تحقيقات وتقارير

قمة البشير وسلفا..التحـديـات والصعـاب عـلى طـاولة الرئيسـين


أيام قلائل , وتستقبل الخرطوم رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت الذي يأتي هذه المرة للخرطوم وهو محمل بهموم وقضايا بحسب مستشاره قلواك الذي قدم للخرطوم في وفد المقدمة، وتأكيده على أنها ثقيلة وبعضها عالق بين البلدين،

لبحثها مع نظيره الرئيس البشير الذي أبدى هو الآخر في وقت سابق ترحيبه بالزيارة التي أعلنت أكثر من مرة, كما رحب بكل القادمين الجنوبيين جراء أزمة الصراعات والحروب الداخلية التي ضربت بلادهم في وقت وجه فيه المؤسسات سابقاً بعدم معاملتهم كأجانب.
تأتي هذه الزيارة في ظروف مفصلية إذ ما زالت علاقة البلدين تتأرجح بين الرغبة في التواصل الاقتصادي والدبلوماسي وبين عدم الثقة الذي يلف الكثير من الملفات وخاصة الأمنية بينهما.
في وقت ما زالت فيه المعارضة المسلحة تلعب دوراً كبيراً ومحورياً في تأزيم هذه العلاقة بعد الاتفاق الشهير الذي توصل اليه البلدان بمعية الاتحاد الافريقي لجعل الحدود بين البلدين خالية من أية شوائب وتدخل بوجود بعض تلك العناصر المتمردة. بينما ما زالت قضايا الحدود تقف هاجساً كبيراً أمام أي تقدم بالعلاقات بين البلدين إذ ما زالت أبيي تقصم هذه العلاقة بتداخلاتها السياسية والاقتصادية والاثنية ،وتمسك كل طرف بها يجعل ليس من السهولة الوصول لتفاهمات بشأنها قريباً بينما تشير كل الاتفاقيات القديمة والتاريخية إلى أزلية سودانية المنطقة وشماليتها بناء على خطوط الطول والعرض المحددة لتلك الحيثيات الجغرافية منذ زمن الاستقلال.
كما تأتي قضية البترول وتصديره كأكبر عقبة تقف أمام نمو العلاقات وتطورها بالرغم من المباحثات العميقة والكثيرة والتي وضعت حلولا سابقة له، بيد أن تفجر الحروب والصراعات في جنوب السودان أدى إلى تعميق الهوة باستهداف هذا المورد الاقتصادي المهم ما أعاق عملية التوريد عبر ميناء بورتسودان المستهدف بنص الاتفاق. وربما شملت الزيارة في جانب كبير من مباحثاتها هذا الجانب المهم في عمق العلاقة الاستراتيجية.
وفد المقدمة بالخرطوم
وقد استقبلت الخرطوم وفد مقدمة الرئيس سلفا كير ميارديت رئيس دولة الجنوب، وقد ترأسه مستشاره توت قلواك بينما كان في استقباله بمطار الخرطوم وزير الاستثمار مبارك الفاضل الذي قال إن القمة الرئاسية ستناقش الكثير من القضايا الحية بين البلدين بجانب قضايا كثيرة عالقة, بيد أن وزير الاستثمار أشار بقوله إلى أن هذه القضايا لا تمنع التعاون الاقتصادي بين البلدين وصولاً لحلول مرضية للقضايا الأمنية. ويقول توت قلواك مستشار سلفا كير إن الزيارة تأتي لإزالة كل القضايا التي تعترض التعاون الاقتصادي والتجاري. وزاد نحن ما ضيوف وانما أهل بيت، مبيناً أن الزيارة بتوجيهات من الرئيس سلفا كير وأنها مطلع الاسبوع المقبل لمناقشة قضايا مهمة وعالقة وإزالة المشاكل الأمنية بين البلدين.
لقاء غندور وألور
وقد ناقش وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور، مع نظيره من دولة جنوب السودان دينق ألور على هامش مشاركته في فاتحة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة للدورة الثانية والسبعين بنيويورك، عدداً من الملفات الثنائية بين البلدين ومسار العلاقات بين جوبا والخرطوم،.
وأبان الناطق الرسمي باسم الخارجية قريب الله الخضر أن الاجتماع تطرق لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تقويتها، والمضي قدماً في التعاون المشترك والتنسيق في المحافل الدولية، فضلاً عن تبادل الأفكار ووجهات النظر حول جملة من القضايا محل الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي.
مخرجات الإيقاد
وكانت آخر قمة شارك فيها البشير لأجل جنوب السودان كانت القمة الاستثنائية لرؤساء دول وحكومات هيئة تنمية شرق إفريقيا «إيقاد» في منتصف هذا العام نهاية يونيو الماضي، والتي انعقدت بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا بخصوص جنوب السودان. وقد حفلت بالجديد المثير في قطار الأزمة الجنوبية الذي لم يغادر محطات الخطورة المطلة على شعب دولة جنوب السودان وجيرانها من دول الاقليم. وكانت القمة قد طلبت من جوبا التحقق في اتهامات وجهها إليها الرئيس عمر البشير بدعم متمردي دارفور لزعزعة الاستقرار في بلاده.
وكان السودان قد تقدم بشكوى رسمية للاجتماع الذي انعقد في اديس بشأن تورط الجنوب في الحرب القائمة في دارفور بين الحكومة ومتمردي دارفور من الحركات المسلحة التي قدمت من داخل العمق الجنوبي بأراضي الجنوب إلى وسط العمق في إقليم دارفور.
قمة القضايا المهمة
وقد أخذ موضوع القمة حيزه من الأهمية وسط كل صحف الخرطوم وقالت مصادر لـ(الإنتباهة) إن أجندة القمة قد تشمل تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة بين البلدين والملفات السياسية والأمنية، إضافة لملف طرد الحركات السودانية المتمردة من أراضي دولة جنوب السودان، في وقت أكد فيه السودان بشهادة المجتمع الدولي طرده قيادة الحركات المسلحة التي تقبع وما زالت داخل أراض دولة الجنوب ووجود رئيس الجماعة المتمردة تحت الإقامة الجبرية في جنوب إفريقيا. وأكدت ذات المصادر أن تحسن العلاقات بين الخرطوم وجوبا سيسهم بإيجابية كبيرة في الاستقرار الإقليمي، وبالاشارة لواقع الحديث عن التوقعات لتلك القمة ،فإنه يجعل كل المتابعين للعلاقات المشتركة والحراك الدائر في محيط تلك العلاقات السودان جنوبية، في حالة توقع لكل السيناريوهات، وأن تناقش القمة مثلاً ملفات لقضايا ذات اهتمام مشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكسر جمود العلاقات الثنائية وإحداث اختراق يمكن من التطبيع الكامل لها. وكان ملف عملية السلام في دولة جنوب السودان التي تعاني من أزمات متفاقمة حالياً، قد ورد ضمن الأجندة الأساسية في الحوار السوداني ــ الأمريكي الذي بموجبه تم رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان.
القمة وقضية التمرد
وقد أجلت ارتباطات الرئيسين (البشير وسلفا) في وقت سابق قيام أو انعقاد عدة قمم تم الإعلان عنها مرات عديدة، ومازالت علاقات الخرطوم وجوبا تعاني من توترات واتهامات متبادلة بشأن إيواء الحركات المسلحة، بالرغم من أن الأوضاع بالنسبة لهذا الاتهام تبدو أكثر من رائعة، حينما قام السودان بطرد زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان رياك مشار إلى منفاه ومحل إقامته الجبرية أديس ابابا، حيث تقول الخرطوم إن جوبا لم تقم عملياً بترجمة تصريحاتها بطرد المتمردين من أراضيها، حيث ما زالت الحركة الشعبية قطاع الشمال تنطلق من أراضيها في عملياتها ضد السودان.
ورغم أن القمة التي دعت اليها آلية (الإيقاد) الرؤساء الأفارقة كلهم لمعالجة الشأن الجنوبي تحديداً إلا أن رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت تخلف عن الحضور بحجة أن لديه مشغوليات أخرى جديرة بالمتابعة، فيما ناب عنه تعبان دينق نائب رئيس جنوب السودان، فيما شارك في القمة الماضية الرئيس عمر البشير ونظيره اليوغندي يوري موسفيني، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين، ونظيره الصومالي حسن علي خيري، ووزيرا خارجية كينيا أمينة محمد وجيبوتي محمود علي يوسف.
درجة عالية من الأهمية
ويرى متابعون للشأن السوداني الجنوبي بالداخل من المختصين والخبراء، أن معظم القمم السابقة التي عقدت بين الرئيسين لم تنجز ما من شأنه أن يأتي بالجديد في إطار تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين الجارين، باستثناء القمة التي عقدت بالخرطوم لمعالجة أزمة الاقتصاد الجنوبي، والتي أقرت بضرورة أن تسمح الخرطوم بتمرير نفط الجنوب عبر الميناء السوداني في بورتسودان. وقال د. الطيب صديق المختص بالشأن الجنوبي والأكاديمي لـ(الإنتباهة) إن الجديد الذي حدث في إطار القمم والمختصة بالشأن الجنوبي هو ما حدث في القمة السابقة بأديس بإقرارها ما يعرف بمنبر السلام في جنوب السودان. وقال إن هذا المنبر من شأنه وضع خريطة طريق واضحة تلتزم بها كل الأطراف، وتشمل وقفاً فورياً للنار ودعوة إلى الحوار الجاد للوصول إلى تسوية شاملة في الجنوب، وهو الشيء الذي ربما بدأ به المنبر أعماله، لجهة أن الدعوة للحوار الجنوبي الجنوبي في إطار الحوار الوطني قد انطلقت هناك رغم التعثرات الكبيرة التي ظلت تلاقيها من منطلق ما شهدته البلاد من صراعات وحروب بين مختلف الاتجاهات والإثنيات. ولم يغفل د. الطيب الآثار المترتبة على اندلاع الحرب في الجنوب وتأثيراتها في دول الجوار والاقليم والسودان على وجه الخصوص، للقواسم التاريخية التي تربط شعبي البلدين على مر العصور الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.
لذلك فهو يرى أن القمة المرتقبة بين البشير وسلفا قمة على درجة عالية من الأهمية، ومن شأنها معالجة كل صور القصور الذي لازم مسيرة العلاقات الثنائية بين شعبي البلدين منذ الانفصال وإلى تاريخه. وأشار إلى أن الرئيسين إذا تعاملا مع الواقع بجد واهتمام كبير ربما خرجا من هذه القمة بأسس تضمن مسيرة البلدين خلال الأعوام القادمة بسلام واستقرار، باعتبار أنهما تأذيا كثيراً وتأثرا باندلاع الصراعات الداخلية والحروب مع الأطراف المناوئة لنظاميهما.
إذ أن الحركات المسلحة في دارفور ما زالت تشكل معضلة كبيرة صعب تجاوزها مهما قلنا وتحدثنا عن دحرها، وكذلك ما زالت تشكل المعارضة المسلحة لدولة الجنوب معضلة كبيرة أدخلت البلاد هناك في حالة لا سلم. وبقدر تلك التحديات وصور معالجتها إلا أن الحل يكمن في إنفاذ المخرجات.
أوضاع مأساوية
وقال د. السر محمد علي الأكاديمي والمتابع للشأن الجنوبي، لـ(الإنتباهة) إن موضوع القمة بين البلدين ليس جديداً ولكن الجديد هو أن تعقد قمة في ظل تردٍ واضح للمعالم في البلدين اللذين يواجهان أوضاعاً مأساوية في غاية الخطورة. وأشار السر إلى تردي القطاع المصرفي والاقتصادي بالجنوب، والتدهور المريع الذي تواجهه العملة الجنوبية، والانحدار الحاد نحو الهاوية، مما خلف أوضاعاً غاية الخطورة دفعت المنظمات الحقوقية والعالمية إلى إعلان الجنوب دولة فاشلة ولم يمض على استقلالها أكثر من ست سنوات بجانب إعلان المجاعة إثر هروب الآلاف من المواطنين تجاه السودان وبعض دول الجوار الاخرى نتاج الحرب الطاحنة التي حصدت الآلاف من الأرواح هناك.
وأضاف أن هذا الوضع يضع على رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت مسؤولية تاريخية بضرورة البحث عن حلول عاجلة لهذه المسألة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز دولة السودان في اتخاذها أو عملية البحث عن إيجادها. وفي الوقت نفسه أشار الحسن إلى أن الوضع الاقتصادي المحرج والحصار الذي تفرضه واشنطن تجاه الخرطوم، يفتح الباب على مصراعيه للقيادة في الخرطوم لإيجاد بدائل اقتصادية تحاول معالجة انحدار الجنيه المستمر الذي تجاوز العشرين جنيهاً مقابل الدولار الواحد، مؤكداً أن هذا الوضع يؤثر أيضاً على علاقة الوضع في الجنوب الذي صدر للسودان معظم مواطنيه، فصارت الخرطوم تقوم بمعالجة قضايا مواطنيها ومواطني دولة الجنوب المتأزمة على حساب الخزينة الوطنية والمركزية التي تقع عليها كل هذه الأعباء، مؤكداً أن هذه الصورة للأوضاع في كلا البلدين تحتم على رئيسيها البشير وسلفا, ضرورة بحث معالجات سريعة ودائمة لهذه المعضلات، وهذا لا يحدث إلا بمثل هذه القمم المنفردة.
توقعات إيجابية
وتوقع السر, أن تكلل القمة القادمة بخطط ومعالجات تعيد للبلدين وضعهما الطبيعي باعتبار أنهما يملكان المقومات الاقتصادية الهائلة. وأضاف أنه وفي ظل توفر الرغبة الجادة من الطرفين في وضع حد ومعالجات لهذه الأزمة الإنسانية في المقام الأول والسياسية الاقتصادية، يمكن للبلدين وضع الخطط الكفيلة بإنزال ما اتفق بشأنه إلى أرض الواقع وجعله حيز التنفيذ إذا ما صادف الرغبة الأكيدة لكلا البلدين. وطالب بدور محوري لطي الأزمة بين الرئيس سلفا ونائبه المقال رياك مشار، والعمل على إقناع الرئيس سلفا بضرورة مشاركته في العملية السياسية والحوار الوطني الجنوبي، في ظل جهود لجنة طاولة الحوار الوطني لإقناع سلفا كير بالسماح بعودة مشار كمواطن عادي. ويهدد العنف الذي تمارسه المجموعات المسلحة والإثنية بدولة الجنوب التي يقاتل بعضها بعضاً على الموارد، كل أنحاء المنطقة ما يشكل بدوره عقبة حقيقية ومستعصاة أمام إيجاد حلول لازمة لهذه الأزمة التي تعيشها الدولة الوليدة.

عبدالله عبدالرحيم
الانتباهة