تحقيقات وتقارير

صندوق “الشعبي” الأسود.. كمال عمر.. إذا زرعت سحابة فانتظر المطر


تصمَّم الطائرات مع صناديق سُود، مهمتها الرئيسة حفظ سجل الرحلات الملاحية، وأرشفة تسجيلات كل ما يدور إبَّان الرحلات الجوية. وبالتالى يملك الصنَّاع عيناً راصدة لكل أسرار الطائرة.
وعلى الأرض (المتعولمة) التي يقال إنه لا محل فيها لسر؛ تحتفظ غالبية الأحزاب السياسية السودانية ببشر مهمتهم أداء وظائف الصناديق السوداء التي تحفظ أسراراً غاية في الخطورة. أسرار قد تخرج أحياناً للملأ طوعاً أو كرهاً، وأحياناً يُلِّوح بها، ثم ما يلبث أن تعاود التخفي، وكثيراً ما تغرق مع أصحابها وتطمر في قبورهم.
ولا يكتفي عضو البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، بإثارة الغبار داخل القبة، ولكنه خرج بالأمس وجرَّ مسبحة شيخه الراحل حسن الترابي، وقال إنه قد جعله قيِّماً على أسرار غاية في الخطورة، لو خرجت للعلن بكل تأكيد لهدمت صوامع وبيع وصلوات.
قال عمر للمحاور الماتع صديق دلاي في الزميلة (المجهر السياسي)، إنه يمتلك ملفات للكبار تحوي تفاصيل لـ(من قَتَل ومن سَرَق ومن خَان).
وهو قول يستدعي أن نسأل عن سر توقيت هذا الإعلان الخطير، وهو ما نجد الاجابة عنه في طي ذات الحوار، حيث يقول عمر إن الأمين العام لحزبه، د.علي الحاج، قد صلب الترابي بدعوة كل من خانه من تلاميذ المنشية في عشائه الأخير.
بلا تعليق
كيف ينظر أنصار الحاج إلى حديث عمر، سؤال وجهناه لأكثر من قيادي بالشعبي، فمنهم من اعتذر بكياسة، ومنهم من دعانا إلى انتظار رد رسمي، ولكنهم ما بدلوا الاجابتين تبديلاً.
فقط اتفق جلَّهم على لوم عمر على خروجه من الأُطر التنظيمية، ومن ثم اكدوا جميعهم أنهم لم يفارقوا طريق الترابي. هذا؛ وإن أثار عمر كثيف الغبار، وأعلى أصوات للجلبة والضوضاء.
ضربات موجعة
تتناسب المخاطر في كل شأن بكثرة الاسرار، وكثرة التأمين. يحدث ذلك في العلائق الاجتماعية كافة، فما بالك بإدارة شؤون الناس في مؤسسات الخاص والعام، وداخل دهاليز السياسة التي تُوصم باللعبة القذرة.
وتُعد أخطر الأسرار في السياسة السودانية، تلك التي يصل إليها عدوك، بعد أن يبدِّل مقرباً منك قناعاته، أو يبدِّل جلده، أو حتى تقال دونما قصد. زد على ذلك أن يتم (تغويصك) وزرع جواسيس داخل تنظيمك السياسي الذي تعتقده حصيناً.
وعلي؛ه تلقى الحزب الشيوعي السوداني أكبر الضربات بخسارة عدد من قادة التنظيم لصالح العسكريين بقيادة جعفر النميري. ومعلوم أن فقدانك لمسؤول التنظيم يجعل ظهرك مكشوفاً، فاستقبل الطعنات حينها بجلد.
ولكن بقدر ما آلم ذلك اليسار السوداني، فقد صمد رجالاته من العسكريين والمدنيين أمام محاكم التفتيش التي عقدها النميري لرفاق هاشم العطا في 19 يوليو 1971م، ودفن كل اولئك النفر بأسرار هذه الحركة، تاركين التساؤلات تحوم في الفضاء مذاك الحين وإلى يومنا هذا دون إجابات.
تساؤل مهم
لِمَ يحتفظ الساسة بوثائق ومستندات قد تدين آخرين، بل ويُلوِّح بها من حين لحين.
سؤال طرحناه على المحلل السياسي، محمد نورين، فقال لـ(الصيحة) إن حفظة الاسرار الحزبية عادة ما تحركهم ثلاثة أمور، تأمين أنفسهم ممن يأنس فيهم الايذاء، أو لاغراض ابتزازية بالكامل، وفي حالات نادرة لاغراض توثيقية محضة، خدمة للمعرفة والأجيال اللاحقة.
وبتوجيه تساؤلات أكثر خصوصية؛ تساءلنا عن البواعث التي تدفع كمال عمر للقول بامتلاكه هذه الأسرار التي تهدد عروش الكبار.
ينبه نورين إلى الصراع الدائر حالياً في أروقة الشعبي بين الأمين العام د.علي الحاج، ومناوئيه، وعلى رأسهم كمال عمر، كسبب رئيس للتدافع الحالي داخل الشعبي.
فكمال يعتقد بحيدة الحاج من الطريق الذي خطه الترابي، وله في ذلك أقوال كثيرة على رأسها، أنهم حار بهم الدليل بعد وفاة شيخهم، وتحولوا إلى محض ببغاوات. أما الحاج الذي يُؤثر السكوت، فيعتقد أن كرت كمال مليئ بالمخالفات التنظيمية التي حان قطافها، وهو لصاحبها.
ويخلص نورين إلى انه في ظل هذا التدافع القريب من حدوث مفاصلة بين الرجلين، ستكثر المخاشنات والمخالفات، وستخرج أسرار خطيرة إلى العلن.
بلا إجابات
إن أشرنا عاليه إلى حادثة طمر كثير من أحداث يوليو 1971م، فإن غيرها الكثير ظل طي الكتمان، ولم يخرج إلى الساحة السياسة السودانية.
سلْ عن أموال الشريف حسين الهندي، لتنفتح لك بوابات جهنم في الاتحادي بفروعه وأصله. وسلْ عن أموال التجمع الوطني الديمقراطي، ليتوارى جمع غفير من قادة تلك الفترة. وسلْ عن الكبار الذين قال عمر إنهم متورطون في الخيانة والقتل، ليطأطي كثير من أصحاب الجلابيب رؤوسهم. وسلْ.. وسلْ حتى يخرج من يقول لك (خلوها مستورة).
بالقانون
بيد أن حديث كمال عمر لـ(المجهر)، فتح تساؤلات مهمة حول ما إذا كان ما قال به شأن خاص، يتعاطى معه كيف يشاء، أم شأن عام يستوجب أن يخرج المخبوء.. أو فليصمت إلى الأبد.
تساؤلات؛ حاولنا غير ما مرة طرحها على كمال عمر عبدالسلام، ودوماً ما تنتهي تساؤلاتنا مع آخر جرس لهاتفه الذي لا يجيب.
في الصدد؛ قال المحلل الصحفي، الزميل موسى حامد على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إن رشاش الاتهامات التي بذلها عمر تستدعي مطالبة كمال عمر بتسليم ما عنده من ملفات، بحسبان أن من (خان وسرق وقتل) إنما فعل ذلك بحق الشعب السوداني.
الشفافية
على قادة الأحزاب السودانية تأمين انفسهم بالشفافية، فهذا عصرها، وإن لم يفعلوا ــ ولن يفعلوا ــ فإما أن يلهجوا بالدعاء، أن يتعامل قادتهم مع الأسرار أسوة بما فعل الراحل فتح الرحمن شيلا، المترحل من دار الاتحادي إلى ديار الوطني. أو أن ينتظروا الحريق، فسيأتي يوم لا عصمة فيه من الماء.

الخرطوم: مقداد خالد
الصيحة