داليا الياس

هل أتاك حديث (شطايا)؟!


الطائرة المروحية تحلق بنا على إرتفاع منخفض ونحن نقطع المسافة من (نيالا (حاضرة جنوب دارفور) إلى (شطايا) تلك القرية الأشهر فى أحداث 2004 الدامية، والتى تقع في أقصى الجنوب الغربي للولاية…..الخضرة من تحتنا مد البصر…..والثروة الحيوانية الوفيرة تركض في المراعي الخصيبة كيفما إتفق….أحاديث جانبية وضحكات حميمة يتبادلها رفاقي في الرحلة وتقطع حبل أفكارى أحياناً….

أتأمل الأراضي الممتدة تحتي في صمت…وأتساءل: حتى متى يطاردني شبح (الإيجار) وبلادى بهذا الإتساع؟!… وحتى متى لانراوح مكاننا في قائمة دول العالم الثالث، وكل هذه الثروات لاتزال مخبوءة تحت الأرض وفوقها ولم يمسسها بشر قط؟!ومن هو المستفيد من كل ما نكابده من ويلات وتداعيات الحرب الأهلية الطاحنة التى أهلكت الزرع والضرع، وأسلمت أهلنا للنزوح والتشرد والموت الزؤام؟!هبطنا (شطايا) ونحن نستعيد تفاصيل المأساة… 20 قرية إلتهمتها النيران …1371 قتيلاً تفرقت دماؤهم بين القبائل….آلاف من الهاربين من تلك الويلات ينغلقون على أنفسهم داخل معسكرات النزوح في (كلمة) و(كاس) وغيرها..!!!!أتأمل مهبطنا بفضول….قرية وادعة متفرقة المنازل…أطفال صغار يتحلقون حولنا بفضول… صمت مهيب يلف الآذان…. أشجار شامخة تحكي عن تاريخ عريق….

ثلة من المستقبلين بالمنطقة تلوح من بعيد …أتونا راجلين ممعنين في الحفاوة… شاب خلوق يضج بالبساطة والحماس وتشع عيناه بالذكاء علمت لاحقاً أنه معتمد محلية شطايا بمديرياتها الأربع، وهو قانوني ضليع يلقب ب(جيش)…. عدد من العمد والقيادات العسكرية والأهالي يجلسون إلينا متحدثين بشفافية كاملة عما كان وماسيكون.. ينفون عن أنفسهم تهمة إحتواء التمرد يوماً، ويتبرأون من شكوى الجنائية ضد الرئيس (عمر البشير ) كما يشاع!أحاديث من القلب عن رغبة أكيدة فى الإستقرار وإعادة التأهيل والإعمار..

عشرات الأسر تمارس العودة الطوعية للمنطقة، وتبحث عن خيارات أفضل للحياة بملء إرادتها.جهاز الأمن والمخابرات الوطني يتبنى (مؤتمر شطايا للتعايش السلمي)، الذي خرج بإعلان واضح وميثاق شامل، يهدف لإعادة التوطين ورأب الصدع بين 9 قبائل تشكل النسيج الإجتماعي بالمنطقة، تبادلت جميعها العفو عن كل ماسلف من تناحر ونعرات لاسيما بين العرب والفور، وحبست دماء الإنتقام ورفعت شعارات السلام.. هذا بالضرورة يتطلب الكثير من البنى التحتية …فالمنطقة مثلاً تحتاج بشكل عاجل لمدرسة ثانوية للبنات وللكهرباء ولعدد كبير من وسائل الإيواء والإستقرار ولنهضة إجتماعية كبيرة، وقبل ذلك لإيمان مطلق بالعودة.400 أسرة عادوا ل(كايليق) التي تعتبر أكبر منطقة تجارية في المحلية… وتتمتع أراضيها بخصوبة عالية تصلح لزراعة الكثير من الخضر والفاكهة، وتشتهر بمحصولي البصل والشطة الخضراء وربما من هنا جاء الاسم…

كما أنها كانت تشتهر بقصب السكر الذي يتم تصنيعه لاحقاً ويعرف بسكر وادي كايا.(عبد الرازق) الضابط الميداني العائد من صفوف المتمرد ( عبد الواحد ) يتحدث من واقع تجربته عن الأوضاع المزرية والظروف القاهرة التي كانوا يعيشونها بعيداً عن كنف السلام، مؤكداً أن قواتهم لم تتواجد للحظة في منطقة شطايا والقرى المجاورة !! ويشدك حديثه القوي الصادق، فيزداد إيمانك بضرورة تقديم كل مايلزم من دعم لإعادة الحياة لهذه البقعة الطيبة وتحقيق الأمان العام هنا وهناك، وهو ماتسعى إليه جاهدة آلية السلم الإجتماعي ورد الحقوق التي يشارك فيها أفراد من جميع القبائل المحلية، في محاولة لتوفيق الأوضاع في مايلي التغولات التي طالت المشاريع الزراعية وغيرها ورد الحقوق لأصحابها.كل الذين تحدثوا لنا في شطايا كانوا من اللباقة والفصاحة وقوة الحجة والتأثير بمكان… مما يشير الى أن المستقبل كله أمامهم، لأنهم يدركون حقيقة مهامهم الكبيرة لاسيما وأنها الآن أصبحت تدار من قريب بعد أن كانت تدار من بعيد جداً، سواء من كاس أو نيالا.ودعنا شطايا التي بدأت تدب بالتنمية والإعمار والحياة على صعيد المباني والمعاني، دون أن يساورنا للحظة شعور بالخوف أو الخطر…. وتمنينا التوفيق للمعتمد الجديد (جيش) الذى ينبئ عن مرحلة مبشرة من عمر المنطقة….

وتركنا الجميع يترقب زيارة الأخ الرئيس المرتقبة التي نعول عليها كثيراً في تنقية الأجواء وإزالة سوء الفهم القديم، وسد الطريق أمام الفتن والإشاعات المغرضة… فأهل المنطقة يجددون الولاء ويبرئون أنفسهم من ملابسات إتهام الرئيس لدى الجنائية… والرئيس يبارك المساعي التي تتخذها جميع الجهات النظامية والإدارية والمدنية من أجل تحسين الأوضاع للعودة الطوعية… فقد أتاه حديث تطلعات شطايا ورغبتها الأكيدة في النهوض من كبوتها والذي تمد لأجله يدها بيضاء من غير سوء.. فهل أتاكم؟!* تلويح :شالوا الكلام… ختوا الكلام… زادوهو حبة جابوهو ليك !! ظاهر عليك صدقتهم!!

اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة