منوعات

“البطان” بالسودان .. إحياء الأعراس بجلد السياط


يرفض إبراهيم ومحمد وبابكر الخروج من وسط الحفل قبل أن ينال كل منهم عدة جلدات كدين واجب سداده للعريس أو صاحب المناسبة السعيدة، أو لنيل احترام كثير من الأقران أو الفتيات ممن يحضرن تلك اللحظة.

وفي حالة من الزهو والنشوة يخلع أكثر من شاب رداءه العلوي وسط حلقة معدة سلفا للحفل كاشفا ظهره للعريس، ليتلقى نصيبه من جلدات تسيل دماءه، في ظل زغاريد تطلقها نساء فرحات بهذا الفعل.

وفي المقابل يفتخر أحمد العريس بزملائه ممن كشفوا ظهورهم وجلدوا لرد دينه، الذي يتمثل في نيل كل واحد منهم عدة جلدات أو ما يعرف بالبطان، وإلا فإن الجميع سيغادر الحفل دون رجعة، وربما تنتهي إلى المقاطعة.

وتعود ظاهرة البطان إلى مناسبات الأعراس أو المناسبات الكبرى في معظم ولايات شمال السودان، من نهر النيل إلى الشمالية إلى شمال كردفان، لتشكل حالة يختلف عليها كثير من الناس.

وكعادة بعض الشباب فإنهم يدخلون الحفل واضعين نصب أعينهم مشاركة العريس وإرضاء الحاضرين، وقطع الطريق على أية عبارات يمكن أن تضعهم في مصاف الجبناء من فتيان القرية أو المنطقة بأسرها.

الأستاذ المسرحي والباحث في ذات المجال عبد الرحمن الشبلي يقول إن البطان عادة كانت في بدايتها محاولة لتكملة طقوس مناسبة الزواج، ومشاركة من زملاء وأصدقاء وأنداد العريس في فرحه.

ويؤكد أنها كانت تنحصر ممارستها بين القريبين من العريس عند بعض القبائل في الشمال والشمال الغربي للسودان. ويضيف أن “الإحساس بوحشية العادة أدى إلى انحسارها في الفترة السابقة. لكن من يرونها محاولة لإظهار قوة التحمل، ومظهرا من مظاهر إبراز الشجاعة لأي شاب، أعادوا إنتاجها من جديد”.

ويعتقد بعض الشباب أن عادة البطان كانت مظهرا من مظاهر التودد للفتيات بسبب الحواجز الكبيرة التي كانت تفصل بين الجنسين “إلا في بعض المناسبات”.

ويعرف الشبلي عملية البطان بأنها نوعا من الجرتق (طقس من طقوس الزواج)، مشيرا إلى حصرها في فئة الشباب “لكن بعض الذين كانوا يجلدون، عندما يكبرون تأخذهم الحمية للبطان فيأتي أحد أبنائهم أو إخوتهم لفديتهم بالجلد بدلا منهم”.

بينما يقول متابعون إن انحسار عادة البطان في الفترة الماضية بفضل التعليم “لم يكن مانعا من عودتها من جديد، لأن بعض الناس يعتقدون أنها موروث تجب المحافظة عليه”.
ظهر أحد الشباب بعد مشاركته في البطان بإحدى مناسبات الزواج في السودان بمدينة الدامر بولاية نهر النيل (الجزيرة)

وينظرون إلى أن مشاركة المتعلمين في عادة البطان محاولة منهم لدحض الاتهامات التي تشكك بشجاعتهم، والعار الذي يلاحقهم بعدم تحملهم جلد السوط، “وبالتالي فإن المتعلمين وأولاد المدارس أصبحوا هم من يحرصون على البطان قبل الآخرين”.

ويؤكد عبد الرحمن الشبلي لمجلة الجزيرة أن ضعف التعليم والبيات الشتوي لهذه الظاهرة خلق عند الجيل الجديد ما يعرف بالحنين إلى الماضي، مما دفعهم لمحاولة إحياء هذه العادة لتبدأ مع الأطفال والصبية قبل الكبار.

ويعلم الأطفال على عادة البطان بالجلد بالعمامة لأجل أن يتعود الطفل أو الصبي على ذلك قبل أن يصل إلى مرحلة سوط العنسيك (شريحة من جلد الفيل).

بينما يقول العريس يحيى إبراهيم محمد أحمد إن التقاليد والعادات الجارية أملت عليه القيام بفعل هو أحد معايير الشجاعة في القبيلة، مشيرا إلى أنه “تقليد أشبه بالدَين بين العريس والذين يجلدون”.

ويقول لمجلة الجزيرة “رغم إننا نعرف الأضرار الناجمة عن ذلك الفعل، فإننا لا نستطيع الإمساك عنه حينما تزغرد النساء احتفاء بصعود الشباب نصف عارين لوسط دائرة الحفل”.

الجزيرة نت