منوعات

القصة الكاملة لأخطر ضابط موساد على الإطلاق اخترق السودان ودولاً عربية


ربما بدت القصة غريبة بعض الشيء.. وربما فاقت في غرابتها قصص أشهر عملاء الجاسوسية على الإطلاق.. من جون وولكر ورونالد بيلتون الى الدريش اميس.. وربما قاربت فحوى سطورها كل روايات عالم الظل…

وكتابات عالم الجاسوسية والمخابرات.. ظل لأكثر من عقدين ، أخطر عملاء اسرائيل على الإطلاق، في العالم العربي ووصف بانه مثل (عبقرية شريرة) في زمانه.. ولكن لا أحد يعلم ما هي تلك الجرائم التي ارتكبها تحديدا، وما دافعه لارتكابها..رؤساؤه أقروا أن عواقبها كانت شديدة على اسرائيل وأمنها واعترفوا أنها وضعت حياة بلادهم في خطر فظيع. وقد أضرت بشدة بالسمعة الدولية للموساد كجهاز مخابرات… بلغت معلومات تقاريره الكاذبة التي ضلل بها بلده مدى بعيداً، مثلما ضلل بها بلدانا اخرى عديدة اذ أن تلك المعلومات تم تقاسمها مع وكالات الاستخبارات الكبرى في العالم الغربي… من هو (يهودا جيل) وما هي قصته ولماذا أثار غضب رؤسائه في الموساد والاستخبارات؟ ولماذا حوكم في محاكمات سرية داخل أسرائيل؟ ما علاقته بالسودان وكيف دخل الخرطوم في ثمانينات القرن الماضي؟ وما هي المهمة التي ابتعث من أجلها؟
مهمة خاصة
بدت تلك الليلة الشتوية .. قارصة في بردها وأخبارها معاً… كان على اللواء موشى يعلون رئيس فرع المخابرات العسكرية بجيش الدفاع الاسرائيلي أن يعيد ترتيب أفكاره ووضع أجندة زيارة خاطفة الى أمريكا.. بدت هي الأخرى طارئة وعاجلة . وكان عليه ايضا أن يحزم حقيبته وملفات مرافعاته حول قضية بدت هي الأخرى هاجسا لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية.. الزمان شتاء ديسمبر من العام 1997م.. وصل الرجل الى محطته التي قصدها .. بدت أوراق ملفه السري الذي يحمله مبعثره بعض الشيء ..حيث تقاسم مع أصدقائه في البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأخبار السيئة إلى حد ما…. إذ أن العديد من المعلومات الاستخباراتية الداخلية حول سوريا التي قدمتها إسرائيل إلى امريكا، على مدى السنوات التي أعقبت ذلك العام تحديدا اعتبرت غير فعالة عقب اكتشاف زيفها.
كان الجنرال يعالون في أمريكا في مهمة لمراقبة الأضرار، ولكن الضرر لم يكن من صنعه. حسب جيفري جولدبيرج بصحيفة “ذي فوروورد”،قد ارتكب الموساد، ومعهد الاستخبارات والمهام الخاصة، ضرراً هدد دولة إسرائيل بسبب معلومات عميل مخادع… ضلل بها تلك الأجهزة جميعاً. ظل يهودا جيل يزود الموساد بمعلومات على اساس أنها من عميله السوري، الذي أطلق عليه(الصقر الأحمر) كاسم حركي، وهو جنرال عمل في الجيش السوري، وعقب اعتقال جيل، عثر بحوزته على 39 ألف دولار أرسلها الموساد الى العميل السوري وحكم على جيل بالسجن خمس سنوات في محاكمات سرية.
إلى حافة الحرب
إحدى صفحات ملف جيل، كانت هي اتهامه بتورطه في تمليك قيادته معلومات كاذبة عن حرب وشيكة تريد سوريا شنها ضد بلاده.. استناداً الى ذلك، وفي وقت مبكر من صباح 1 سبتمبر 1996، بدأ الجيش الإسرائيلي نقل قواته إلى الحدود السورية استعدادا للحرب التي بدت وشيكة الاشتعال. وحسب رنين بيرغمان ، محرر الشؤون العسكرية والاستخبارتية بصحيفة يديعوت أحرنوت ،استندت أعمال الجيش إلى معلومات استخباراتية سرية، كانت مضللة، وهي أن سوريا على وشك شن هجوم مفاجئ – تم نقله من قبل أحد المخبرين، وهو جنرال في مركز المجلس العسكري الأعلى في سوريا، أطلق عليه اسم (ريد فالكون) (الصقر الأحمر) جنده الموساد لصالحه. وتسببت معلوماته في الذعر على أعلى مستويات قوات الدفاع الإسرائيلية، وكان كبار المسؤولين العسكريين وموظفي الموساد يحثون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إصدار أمر للجيش الإسرائيلي بشن هجومه الخاص قبل أن يتمكن السوريون من إطلاق هجماتهم.
عميل خيالي
وقعت حوادث أخرى خلال العمليات التي نفذها الموساد، بيد ان غالبها حسب الصحيفة، حدثت جراء أخطاء بشرية وجراء ثقة مبالغ فيها بالنفس أو بسبب عدم توخي الدقة او جراء اختيار عملاء متدنيي المستوى لإنجاز المهام. وفي أعقاب الفشل الذي مني به الموساد عقب محاولة اغتيال خالد مشعل في العام 1997م، وقعت عمليات فاشلة أخرى ألحقت أضراراً جسيمة بصورة الموساد وزعزعة أسطورة جهاز المخابرات القادر على فعل كل شيء. كانت هنالك عمليات فاشلة ومواطن قصور طيلة فترات عمل الموساد. واعتبرت عملية خالد مشعل الفاشلة في العام 1997 من أشد الضربات التي أصابت الموساد, وبعد شهرين فقط من فشل عملية مشعل انفجرت عملية فشل أخرى كان بطلها رجل الموساد (يهودا جيل) الذي يعتبر من أبرزالعملاء ، بادر وشارك في العديد من عمليات الموساد في دول عربية ، من بينها السودان وليبيا وسوريا والعراق، وتحولت لاحقاً الى أسطورة. وحسب اتهامات إسرائيلية رسمية، استخدم جيل لسنوات طويلة عميلا سوريا خيالياً استطاع ان يخدع حكومته لسنوات دون أن ينكشف أمره.
منذ بداية حياته المهنية، تم تعيين جيل كضابط حالة مهاجمة. في كل مهمة، كان عليه أن يقرر مكان وكيفية الاقتراب من هدف ما، والغطاء المراد استخدامه، وكيفية تحريض الهدف – سواء كان دبلوماسياً ليبيا، أو ضابطاً سورياً، أو موظفاً في منظمة التحرير الفلسطينية، أو عالمًا نووياً عراقياً..هكذا كانت حياته المهنية، التي كان غالباً ما يضطر من خلالها الى انتحال شخصية مزيفة ، ويظل هكذا الى حين انتهاء المهمة.. وصفه الجنرال المتقاعد داني ياتوم، رئيس الموساد الأسبق، الذي أمر في نهاية المطاف بالتحقيق ضد جيل بانه “كاريزما، ملونة، رجل ذكي، يمتلك قدرة هائلة على الارتجال وتغيير الهويات. كان يدعى “الرجل ذو الألف وجه”، وحسب ياتوم “يمكنه إقناع اي شخص بالقيام بأي شيء تقريباً”.
عالم الظل
إنه عالم الظل.. ترويه قصة الصقر الأحمر وبداية تجنيده…كان هدف جيل، الجديد جنرالاً في الجيش السوري اكتشف الإسرائيليون تمركزه لعدة أشهر في أوروبا. وكان وجود ضابط سوري من تلك الرتبة في موقع يسهل الوصول إليه فرصة نادرة لضباط الموساد. أعطي اسم رمزي هو (ريد فالكون). وحسب تقرير نشرته صحيفة ايتافيست، لم يكن هناك سبب للاعتقاد أن الصقر الأحمر سيكون متعاطفاً مع إسرائيل، وكان هذا الجنرال قد حارب في مرتفعات الجولان في عام 1973، وكانت كراهيته الشرسة لإسرائيل معروفة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية. في 23 نوفمبر 1973، تلقت الحكومة الإسرائيلية تقريراً سريا ذكر فيه أن 42 جندياً إسرائيلياً تم أسرهم من قبل السوريين قتلوا قبل أن يصلوا إلى السجن، ووفقاً للمعلومات الاستخباراتية التي جمعها الجيش الإسرائيلي، قتل بعض هؤلاء الجنود في منطقة كان فيها (الصقر الأحمر) يقود القوات السورية. . وعاد جنود إسرائيليون آخرون كانوا قد أسروا ولكن نجوا خلال الحرب التي دامت شهرا واحدا ، إلى منازلهم بعد الإفراج عنهم، ووصفوا جلسات التعذيب التي شارك فيها (ريد فالكون). ولمنع حدوث مثل هذا الهجوم مرة أخرى، تعرض الموساد لضغوط شديدة لتجنيد عملاء لا يستطيعون تقديم معلومات سرية فحسب، بل سيحصلون أيضاً على ما يعرفون به الوكالة المشار إليها باسم “نية القيادة” من ضمنها الدائرة الداخلية التي تشارك في وضع الخطط الاستراتيجية.

إنعام عامر
الانتباهة