تحقيقات وتقارير

عدد المعلمات يفوق عدد المعلمين (2-2) التدريس مهنة لم تعد مغرية للرجال


وزيرة تربية سابقة: سيأتي يوم يختفي فيه المعلمون

خبير تربوي: التلميذ يحتاج إلى أن يكون قدوته رجل

مصلحة: مجال التعليم الأفضل والأقرب نفسياً للمرأة

أستاذ جامعي: الظاهرة عالمية وتحتاج إلى دراسة

خبير: فقدان الرجل يقود التلميذ إلى التشبُّه بالنساء

رغم الأدوار المقدرة التي تقدمها معلمات السودان في مرحلتي الأساس والثانوي، وقبضهن على جمر الصبر على المخصصات المتواضعة رغم المهام الشاقة، وتشكيلهن حائط صد أمام انهيار التعليم الحكومي الذي ذهب عنه الرجال بعيداً لمهن أخرى، إلا أن البعض يعتقد بضرورة دراسة الآثار الإيجابية والسالبة لزيادة عدد المعلمات على المعلمين، بيد أنه يوجد من يؤكد أن هذا الوضع الراهن له انعكاسات آنية ومستقبلية سالبة على التعليم الذي تحتم مسيرته وجود المرأة والرجل بنسب متقاربة إن لم تكن متساوية حتى لا يحدث اختلال، فيما ينظر آخرون إلى هذا الأمر من زاوية أخرى، تتمثل في أن بروز الكثير من المهن المجزية جعلت العمل في التعليم غير جاذب للرجل، وأن المرأة تمكنت من أداء دورها بجدارة..

ما بين الرأي الذي يضع مسؤولية تراجع المستوى التعليمي في البلاد على كاهل المعلمات، وذلك الذي يؤكد على عظمة أدوارهن، الصيحة غاصت في الحلقة الثانية في هذه الظاهرة للخروج منها بنتائج.

حاجة وتقليد

كما أشرنا في الحلقة الأولى، فإن عدد المعلمات في مرحلتي الأساس والثانوي يفوق المعلمين، وكان التربوي محمد البشرى أبكر أكد أن لهذا الأمر إفرازات سالبة ، ويمضي في ذات وجهة نظره في مقاله ويضيف: بمقتضى الأمانة التربوية ومن حصيلة خبرة في التعليم دامت 49 عاماً نلخص ما حل بالتعليم من أخطاء تربوية من جراء أيلولته إلى النساء في الآتي:

يمر التلميذ في مرحلة الأساس بمرحلة تسمى (مرحلة التقليد) يحتاج فيها لشخصية مثالية من الرجال (بالتحديد) تكون قدوة في التعليم والسلوك والرياضة وقوة الشخصية ليقتدي بها ويتشرب بصفاتها.. حيث قال المربي الإسلامي:ـ

تمثلوا بالرجال إن لم تكونوا مثلهم فإن التمثل بالرجال فلاح

تأثير كبير

ويضيف التربوي محمد البشرى أبكر: فقدان الرجل في هذه المرحلة يقود التلميذ إلى التشبه بالنساء ويفقده الكثير من صفات الرجولة، كما أن العقاب الخاطئ للمعلمة غير المؤهلة يبعث في قلب الطفل رعباً من النساء لربما يلازمه في مستقبل حياته، أيضاً أصبحت مشكلة صغار المعلمات وكبار التلاميذ (المراهقون) مشكلة دائمة في مدارس الأولاد، ولقد كثر الحديث عنها في مجتمعات المعلمين بأساليب مخجلة للتعليم ومخلة للتربية ومعوقة لتحصيل التلميذ بل تقوده للضعف في مواد صغار المعلمات، وقد يلازمه ذلك الضعف إلى أن يكون السبب الحقيقي لتفوق البنات على الأولاد في امتحان الشهادة السودانية، كما ثبت أخيراً، كما أن الاحترام هو الحاجز الذي يحفظ العلاقة بين المعلم والمتعلم، فإذا انكسر ذلك الحاجز تكون العلاقة بين التلميذ والمعلمة مجرد بنت تقف أمام شاب في حصة مقدارها 40 دقيقة يحدق إليها النظر ويتمعن في محاسنها، ولك أن تتصور بعد ذلك ما سيطرأ على عقل مراهق ينتظر منه استيعاب الدرس .

عقدة نفسية

ويقول محمد البشرى أبكر أن عقدة صغار المعلمات من التدريس في الفصول الكبيرة بحجة عدم التزام الأولاد بالأدب بينما تكون المعلمة مختصة في مادة أساسية مهمة يكون نتاجها ضعف التلاميذ في تلك المادة مستقبلاً ، ويضيف: التلميذ المراهق له مشاكل خاصة وتعتريه حالات نفسية يعالجها المعلم ببساطة، وليس في وسع المعلمة أن تقف عليها، بل هناك مواقف تعقد المعلمة، وقد تعني نفسها بالمشكلة، فتزيد الطين بلة، كما أن احتقار المرأة لاختها المرأة وضعف شخصيتها أمامها جعل أمهات التلاميذ في مشاكل مستمرة مع المعلمات بخصوص العقاب (وخاصة معلمات البيئة الواحدة) عندما تنتقل حساسيات النساء إلى المدرسة، وإيضا فإن الرياضة البدنية في مدارس الأولاد من اختصاص المعلم بالطبع ونسبة لعدم وجود معلمين رياضيين بالمدارس فقد يفقد التلاميذ التربية الرياضية المرشدة، ويفقدون الكثير من تنمية المواهب الرياضية واكتشاف المهارات والقدرات ويرثون الخمول والكسل والجهل بضروب الرياضة ، وأخيراً الخروج للرحلات والزيارات والنزهة من المناشط الرياضية المهمة التي تتعذر على المعلمة القيام بها ويفقدها التلاميذ لعدم وجود المعلمين يعيشون معهم في أجواء عفوية خارج الحياة المدرسية، وتربطهم بالمجتمع.

حقائق وفوارق

بالمقابل فإن التربوية ورئيس لجنة التعليم بتشريعي ولاية كسلا الأستاذة مصلحة عبد الله غانم ترفض اتهام المرأة بإضعاف التعليم والتأثير عليه سلباً بداعي تفوق نسب وجودها بالمدارس على الرجال، وترى أن مجال التعليم يعتبر الأفضل والأقرب نفسياً للمرأة، لذا فإنها حينما تقبل عليه وتختاره فإنها تخلص له وتؤدي دورها على الوجه الأكمل دون كلل أو ملل، مشيرة إلى أنها لا تتحمل مسؤولية انخفاض نسب الرجال، كما أنها ظلت تتحمل مسؤوليتها كاملة في المدارس الحكومية رغم المخصصات التي لا تتسق مع ما تقدمه من جهد جبار وشاق، وترفض مصلحة اتهام المعلمات بالتسبب في ضعف مستوى الطلاب الأكاديمي، وتشير إلى أنها من ناحية عقلية وفكرية لا تختلف عن الرجل في شيء ، وأضافت: في أي مجال فإن الإخلاص في العمل يقود إلى النجاح، والتعليم رسالة في المقام الأول والنساء العاملات في هذا الحقل يخلصن من أجل إيصالها وهن أكثر التزامًا بالحضور وأداء أدوارهن على الوجه الأكمل، وتنفي رئيسة لجنة التعليم بتشريعي ولاية كسلا وجود مشكلة تواجه التعليم بداعي نسبة المعلمات التي تفوق الرجال.

ظاهرة عالمية

هل توجد مشكلة في تفوق أعداد النساء على الرجال في التعليم، طرحت هذا السؤال على الخبير التربوي والأستاذ بكلية التربية بجامعة القضارف، الدكتور محمد المعتصم أحمد موسى، الذي كشف عن أن هذه الظاهرة عالمية وتجري دارستها في العديد من الدول خاصة الغربية ، ويقول إن أول دولة خصصت مساحة واسعة لدراسة هذه الظاهرة هي هولندا، وذلك حينما عبر المجتمع عن مخاوفه من غياب دور الرجل خاصة في مدارس البنين لجهة أنه يعتبر القدوة للفتيان، ويوضح أن هذا الطرح الهولندي يعني أن اكثرية النساء في التعليم له انعكاسات نفسية وثقافية واجتماعية على المدى البعيد، ويرجع الخبير التربوي الظاهرة الى حدوث متغيرات كثيرة في العالم خاصة على صعيد المهن وتطور الحياة، حيث باتت العديد من المهن غير جاذبة ولا يقبل عليها الباحثون عن فرص عمل، فيما ازدهرت مهن أخرى، وهذا الواقع جعل الرجال يبتعدون عن حقل التعليم ويتجهون للعمل في مهن أخرى تدر عليهم دخولاً جيدة .

توازن

ويمضي الدكتور محمد المعتصم أحمد موسى في حديثه ويشير إلى أهمية وجود التوازن بين نسب المرأة والرجل في التعليم، ويرى أن هذا يتوقف على حتمية بذل جهود كبيرة وتضافرها من قبل كل الأطراف من أجل التغلب علي الآثار السالبة المتوقعة بزيادة نسبة النساء على الرجال في المستقبل بحقل التعليم أكثر مما هو حادث حالياً، ويلفت الدكتور معتصم إلى أنه وبصفه أستاذاً بكلية التربية، فإن عدد الطلاب الذكور متواضع إلى أبعد الحدود وتقابله نسبة عالية من الطالبات اللواتي أكد على أنهن يقبلن على كليات التربية، متوقعاً أن يحدث تزايد من الفتيات وعزوف من الأولاد إلى أن تتحول كل كليات التربية إلى مؤسسات أكاديمية خاصة بالفتيات، وقال إن الشباب باتوا يبحثون عن تخصصات تواكب متطلبات العصر، ويقول إن الأنثى بفطرتها تختار حقل التعليم ، ويلفت معتصم إلى ضرورة تحليل هذه الظاهرة وذلك للاستفادة من إيجابياتها، ويقول: على الصعيد الشخصي قناعتي راسخة بالمرأة في حقل التعليم والأم كما هو معروف بأنها مدرسة، ولكن التحدي الحقيقي لمجابهة المتغيرات القادمة في حقل التعليم يتمثل في كيفية تأهيل المرأة المعلمة وتدريبها وإعدادها بشكل مثالي حتي تتمكن من أداء رسالتها على الوجه الأكمل في حقل التعليم.

دفوعات وإيضاحات

وضعت كل الإحصاءات والآراء المبتاينة حول تفوق عدد المعلمات على المعلمين بالمدارس على منضدة وزيرة التربية والتعليم السابقة بولاية الجزيرة والخبيرة التربوية ، عرفة محمد طه الصديق، التي أقرت في بداية حديثها مع الصيحة بعدم وجود مقارنة بين أعداد المعلمين والمعلمات ، وضربت مثلاً بولاية الجزيرة التي قالت إن عدد المعلمين الذكور في المرحلة الثانوية يبلغ 2834 معلماً ، فيما يبلغ عدد المعلمات بذات المرحلة 6449 معلمة، أما المفارقة الغريبة التي ذكرتها الأستاذة عرفة وتؤكد على أن عدد المعلمات يفوق عدد المعلمين بأعداد كبيرة تتمثل في أن المعلمين الذكور في مرحلة الأساس بولاية الجزيرة يبلغ عددهم 6008 معلمين، مقابل 19520 معلمة، وفي رياض الأطفال فإن عدد المعلمات يبلغ سبعة آلاف، وتلفت إلى أنها لا تستطيع الجزم بوجود سلبيات بداعي نسبة المعلمات العالية، وتبرر ذلك بعد وجود دراسة حقيقية أخضعت لتقييم شامل، وتقول إنها وبدون انحياز للمعلمات وتحامل على الرجال فلا ترى وجود سلبيات من تفوق عدد النساء على الرجال، وتقطع بأن المرأة المعلمة تمكنت من إثبات وجودها وجدارتها وكفاءتها .

إفراز طبيعي

سألتها لماذا ارتفع عدد المعلمات وتراجع عدد الذكور ، فأشارت الوزيرة السابقة عرفة محمد طه إلى أن عدد الإناث في السودان بصفة عامة يفوق الذكور وأن هذا يتبدى جلياً في الجامعات خاصة كليات التربية التي لا تقبل بعضها إلا الإناث، فيما لا توجد كليات تربية مختصة بالذكور، وتعتقد أن مشكلة التعليم لات كمن في ازدياد نسبة المعلمات بل في النظام التعليمي بصورة عامة ، وترى أن الأسباب كثيرة منها أن كليات التربية تضم الطلاب الذين يحرزون أدنى الدرجات في الشهادة السودانية وأن الكثير منهم يدخلونها دون رغبة فقط من أجل دراسة الجامعة، وقالت إن المشكلة تمدد لتشمل الأستاذ الجامعي حيث يوجد أستاذ لديه المادة والطريقة فيما يمتلك أستاذ آخر المادة، ولكن يفتقد الطريقة، وقالت إن إفراز كل هذه الأشياء تخريج أستاذ تربوي وآخر موظف، وتعتقد الأستاذة عرفة أن الأستاذ التربوي يعطي كثيراً ويكون صاحب رغبة وإرث، أما المعلم الموظف فإنه ينظر إلى مهنته بأنها مصدر للدخل وأن ظروف الحياة هي التي أجبرته على هذه المهنة لذا لا يتعامل معها بإخلاص وتجويد، وقالت إن هذا ينطبق أيضاً على المعلمات، وترى أن المعلمة إن كانت تربوية وصاحبة شخصية ومادة وطريقة يمكنها أن تؤدي بجدارة في مدارس البنات والبنين دون كبير عناء.

مخصصات ضعيفة

وتمضي الخبيرة التربوية عرفة محمد طه في تشخيصها للظاهرة وتشير إلى أن انخفاض أعداد المعلمين في المدارس ترجع بشكل مباشر إلى ضعف المخصصات التي تدفع الكثير من المعلمين لترك المهنة، وأشارت إلى أن المرأة بطبيعتها إما أن تكون زوجة أو ابنة أو أختاً وهذا يعني وجود من يصرف عليها، لذا فإنها تعتبر العمل في مهنة التعليم أفضل من الجلوس في المنزل “الكحة ولا صمة الخشم” رغم ضآلة الأجر الذي تتحصل عليه، مؤكدة على أن مهنة التعليم باتت طاردة، وتوقعت أن تتراجع أعداد الرجال إلى أن تصل مرحلة الصفر في المدارس، وتلفت إلى أنه ليس من المنطق في شيء أن يكون راتب المعلم بالدرجة الأولى ألفاً وثمانمائة جنيه فقط ،وتعتقد أن الدولة تضع أجر المعلم في آخر سلم أولوياتها وهذا جعل المعلمين الذكور يبذلون جهوداً مضنية لمجابهة تكاليف الحياة بالعمل في أكثر من مدرسة ومهنة، ورأت أن هذا ينعكس سلباً على أدائه وبالتالي يقع الضرر على العملية التعليمية بصفة عامة .

ضرورة ملحة

وتختم وزيرة التربية والتعليم السابقة بولاية الجزيرة والخبيرة التربوية عرفة محمد طه الصديق حديثها لـ(الصيحة) وتلفت إلى أن التلميذ ليست لديه مشكلة أن يتعلم على يد امرأة. بيد أن عرفة تعتقد أن ملاحظتها في هذا الإطار تتمثل في أهمية أن يخضع التلميذ للتعليم عند وصوله للصف السابع على يد معلمين ذكور، وذلك لأن الكثير من المتغيرات تحدث له في هذه المرحلة العمرية ،وتعتقد أن الرجل يعرف كيف يتعامل مع التلميذ في هذه السن، إلا أنها تعود وتؤكد أن المعلمة من ناحية أكاديمية تستطيع أن تدرس الطلاب في الأساس والثانوي، وتجدد قولها بأن الدولة إذا لم تهتم بتحسين أجور المعلمين فإنه سيأتي يوم ولن تجد معلماً ذكراً بالمدارس.

دراسة وتقييم

الظاهرة تبدو في حاجة إلى الدراسة والتقييم كما أشار عدد من المختصين، ورغم الإقرار الكامل بالدور الكبير الذي تبذله المرأة المعلمة، إلا أن الحقيقة تؤكد على ضرورة وجود توازن في نسب أعداد المعلمين والمعلمات لتكامل الأدوار التعليمية.

تحقيق: صديق رمضان
صحيفة الصيحة