختلفة، فالأحزاب المعارضة وبعض منظمات المجتمع المدني اعتبرتها تراجعاً في ملف الحريات وحقوق الإنسان، بينما أصرت الحكومة على أن هذه القضايا لها ظلال سياسية وأثيرت في هذا التوقيت للحيلولة دون رفع العقوبات عن السودان في شهر أكتوبر القادم، ونحن بدورنا سألنا الخبير المعروف مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان دكتور “أحمد المفتي” عن العلاقة بين رفع العقوبات عن السودان وملف حقوق الإنسان وإلى أي مدى يمكن أن تعتمد أمريكا على ملف حقوق الإنسان في موضوع رفع العقوبات؟ فقال: المسألة
لها وجهان، وجه يعتمد على ذرائع تتخذها الإدارة الأمريكية عندما تكون غير راضية عن دور الحكومة، لإقناع الرأي الأمريكي والعالمي، والذرائع ليست عشوائية وإنما تكون عبارة عن انتهاكات تقوم برصدها منظمات المجتمع المدني ضد السودان وتتلقفها أمريكا وتبني عليها سياساتها، لذلك لابد أن تهتم الحكومة بهذه الذرائع لمعالجتها، ويكون موضوع حقوق الإنسان لصالح المواطن، وطالب الحكومة بتقوية منافذ الاستهداف السياسي الأمريكي والمضي قدماً في العمل السياسي، مضيفاً أن حقوق الإنسان سلاح ذو حدين يستخدم لأهداف سياسية، وقد تكون هناك جريمة، لكن هناك جهات لديها مصلحة لاستخدامها في موضوع حقوق الإنسان. وقال: لابد أن تتعامل الحكومات بشفافية، لأنها إذا تأخرت الفراغ يُملأ بالإشاعات في إطار البحث عن المعلومات، وأكد صعوبة منع تسييس حقوق الإنسان، لكنه قال: يجب أن تكون هناك شفافية.
مع تناقص أيام مدة التمديد يبدو أن الحكومة الأمريكية شرعت في تقييم أوضاع حقوق الإنسان في السودان، فخلال هذه الأيام زارت البلاد لجنة من الكونغرس الأمريكي، كما سبقتها لزيارة السودان لجنة الخبراء التي شكَّلتها الأمم المتحدة لمراقبة الأوضاع في دارفور. ويبقى السؤال هل سترفع العقوبات في الثاني عشر من أكتوبر القادم كما تؤكد التوقعات؟.

فاطمة مبارك
المجهر السياسي