الصادق الرزيقي

هل سيستأنف التفاوض ..؟


من أيام تستعد الحركة الشعبية قطاع الشمال لسفر وفدها بقيادة عبد العزيز الحلو إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، للالتقاء بالآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي،

لإطلاع الوساطة الإفريقية على تطورات الأوضاع داخل قطاع الشمال وما جرى خلال الفترة الماضية التي أدت إلى إزاحة القيادة السابقة (الرئيس والأمين العام ــ عقار عرمان)، بالإضافة إلى تسمية وفد الحركة الجديد الذي سينخرط في المفاوضات القادمة حالما حددت الوساطة ميقاتها وموعدها.
> هذه هي المرة الأولى التي يقود فيها عبد العزيز الحلو وفد الحركة قطاع الشمال، فقد ظل الحلو طيلة الفترات السابقة بعيداً عن الأنظار ومنشغلاً بالعمل العسكري ولم تتح له الفرصة للتعاطي المباشر مع ملف المفاوضات إلا من خلال التراتيب الداخلية للحركة، وكان يمثل القيادة العسكرية في كل جولات التفاوض السابقة رئيس أركان الجيش الشعبي بقطاع الشمال جقود مكوار الذي تم إبعاده من موقعه في القرارات الأخيرة التي أعادت ترتيب قيادة جيش الحركة وأحالت البعض إلى التقاعد وتمت ترقية آخرين، وجاء في الأخبار أن رئيس الحركة الجديد عازم على طرح تصوره للتفاوض، ويرغب في إجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة للوصول إلى سلام دائم وإنهاء الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وما يهمنا هنا هو ضرورة التأكد من مدى جدية الحركة الشعبية قطاع الشمال في إنجاح المفاوضات والوصول بها إلى نتائج إيجابية، فطيلة الجولات الإثنتي عشرة الماضية لم يكن وفد الحركة بقيادة عرمان جاداً أو حريصاً على تحقيق تقدم يفضي إلى توقيع اتفاق يطوي صفحة الحرب في المنطقتين، وكان وفد الحركة يضع العراقيل ويتحجج بحجج واهية لتعطيل التفاوض وطرح شروط تعجيزية لا يمكن معها بناء السلام.

> فهل عبد العزيز الحلو بعد انقلابه على رفيقيه مالك عقار وياسر عرمان وإبعادهما من دفة القيادة، يستطيع المضي في درب التفاوض وفي مسار السلام حتى نهاياته؟ وهل بعد التدابير الداخلية التي اتخذها قادر على مواجهة الظروف المحيطة بالتفاوض والمفاوضات واتخاذ قرار شجاع بالاتفاق مع الحكومة ووقف الحرب؟
> إذا قارنا ظروف المفاوضات متى ما حدد أجل لها، والظروف السابقة والبيئة الإقليمية والدولية، نجد أن هناك تحولات كبيرة جرت في الداخل وفي الإقليم قد تكون محفزاً لتحقيق الهدف المنشود وإحلال السلام، فالوفد الجديد والحركة الشعبية قطاع الشمال بتركيبتها القيادية الراهنة لا علاقة لها بالأجندة التي كانت تطرح في السابق من منصة المفاوضات، خاصة ما ظل يلوكه عرمان في كل جولة حول القضايا القومية والتحول الديمقراطي وقضايا الأقاليم الأخرى، فالجديد أن الحلو لا يبدو منشغلاً بغير الوضع في جنوب كردفان والتوصل إلى شراكة سياسية مع الحكومة في إطار الولاية (جنوب كردفان) وما يهم مواطنيهاوسكانها، ولا يخفي رغبته في الترشح لمنصب الوالي في عام 2020م، ومن السابق لأوانه الحديث عن المحددات والسقوف التفاوضية لوفد الحركة من الآن عند الجولة القادمة التي لم تحدد بعد، لكن هناك أحاديث هنا وهناك مؤداها أن قضايا المنطقتين التنموية والشراكة السياسية ووصول المساعدات الإنسانية والترتيبات الأمنية والعسكرية ووقف إطلاق النار الشامل، هي قضايا لا يختلف الحلو فيها كثيراً عن موقف الحكومة التفاوضي، وهذا وحده كفيل بتقريب وجهات النظر ووضع أساس صالح لتسير عليه مركبة التفاوض.

من المعروف أن الحلو كقيادة عسكرية للحركة في السابق وهو الآن القائد السياسي والعسكري لها، غير مشغول البتة بالأجندة السياسية التي كان يتمسك بها عرمان في الجولات الماضية، ولربما يطرح آراءً ويعلن عن مواقف يسهل معها التفاهم، خاصة بعد قبوله المقترح الأمريكي حول المساعدات الإنسانية ومرور المواد الإغاثية، ولعله يفهم جيداً أن الحماس لقضية المنطقتين قل بشكل لافت في الدوائر الغربية وفي الإقليم، وصار الجميع أحرص على وقف الحرب وتحقيق السلام بأعجل ما تيسر، ولم تعد هناك جهات أو حكومات في الغرب تريد استمرار القتال إلى ما لا نهاية، فالسلام صار خياراً لا يمكن التراجع عنه، وباتت كل الجهود تسعى إلى اتمام تسوية شاملة للصراع في المنطقتين وبدء مرحلة سياسية جديدة.

> وقد يقول قائل إن الحلو بأجندته المناطقية والجهوية المحصورة في جنوب كردفان، يسعى إلى تكريس واقع محلي توطئة لمطالبات قادمة بالحكم الذاتي أو الانفصال، كل هذه تخمينات وتكهنات لا يسندها الواقع ولا التحولات الجارية في الحركة الاجتماعية والسياسية بجنوب كردفان، ويعلم الحلو قبل غيره أن أية فكرة من هذا النوع لن تكون مقبولة على الإطلاق، ولن يكرر أهل جنوب كردفان محنة جنوب السودان.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة