صلاح الدين عووضة

وأنا بخير !!


*البارحة كان تاريخ سقوط رأسي..

*ومنذ ذلكم اليوم ورأسي يسقط إلى يومنا هذا..

*فأنا من برج الأسد…ولكن ليس لي من صفات الأسد إلا محاكاة صولته..

*والغريبة أن هذه المحاكاة تنجح أحياناً..

*فحين فرغت من دراسة الفلسفة فوجئت بأنه ما مهنة اسمها فيلسوف..

*وسُقط في رأسي…ويدي…….وسقط هو..

*وأمام مسجد طيفور أقابل (قريبي) أحمد مرحب مدير بنك الوحدة آنذاك..

*ويسألني عما فعلت بشهادتي…فأرد: أُسقطت على رأسها..

*فعناصر أمن مايو بلجنة الاختيار أصروا على أنني الآخر المصنف أمنياً..

*الآخر الذي يحمل اسمي ذاته….ورأساً مختلفاً..

*وطارت مني وظيفة ضابط إداري رغم نجاح يشابه نجاح الفلسفة..

*ويبشرني أحمد بقرب إجراء امتحانات وظائف بالبنك..

*فذهبت إلى الامتحان- والذي كان باللغة الإنجليزية – وأنا أحاكي الاقتصاديين..

*فكانت المفاجأة أن نجحت المحاكاة…ولست أنا برأسي الفلسفي..

*وذُهل أحمد محمد نور مرحب بأكثر مما ذُهلت أنا..

*وسألني إن كنت قرأت مراجع اقتصادية فأجبت قائلاً: واحداً وكنت على عجل..

*أما نائبه عبد الرحمن بري فقد كان محقاً إذ ذُهل هو الآخر..

*وقال وهو في غمرة ذهوله ذاك: مالك والمصارف؟ يُفترض أن تعمل مدرساً..

*ولكن من قال له إنني لم أطرق أبواب التدريس؟..

*لقد طرقتها…فسقطت على رأسي مطارق حقيقة أن الفلسفة أُسقطت من المناهج..

*وسقطت على رأسها…هي وأخوها علم النفس..

*وتواصلت رحلة الذهول بكثرة الترقيات……وتجاوز الأقران..

*ثم سقط رأسي- وذلكم كله – بسقوط الانقلاب على الرؤوس..

*والبارحة (16) أغسطس كانت ذكرى سقوط رأسي..

*ولكن الأفكار أبت أن تسقط منه لتشكل كمتنا لليوم التالي…الذي هو اليوم..

*أو بالأحرى؛ سقطت الأفكار…والمواضيع…والرأس..

*وطفق الرأس يهذي دون هذيان ابن أبي ربيعة الذي جعل منه شاعراً..

*فجرير وقف على المربد يوماً يستمع إلى الشعراء..

*فوجد عمر يقول في مطلع قصيدة له :

أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر……غداة غد أم رائح فمهجر..

لحاجة نفس لم تقل في جوابها…فتبلغ عذراً والمقالة تعذر..

*فقال جرير قولته المشهورة : ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر..

*ولكن هذياني أنا لم يسفر عن مقالة…وإن كان يستوجب العذر..

*وقبل أيام يطالبني الزميل الدكتور محمد بابكر بسيرة ذاتية..

*قال إنه اختارني ضمن مئة صحافيين سودانيين يُؤرخ لحياتهم في كتاب..

*وإلى يوم ذكرى سقوط رأسي أمس لم أعطه سيرتي الذاتية..

*فليس هنالك سوى ذات……..ولكن ما من سيرة..

*أو هي سيرة سقوط الرأس والذات معاً..

*وكل عام وذاتي بخير !!!

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة