تحقيقات وتقارير

نزع السلاح .. طواحين الجمع تدور ببطء


(الحكومة كبست) .. عبارة معروفة في وسط المجتمع عند وقوع أزمة ما تستدعي تدخل الأجهزة الأمنية لحلها أو فضها أو معالجتها, ومنذ اليوم الأول لبداية الحرب في دارفور وحتي يومنا هذا «الحكومة كبست» بكل الطرق,

لمعالجة الأزمة التي ضربت الإقليم وتركت آثارا سالبة كثيرة طالت المجتمع وصنعت داخله ثقوباً عديدة أكبرها على الإطلاق هو السلاح, ومع تسارع وتيرة وضع لبنات الاستقرار والسلم بالإقليم, أطلقت الحكومة حملة لنزع السلاح وأسندت مهمتها لنائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن, ورغم صعوبة العملية المعقدة وضرورة بنائها على خطة علمية واستراتيجية محددة وافتقار المسألة لذلك, إلا ان الحملة نفسها أمر حميد سواء نجح أو فشل, وعطفاً على مسألة قيادة حسبو نفسه للحملة, هناك كثير من المنعطفات بالغة الصعوبة التي سوف تمر بها الحملة, وهي مسألة الكثيرين لفكرة التسلح ذاته وضرورة ووجوب أن تمتلك سلاحاً لانصراف العقلية المجتمعية الى ذلك, انصرافاً تام للعقلية العسكرية, وهي فكرة معتنقة للكثيرين وباتت سمة واضحة لدى المجتمع القلق الذي يواجه صعوبات اقتصادية هائلة وضغوطاً كثيفة لم يجد ملاذاً غير تسليح نفسه ببندقية لمقابلة المجهول, وغير ذلك أصبحت فكرة التسليح عند بعض القبائل ضرورة وأهمية بالغة في إطار التنافس أو الانتقام او حل الخلافات, وجعلت تلكم القبائل همها الرئيس هو امتلاك السلاح ونبذ الحلول والمبادرات السلمية لحل الخلافات والمشكلات التي تعتري الأجواء مع الأقربين منها أو من يعيشون حولها.
نقاش محدد وغير محدد حول حزمة مما يجري بالساحة السياسية والاقتصادية أجراه رئيس حزب العدالة والتحرير القومي د. التجاني سيسي, مع مجموعة من الصحافيين, اللقاء الذي تحدث فيه سيسي , تطرق أولاً لعملية نزع السلاح واستحوذ على غالبية فترة النقاش.
نزع السلاح
وفق اعتبارات أن عملية نزع السلاح عملية معقدة تتطلب خطة + استراتيجية مضى د. سيسي الى أن العملية نفسها يجب ان تتم بالتزامن في كل الولايات وبالتنسيق مع دول الجوار خاصة تشاد وليبيا وافريقيا الوسطى. ويعتقد في ذات الاثناء أن نزع السلاح من منطقة دون الأخرى يؤدي الى مشكلات.
ويجزم سيسي بأن وجود السلاح مع الاستقطابات, خلق وضعا ومشكلات كبيرة في دارفور, وان تسويق السلاح لها من خلال الصراعات التي كانت سابقا في تشاد والآن في ليبيا أدى الى دخوله. ويلفت الانتباه الى أن وجود السلاح في أيدي القبائل هو المشكلة الحقيقية لجهة ان السلاح الموجود بيد الحركات المسلحة تتعامل معه الحكومة بطريقة مباشرة, لكن السلاح الموجود بأيدي القبائل تتعامل به القبائل ضد بعضها, ونبه سيسي الى أهمية التخلص من السلاح بعد نزعه وليس وضعه في المخازن لأن العملية ستصير شائهة في هذه الحالة، بجانب التخلص من الذخائر بذات الطريقة.
وينوه سيسي الى أن المشكلة أصبحت ذهنية للبعض لجهة أن الذهنية هذه باتت تفكر في اكتناز السلاح حتى الثقيل منه. اضافة الى مشكلة الاستقطابات التي تمثل المهدد الآخر لدارفور والبلاد مطلقا في ذات الأثناء دعوة لإطلاق برنامج قوي للتصدي لتلك الاستقطابات التي وصف بعضها بـ”المتنامي”. وطلب سيسي تضمين وترجمة مناهج ضد الاستقطابات لوقف عملية إضعافها للولاء القومي. وأضاف ” هناك شطح شديد في المسائل القبلية والإثنية والجهوية”.
بالمقابل يرى أستاذ العلوم السياسية د. محمد إدريس , أن عملية نزع السلاح عملية معقدة ولا تخضع لنقاء الآمال, ويضيف لـ”الإنتباهة” في مداخلة حول عملية نزع السلاح, أن العملية ليست حملات وتصريحات وأوامر تطلق هنا وهناك, فهي عملية دقيقة تستدعي خطة علمية للبحث عن مكان السلاح ووجود بيد من؟ بجانب استراتيجية محددة لجمعه في منطقة مثل دارفور, والتعامل مع متطلبات الاستراتيجية وفق خطط طوارئ حال عدم التسليم ليس من بينها الصدام والقتال المباشر لمحاصرة اندلاع مواجهة حربية بين الحكومة وجهة ما, ويقول ” يمكن إسناد الاستراتيجية بصورة مباشرة لدو الأهلية بصفة حقيقية, فهي مخزن المعلومات هناك, تعلم من تسلح وماذا يحمل وما الذخيرة التي لديه”.
وجزم إدريس بأن العملية بدأت ببطء لجهة عدم وجود خطة واستراتيجية واضحة .وأضاف ” حتى إن وجدت لم يتم الإعلان عنها وكل ما سمعناه هو حديث سياسي لنائب الرئيس”.
إلغاء الديات
أكثر ما يلفت أو نال الملاحظة, هو مطالبة سيسي بإلغاء الديات (بفقه الضرورة) لجهة ان الدية نفسها باتت محفزاً للقتل لأن جماعات أو قبائل تعمد لذلك وهي تعلم ان الأمر لا يتعدى الدية, وتجتمع لجمعها ومنحها, وبالتالي وصلت الى مرحلة أخطر حتى على مستوى مقتل النظاميين ومطالبة القبائل بديات.” الحديث ربما كان أثر قصة غاية في الغرابة وقعت بالفعل في دارفور, وهي ان قبيلة اختطفت أربعة من العمد, وطالبت بدفع دية في مقتل أحد أفرادها في سبعينيات القرن الماضي”.
العنف الطلابي
بعض من النقاش دار حول قضية العنف الطلابي ومقتل عدد من الطلاب في الآونة الأخيرة , ويرى سيسي ان العنف الطلابي ليس قضية جديدة إنما زادت وتيرتها مؤخرا, وهي نتاج مباشر للاستقطابات.
وأقر سيسي بوجود مشكلات بين طلاب الحركات وأحزب اخرى, ومشكلات بين طلاب الأحزاب المختلفة, وهي مشكلات تحتاج الى مناقتشها على المستوى القومي لوضع حدٍ لها.
ويعتقد سيسي أن صغر سن أو أعمار الطلاب أنفسهم جزء من المشكلة.
مفوضيات دارفور
وأكد سيسي أن منبر الدوحة هو المعترف به اقليميا ودوليا, وجزم في الوقت نفسه بأن قطر ملتزمة بما التزمت به في مؤتمر المانحين, وقال ” القطريين لن يتنازلوا عن دورهم في دارفور”. ونبه سيسي الى مفوضيات دارفور تم تعيين مفوضين دون وجود الكادر الوظيفي الذي يعمل بها, ونوه الى مناقشة هذا الأمر مع الرئيس البشير في لقاء قبل يومين بالقصر الرئاسي. وأضاف( لا يوجد كادر للعمل بهذه المفوضيات).
الدستور الدائم
وأسهب سيسي في الحديث عن الدستور منوهاً الى أن أكثر من 60 عاما كافية لوضع دستور دائم للسودان, وقال: آن الأوان لوضع دستور دائم. وتابع بالقول : لا نتحدث عن بداية من الآن لكن مفروض بدء نقاش لقضايا الدستور وأن يتناقش السودانيون جميعاً لوضعه “. ونبه سيسي الى أهمية إجراء حوارات حول الدستور لجهة أهمية وجوده قبل انتخابات 2020 المقبلة.
إحباط الحوار
هي جملة, رغم محاولة سيسي الابتعاد عن قبولها, إلا أنه أقر بقراءتها في الإعلام كثيرا, وقال إن الحوار يواجه تحديات وقابلها سابقا, مثل تشكيل الحكومة التي وضعت أمامه سؤالًا مهماً حول الحديث عن مغادرته غاضباً لعدم اختياره ضمن طاقم الوزراء, وهو ما أضحكه كثيرا وأضاف ” غادرت الى انجلترا قبل إعلان الحكومة لتلقي العلاج من كسر أصابني ومكثت هناك 18 يوما والتقيت بالنائب الأول للرئيس قبل سفري وقلت له إن بمجرد سفري سيتحدث البعض عن خروجي غاضباً”, وأفصح سيسي لأول مرة عن اعتذاره عن منصب في الحكومة, وقال ” العمل التنفيذي له تبعات كبيرة جداً”.

هيثم عثمان
الانتباهة