مقالات متنوعة

الشركات الحكومية.. الرمادية الخاصة المشتركة!


من وقت لآخر تعلو نبرة الحكومة بتأكيد عزمها على تصفية الشركات الحكومية، و في الغالب يتم خصخصة بضع شركات، وفي ذات الوقت تسجل عشرات الشركات الجديدة، فما من وزارة أو مؤسسة وإلا سجلت شركات تجارية تعمل في مجال التجارة وتقديم الخدمات وتتمتع باعفاءات الضرائب والجمارك ويصرف عليها من المال العام مع ضآلة العائد إن لم يكن انعدامه تماماً، مع وجود خسارات غير معلومة وذلك لتمرد هذه الشركات على سلطة المراجع العام، في الفترة الأخيرة برز مصطلح الشركات الرمادية ليضفي تعقيداً إضافياً، ويضيف تصنيف جديد لشركات النافذين وذويهم، وتتعدد الامتيازات التي تجدها الشركات ذات النفوذ، فضلآ عن الشركات الحكومية أو شبه الحكومية، يحدث كل هذا بالرغم من أن السياسة المعلنة للحكومة هي خصخصة الشركات الحكومية، وإخضاع الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة تزييد عن (20%) لقانون المراجع العام، فما العمل اذا كانت مساهمة الحكومة تبلغ (19% أو 15%).

أما الأصل في الموضوع فما هي الأسباب التي تجعل الحكومة تساهم في شركة بمثل هذه النسبة،؟ قرار التخلص من الشركات الحكومية يبدو أمراً بعيد المنال فقد كشف تقرير مراجعة الكيانات التجارية للمسجل التجاري عن وجود (251) شركة حكومية تمارس نشاطتها الاقتصادي حالياً، وتم حذف عدد (177) شركة من السجل غير موفقة لأوضاعها القانونية، وكالعادة تم تسجيل عدد (11) شركة حكومية جديدة في العام المنصرم، رغم وجود قرار رئاسي صدر منذ 2011م يقضي بتصفية الشركات الحكومية، وعدم تسجيل شركات جديدة، خطورة الوضع تتمثل في وجود شركات حكومية (خاصة)، مسجلة وفقاً لقانون الشركات لسنة 1925م، ولم توفق أوضاعها وفقاً لنص قانون الشركات لسنة 2015م، وغير خاضعة لقانون الخدمة المدنية كونها شركات حكومية، وغير خاضعة لقانون العمل باعتبارها شركات خاصة، ولها قوانينها الخاصة، أو أي قوانين أخرى، تمول من المال العام ومسجلة بأسماء وحدات حكومية أو شركات مسجلة باسم أشخاص، ولا يمكن معرفتة طبيعتها ويمكن تسميتها بالشركات (الرمادية) لأنها شركات ليست موصوفة، هذه الشركات الخاصة العامة تتحصل على موارد مصرفية وتمويلية ضخمة، واعفاءات جمركية وضريبية وتسهيلات وإعفاء من الرسوم الحكومية، بل أن بعضها يمارس نشاطه من داخل الوحدات الحكومية، فلا تصل اليه مطالبات المحليات والعوائد والصرف الصحي، إضافة الى أن الكهرباء والمياه مجاناً من الوحدة الحكومية، ومع ذلك تتعامل هذه الشركات بشراهة واحتكارية بغيضة.

الحكومة أطنبت الحديث عن تخصيص أكثر من (83%) من مشاريع وبرامج الإصلاح الاقتصادي، للقطاع الخاص بزعم دفع عملية التحول الاقتصادي نحو الإنتاج والتصدير والاستغلال الأمثل لموارد البلاد، وهو ما يكذبه الواقع في ضوء تراجع مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي، وسيطرة الشركات الحكومية على الصادرات والواردات. ليس واضحاً عما اذا كانت الحكومة تتغافل عن كونها تمارس خصخصة صورية (خصخصة زيتنا في بيتنا)، فكل ما يحدث هو نقل أسماء الملاك الحكوميين الظاهرين بملاك حكوميين آخرين يسهل التعرف عليهم دون عناء، أو ( تلجين البواخر والمولدات والطائرات) لتباع بدلالة تصفية للأصول لمن استطاع إليها سبيلآ، رواية الحكومة حول الخصخصة مشكوك فيها، لأن الحكومة تخصص عشر شركات وتسجل عشرين أخرى، وتتشابك المصالح بين العام والخاص حتى تختفي ملامح العام، ويدرك شهرزاد الصباح فتكف عن الكلام المباح.

ما وراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة