حوارات ولقاءات

د. التجاني السيسي : فقدنا مصر عملياً وليبيا الخطر الداهم


كشف رئيس حزب التحرير والعدالة القومي، الدكتور التجاني سيسي، عن بطء يشوب تنفيذ عدد من بنود مخرجات الحوار الوطني، وقطع بأن وجود 160 حزباً وحركة مسلحة بالبلاد يمثل أزمة تعوق تنفيذ مشروع إصلاح الدولة.
وقال السيسي في حوار مفتوح مع عدد من الصحفيين إن نزع السلاح ينقذ البلاد من الانفجار، معتقداً أن حالة الاستقطاب الحاد تشكل مهدداً حقيقياً، وشدد على أهمية التنسيق مع دول الجوار، متوقعاً رفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية في أكتوبر القادم .
*أعلنت الحكومة جمع السلاح بكردفان ودارفور، هل يمكنها تحقيق هذا الهدف الذي استعصى عليها طوال السنوات الماضية؟
– في البدء، لابد من الإشارة والتأكيد على أن البلاد شهدت تدفقاً غير مسبوق للسلاح في مختلف أنحائها بما فيها العاصمة، وهذا الواقع الذي لا يمكن إنكاره، وفي ذات الوقت غض الطرف عنه حتم على الحكومة اتخاذ قرار أعتبره جريئاً وشجاعاً يقضي بنزع فتيل هذه الأزمة قبل أن تنفجر.
*ماذا تعني بالانفجار؟
– وجود كميات كبيرة من السلاح في أيدي المواطنين وخارج سيطرة القوات النظامية، وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة التي تشهدها البلاد من شأنها أن تمثل تهديداً مباشرًا لأمن واستقرار البلاد، لذا فإن الضرورة تحتم في الوقت الراهن دعم جهود الدولة الرامية إلى تحقيق هذا الهدف الذي حال ترجمته على أرض الواقع، فإننا سوف نجنب البلاد مخاطر تحدق بها .
*ماذا تعني بالاستقطاب؟
– البلاد تشهد حالياً كما أشرت حالة استقطاب جعل تصنيفات مثل إثني وقبلي وجهوي تتصدر المشهد، وفي تقديري أنها أكبر مهدد لوحدة البلاد، ولابد من التصدي لها بكل قوة، نعم ظللنا لفترة نعاني من تحديد هويتنا، ولكن الحوار الوطني حسمها وأنهى هذا الإشكال، ولابد من تضمين إعلاء الحس القومي في منهجنا وسلوكنا، وقبل كل ذلك لابد من الإيمان بأهمية أن يكون السلاح حصرياً في يد القوات النظامية مثلما هو سائد في كل الدول.
*ولكن من قبل وبالتزامن مع بداية استفتاء دارفور، أعلن رئيس الجمهورية من الفاشر جمع السلاح عن طريق شرائه من المواطنين ولم يحدث؟
– نعم.. هذه حقيقة توضح أن الحكومة تدرك جيداً خطر انتشار السلاح، ورغم إعلان رئيس الجمهورية لكن الاستجابة لم تأت بالشكل المطلوب، والسبب في تقديري يعود إلى عدم توفر الإرادة لدى الدولة وقتها، ونحن بوصفنا شركاء لم نشعر بتوفر الإرادة، ولكن الواقع أخيراً اختلف تماماً، حيث تبدو الحكومة أكثر إصرارًا على تجفيف البلاد من السلاح خارج قنواته الرسمية ونزعه من المواطنين.
*وما هو المطلوب حتى تتمكن الدولة من تحقيق هذا الهدف؟
– لابد من تحقيق بعض الاشتراطات الضرورية حتى تنجح عملية النزع وأهمها بطبيعة الحال وضع إستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى وفقاً لمنهج مدروس لأن تحقيق هذه الغاية يحتاج لوقت ربما يطول، كما لابد أن يأتي متزامناً بدارفور وكردفان حتى تتمكن الحكومة من وضع يدها على السلاح كاملاً، بالإضافة إلى إشراك كل القوى السياسية لأن الهم وطني، ويحتاج إلى تكاتف كل الجهود.
*ولكن في ظل عدم الاستقرار الامني في بعض دول الجوار ألا تعتقد أن الأمر سيكون مثل “ساقية جحا”؟
– وهذا يحتم التنسيق الكامل مع دول الجوار خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ودولة جنوب السودان، لضمان عدم تدفق المزيد من السلاح على البلاد، ولا أعتقد أن قفل الحدود أو المعابر يخدم هذه القضية بل التنسيق والجهود المشتركة بين هذه الدول، هو الذي من شأنه محاصرة تدفق السلاح على السودان، وكذلك لابد من إشراك الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة لأنها تدعم مثل هذه البرامج.
*بالانتقال إلى محور آخر، هل يشوب البطء تنفيذ مخرجات الحوار؟
– نعم.. ولكن قبل الاستفاضة في الإجابة على هذه السؤال، لابد من التأكيد على أن الحوار الوطني يعتبر من أهم المحطات في تاريخ البلاد وتعتبر مخرجاته صمام أمان للحفاظ على أمن واستقرار البلاد ووحدتها، أما فيما يتعلق بتنفيذ المخرجات نقول نعم يشوبها بطء في إنفاذ بعض البنود.
*مثل ماذا؟
– أعتقد أن الفترة القادمة لابد أن تشهد حديثاً موسعاً وحراكاً قومياً شاملاً، ينصب حول وضع دستور دائم للبلاد حسبما نصت مخرجات الحوار الوطني، وحينما نؤكد أهمية الحديث عن الدستور فإن هذا ينبع من أهميته ومن الحقيقة الراسخة التي تؤكد أن السودان ظل منذ الاستقلال يحكم بدساتير انتقالية، لذا فلابد من طرح قضايا ذات صلة بالدستور وبمشاركة جميع القوى السياسية المعارضة والمشاركة في الحكم بالإضافة إلى شرائح المجتمع المختلفة.
*ما هي البنود الأخرى؟
– أيضاً لم تشهد الفترة السابقة منذ المصادقة النهائية على مخرجات الحوار في أكتوبر الماضي تحركاً ناحية إنشاء المفوضيات التي تم تضمينها في مخرجات الحوار، وتعتبر ذات أهمية قصوى، ومنها مفوضيات مكافحة الفساد والانتخابات وغيرها، وأعتقد أن كل البنود التي لم يتم إنزالها تحتاج لجهد كبير، وذلك لأن العام 2020 ليس بعيداً.
*وأين آلية سبعة زائد سبعة؟
– هي ليس منوطاً بها تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بل تعتبر جهة تراقب ما تواثق عليه الجميع، والحكومة هي التي تتحمل مسؤولية إنفاذ كل البنود المنصوص عليها، وهي كذلك التي تتحمل برنامج إصلاح الدولة.
*كيف يمكن إصلاح الدولة في ظل وجود 160 حزباً وحركة مسلحة؟
– نعم، ملاحظة صحيحة لا يمكن تجاوزها، وهنا علينا أن نتحدث بكل شفافية وتجرد لأننا نعتقد أن وجود 160 حزباً وحركة مسلحة أزمة حقيقية من شأنها أن تعوق برنامج الإصلاح، وهذه الأجسام السياسي إذا لم يتم إصلاحها فلن يتغير الواقع، لذا لابد من التحرك في هذا الإطار.
*الإصلاح يربطه البعض برفع العقوبات الأمريكية، هل تعتقد أن أكتوبر القادم سيحمل أخبارًا سارة للسودانيين؟
– بكل تأكيد، فإن العقوبات الأمريكية ألقت بظلالها السالبة على الاقتصاد السوداني ليس بسبب توقف العلاقة التجارية مع أمريكا وحسب، بل مع الكثير من الدول، وفي تقديري أن الحكومة السودانية أوفت بما عليها من التزامات في المسارات الخمسة، وأتوقع أن يسمع السودانيون أخباراً سارة في أكتوبر ولكن؟
*ولكن ماذا؟
– المشكلة الحقيقية تكمن في وجود تيارات ضغط في أمريكا تؤثر دائماً سلباً على السودان، فهي لا تريد أن يتم رفع الحظر عن السودان، ولكن إذا لم يستمع إليها ترمب أتوقع أن يتم رفع العقوبات نهائياً، وما يرجح هذه الفرضية فإن الرئيس الأمريكي لم يلغ قرار أوباما في هذا الخصوص ولم يعمل على تجديدها لفترة طويلة، وبصفة عامة فإن كل المؤشرات تؤكد رفع العقوبات عن السودان .
*هل ستنتهي مشاكلنا الاقتصادية برفعها؟
– لا.. علينا ألا نعول كثيرًا على العقوبات الأمريكية بعد رفعها، قد تُحدث انفراجاً، ولكنها لن تقود لتحسين وضع الاقتصاد بالبلاد، وحجر الزاوية في مبارحة محطة المشاكل الاقتصادية يتوقف على رفع الإنتاج والإنتاجية خاصة الزراعي والرعوي اللذين تعرضا لإهمال كبير بعد استخراج البترول والذي ذهب إلى دولة الجنوب وعلى إثر ذلك انكشف أمرنا الاقتصادي، أكرر وأشدد على أن خروجنا من الوضع الحالي يتوقف على رفع الإنتاج والإنتاجية.
ـ مستقبل الشراكة مع المؤتمر الوطني بات محفوفاً بالمخاوف؟
– نحن شركاء في حكومة الوفاق الوطني، وسنستمر في هذا الأمر، ومستقبل الشراكة ماضٍ لم نخرج من الحكومة، والحديث عن غضبي غير صحيح البتة، غادرت قبل فترة إلى لندن لدواعٍ مرضية، ولم أكن مغاضباً، وجلست مع الفريق أول بكري حسن صالح قبل سفري وأخطرته بظروف سفري وتفهَّم الأمر.
*نزع السلاح ربما يُجابَه بتحديات خارجية؟
-نزع السلاح قضية داخلية، ولا توجد جهة أجنبية مسوؤلة عن نزع السلاح، والمواطن لابد أن يكون شريكاً في عملية جمع السلاح، ويجب أن تكون هنالك توعية إعلامية مكثفة بضرورة وأهمية جمع السلاح .
*البعض يطالب بدفع تعويضات مادية للمواطن مقابل تسليم السلاح؟
– من الأشياء المريحة للنفس هي عدم دفع مقابل مادي للمواطن مقابل تسليم السلاح، دفع تعويضات مادية سيحول القضية للسوق بتجارة السلاح، بالتالي يمكن للمواطن أن يشتري سلاحاً بأموال التعويض، ثم يأتي لبيعه للحكومة في ذات الوقت، يجب وقف الاستقطابات التي ستحول السودان في حالة استمرارها إلى وضع أسوأ من الصومال .
*السلاح في يد قبائل كثيرة ويصعب جمعة بسهولة؟
– الخطأ في تمليك السلاح لقبائل المراحيل في 1986م لمواجهة التمرد والخطأ تراكم في السنوات الماضية، بالتالي نحن نؤيد جمع السلاح في الوقت الحالي وفق خطط مدروسة، يجب أن يكون السلاح في يد الدولة فقط حفاظاً على هيبتها .
*ما دور الإدارة الأهلية في جمع السلاح؟
-استصحاب الإدارة الأهلية في عملية جمع السلاح أمر لابد منه، يجب أن تكون الإدارة الأهلية حاضرة في الفترة القادمة.
*الإدارة الأهلية غير مرضيٍّ عنها في مسألة الصلح خاصة الديات والتعويضات؟
-في تقديري يجب إيقاف الديات وإعادة النظر فيها لأنها تحولت لاستثمار في الموت.
*الشاهد في الأمر أن القيادات الدارفورية في الحكومة لم تبدِ حماساً لمسألة جمع السلاح؟
– قيادات دارفور مع مبدأ جمع السلاح وهي تؤيد الخطوة ونحن طالبنا بذلك منذ وقت طويل .
*هل تمت مشاورتكم في مسألة جمع السلاح؟
– لم تتم مشاورتنا في مسألة جمع السلاح، ولكن نؤيد الخطوة .
* بعض القبائل تتخوف من تسليم سلاحها وهو الذي يشكل لها حماية من هجمات قبائل أخرى؟
– حماية المواطن مسوؤلية الدولة، وليس مسؤولية القبائل .
*ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات صارت في تزايد مخيف في الآونة الأخيرة؟
– العنف الطلابي ليس وليد اللحظة، وفي أوقات سابقة كان العنف الطلابي أخطر من الموجود حالياً، بالتالي ما يحدث ليس ظاهرة مخيفة، ولكن في تقديري أن السبب الأساسي في ازدياد العنف الطلابي، هو الاستقطاب الجهوي والقبلي الحاد في الجامعات.
*الشاهد في الأمر أن معظم طلاب دارفور بالجامعات صاروا من أنصار الحركات المسلحة؟
– هذا يرجع أيضاً لحالة الاستقطاب الجهوي والإثني والقبلي، بالتالي لابد من معالجة هذا الأمر في أسرع وقت ممكن حتى لا يتفكك السودان.
*العلاقات مع دول الجوار تشهد تدهوراً مريعاً خاصة مع تشاد ومصر وليبيا؟
– عملياً فقدنا مصر، ولكن دبلوماسياً ما زالت العلاقات موجودة، مصر تقود حملة شرسة ضد السودان بسبب قضية حلايب، أما ليبيا فهي تعتبر الخطر الداهم على السودان، وينبغي التحسب لذلك، تشاد تتخوف من وجود معارضتها مع حفتر لذلك تسعى لكسبه.

صديق رمضان ـ عبد الرؤوف طه
الصيحة