الصادق الرزيقي

ضيفان ..


منذ أمس، بالخرطوم ضيفان كريمان عزيزان، حلا بين ظهرانينا مكرمان مبجلان، أولهما الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي وصل يوم أمس على رأس وفد رفيع المستوى، في زيارة تستغرق يومين، يجري فيها مباحثات مهمة مع الرئيس البشير، ويحضر اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين،

وهي زيارة ذات أهمية كبيرة نظراً لما يربط السودان وشقيقته موريتانيا من علاقات و روابط وأواصر قوية ومتينة ذات جذور تاريخية عميقة وفاعلة وتواصل مستمر لم تخمد ناره ولم تنطفئ يوماً، ولم تغيره تقلبات السياسة وأطوارها، وبينما تلاقحات انعكاسات ثقافية وحضارية مشتركة ذات خصب ونماء لونت الأفق العربي والإفريقي بالمدهش والفريد، وميزت الروح والعقل والوجدان بتجليات عظيمة لا تزول .

> والضيف الثاني هو موسى فكي رئيس المفوضية الإفريقية بالاتحاد الإفريق، وهي أول زيارة له منذ تقلده موقعه بعد انتخابه، وحل ببلادنا على رأس وفد كبير يضم عدد من المفوضين، وجاء خصيصاً ليهنئ السودان برفع العقوبات الأمريكية، وخلال الزيارة سيتم طرح العديد من الملفات الإفريقية والقضايا الإقليمية وبعض هموم الداخل السوداني التي يعمل عليها الاتحاد الإفريقي عبر الآلية الرفيعة المستوى التي تم تكوينها قبل سنوات لتهدئة الأوضاع في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق .

> كلا الزيارتين تظللهما دلالات خاصة وأبعاد متعددة الاتجاهات. فزيارة الرئيس الموريتاني ورئيس المفوضية الإفريقية في هذا التوقيت تكتسبان أهمية بالغة والمرحلة الراهنة عربياً وإفريقيا تجتذبان الأنظار والإشفاق والترقب، وبينما الانعطاف الإيجابي في مسيرة الأوضاع بالسودان تضع علاقات السودان الخارجية بأشقائه وأصدقائه على منصة جديدة مملوءة بالتفاؤل والتقدم ..
> الخرطوم التي ترتبط بعلاقات قوية مع نواكشوط، لديها تنسيق سياسي واهتمامات كبيرة مشتركة معها في قضايا عربية وإفريقية ودولية، وظل هذا التنسيق قائماً والتفاهم مستمراً بين القيادتين ومتصلاً طوال السنوات الفائتة، ويتشارك البلدان رؤية وتصورات متطابقة في كيفية تجاوز ما تمر به الأمة العربية من أزمات ومزالق وكبوات، وكلنا نعلم أن القيادتين في البلدين سخرتا هذه التفاهمات والتنسيقات لخدمة مصالح ومنافع البلدين والشعبين الشقيقين، ومن أجل تنقية الأجواء العربية وإصلاح ذات البين بين الأشقاء ونزع فتيل التوتر في كل المنطقة المثخنة بجراحها وحدة خلافاته ، فلو سمع لصوت الحكمة النابع من هاتين العاصمتين، لما وصلت الأمور في الفضاء العربي الى هذه الدرجة من الغيوم الداكنة، ولما تلبدت السماء العربية بكتل الدخان والسحب السوداء والأجواء الخانقة .

> وليست العبرة في علاقة السودان وموريتانيا في القضايا المشتركة وما سيتم بحثه في لقاءات الرئيسين واجتماعات اللجنة المشتركة او ما يطرحه الوزراء في لقاءاتهم من اتفاقيات وبروتكولات، فهذه أمور ميسورة وسهلة ولا تمثل إلا جزءاً من التطلعات في علاقات أكثر عمقاً وآمالاً عراضاً لا تحدها حدود، في تقديم علاقة أنموذج في الانسجام والتفاهم والتمازج والتعاون، يستفاد فيها من تقوية البناء الإفريقي من شرق القارة الى غربها، ومن شمالها الى جنوبها، وتغترف منه الأمة العربية حاجتها من قيمة الأخوَّة الصادقة والأهداف النبيلة التي هي سمة وميزة الشعبين في السودان وموريتانيا .
> إذا كانت الهجرات التاريخية القديمة والمتجددة من بلاد الشناقيط وصحراء الملثمين الى أرض النيلين، من تلك البوادي الشاسعة إلى السودان وخصب ترابه وأراضيه، قد أوجدت كل هذا الثراء في الثقافة والفقه والمدارس الصوفية وآداب البادية والسلوك الحضاري ومقارباته في الفن والملبس والهندام والعادات والتقاليد، وجرت في العروق دماء مشتركة عبرت كل هذه الصحارى والسهول والوهاد، فإن العلاقة السياسية لا تمثل إلا مظهراً فقط للأغوار السحيقة والعميقة في علاقة الشعبين وما بينهما من محبة تعاند بعد المسافات والبيد التي دونها بيد .
> مرحباً بالرئيس محمد ولد عبد العزيز بين أهله وأحبابه ووطنه السودان، ومرحباً بالسيد موسى فكي في أرض السودان التي يعرفها وتعرفه .. مرحباً بهما ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة