حوارات ولقاءات

“إبراهيم محمود” : “البشير” لم يعد ملكاً للوطني وأمر ترشُّحه للانتخابات القادمة ليس بيده


{ هل أغلق الباب حول عودة الحرس القديم ؟
– من أراد بعد ذلك إلا أن يعمل على تغيير النظام الأساسي، ولكن ما في حرس قديم وجديد، والكل مطلوب منه دور، فاعتقد أن الذين كانوا في المواقع السابقة الآن يؤدون دوراً كبيراً جداً في كل اللجان وفي كل المؤسسات وفي كل برامجنا ورأيهم مهم جداً، فهم أصحاب خبرة ومعرفة ودراية وسيعملون على إعانة هؤلاء الشباب لينطلقوا إلى الأمام، فهم الآن موجدون في المكتب القيادي وفي البرلمان وفي لجان الحزب ومؤسساته، وهم الداعمون للشباب لكي ينطلقوا، فما هي (زيرو قيم)، الكبار يطلعوا والصغار يدخلوا وهو عبارة عن تعاون والهدف واحد.

{ هل الإنقاذ هي مرحلة تضع أشخاص ثم تستغني عنهم ليحل آخرون مكانهم؟
– ليس المؤتمر الوطني وحده، ولكن العالم أجمع وجد من الأفضل أن تجدِّد في كل المؤسسات، فالتجديد مهم فمن لا يتجدَّد يتبدَّد فكل مرحلة من المراحل لها رجالها وناسها، واعتقد أن هذا العصر هو عصر الشباب، وهذا ملاحظ في بيوتنا ومع أطفالنا، فما يقومون به لن نستطيع أن نقوم به، ما يؤكد أن هذا هو عصرهم وهم أقدر للترتيب له وهذا مستقبلهم.

{ كيف تنظر إلى الصراعات الدائرة الآن في المؤتمر الوطني؟
– أنا أرى أنه لا بد من التفرقة ما بين الصراع والاختلاف، فهناك اختلاف وتمايز بين الناس داخل المؤتمر الوطني، وفي خلاف، وهذه سنة الله إنه لازم يكون في خلاف وتمايز بين الناس، ولكن كيف ندير هذا الخلاف وهذا التمايز إن كان في المؤتمر الوطني أو في أي حزب آخر، ونحن داخل المؤتمر الوطني لدينا أهداف كلنا متفقين عليها، وهذه الأهداف هي الجامع بيننا بأن يكون لدينا حزب قوي ومرتَّب ومتطوِّر وقائد للساحة السياسية، وهذه كلها متفقين عليها، ولكن مهمتنا كيف ندير هذا التمايز والاختلاف فيما بيننا، وكما ذكرت أهم الوسائل لإدارة التمايز والاختلاف داخل المؤسسة أن يكون هناك عمل مؤسسي، وتكون هناك نظم وقوانين ترتب العلاقات بين الناس.

{ هناك اختلاف واتفاق حول ترشُّح السيد رئيس الجمهورية للانتخابات القادمة فمع من تقف أنت من هذا؟
– أنا أقول إن السيد الرئيس هذه المرة لم يكن حق المؤتمر الوطني براه، وهو الآن يقود مرحلة كبيرة جداً للإصلاح في السودان، وهذه المرحلة تحتاج إلى ديمومة وإلى مواصلة، ولكن قرار ترشيح الرئيس فهذا ليس قراره، وإنما قرار مؤسسات، فالملاحظ الآن هناك رأي عام حول ترشيحه للانتخابات القادمة، لأنه يقود مشروع برنامج وطني كبير، لكن في النهاية القرار قرار مؤسسات داخل الحزب والشعب هو الفيصل في النهاية.

{ علق المواطنون آمالهم على رفع الحصار بأن تنخفض الأسعار وتعود المعيشة أسهل عما كانت عليه، ولكن الوضع ما زال أصعب، فما هي الحلول المتخذة لكبح كماح السوق والدولار؟
– اعتقد أن الدولار وسعره هو جزء صغير عن العملية الاقتصادية، فإذا ربط الناس المشكلة الاقتصادية بالدولار تصبح مشكلة، فنحن لا ننكر أن هناك مشكلة اقتصادية فاقتصادنا منذ التسعينات وحتى 2016م، تضاعف ست مرات، فهذا يعني أن حجم الاقتصاد كبر وبصورة كبيرة جداً، وهذا الاقتصاد الذي تضاعف ست مرات، كان له مورد مهم جداً، وهو البترول، وكان يمثل (90%) من الصادر، وكان في وقت من الأوقات بنك السودان يلزم البنوك لشراء الدولار، فخرج البترول وأصبحت هناك أزمة، وحينما تذهب إلى بنك السودان فلن تحصل على دولار، فما العمل، إذا كان إما أن نترك الاقتصاد الذي كبر في كل المجالات في الإنتاج وفي الخدمات، وقد افتتحت آلاف المدارس والمستشفيات والبني التحتية الطرق، الاتصالات، الكهرباء، فإما أن نترك الاقتصاد ينكمش (نقول لبنك السودان اشتغل قدر ما لديك من دولارات، ولكن هذه الدولارات لا تكفي حاجة الاقتصاد، وإما أن نعمل بطريقة أخرى (الكتفلي)، فالاقتصاد في يد المواطنين وليس في يد الحكومة، فقيل لهم جيبوا احتياجاتكم دون تحويل وهذا خلق طلباً كبيراً جداً على الدولار، فالخيار إما أن تترك الاقتصاد ينكمش أو يتعطل أو يقيف أو نتيح الفرصة للناس، لذلك حافظنا على اقتصادنا خلال تلك الفترة والذي ظل ينمو وحتى الآن وحافظنا على خدماتنا الأساسية في البنية التحتية، وكان لدينا (900) كيلو متر، من الطرق، وكان بالإمكان أن تقف ونتحدَّث عن عشرات من المستشفيات ومئات المدارس تبنى، ونتحدَّث عن كهرباء مدعومة للإنتاج تباع بأقل من سنت، وهناك تضخم للشرائح التي تستخدم لأقل من (400) كيلو، نعطيها أقل من سنت، ونتحدَّث عن قمح مدعومة الجوال بـ(550) يباع بـ(190)، نتحدَّث عن دعم للجازولين والبنزين، فكلها تنظر في جملة الأوضاع الاقتصادية وليس في سعر الصرف فقط، فإذا كانت قضيتنا سعر الصرف كان بالإمكان إيقاف كل هذا ونقلل الطلب على الدولار، فنحن ننتظر خلال فترة التسعينات بأن المساحات المزروعة سمسم حوالي مليون فدان، فالآن نتحدَّث عن سبعة ملايين فدان. فالمساحات التي كانت تزرع بالفول بلغت اثنين مليون، الآن نتحدَّث عن زراعة ستة ملايين، والذرة كانت حوالي عشرة، الآن نتحدَّث عن زراعة أكثر من عشرين مليون فدان، فهذا يحتاج لطلب للمدخلات، فنحن في وضع نريد دعماً وفي حاجة إلى مشاريع تنمية، ونحن في حاجة إلى محطات كهرباء نريد استمرار ستيت وعطبرة وكل مشروعاتنا الزراعية، نحن في حاجة إلى استمرارها كما نريد أن ينمو الاقتصاد ويستمر ونريد أن نوقف التضخم وسعر الصرف، لذلك يجب ألا نسبح عكس التيار، فإذا كانت لديك مشكلة فدع الدعم يذهب إلى الجهات المستفيدة مباشرة.

فالدقيق والغاز والجازولين الذي يذهب إلى دول الجوار، فهذا لن يحل المشكلة، لذا لا بد من معالجات لأصحاب المرتبات ومحدودي الدخل، وقد شرعنا فيها، ولكنها قليلة بالنسبة للذي حدث في التضخم.

{ إذاً كيف نعالج المشكلة؟
– حل المشكلة عبر الإنتاج والإنتاجية وزيادة الصادر، ونحن لا ننكر أن لدينا مشكلة ونسعى لحلها، ولكن حلها بالتوسع في الإنتاج وليس بإيقاف الإنتاج والتضخم وسعر الصرف.

{ رغم الجهود التي تقومون بها، ولكن المواطن ما زال يعاني ونسمع هذه الأيام عن رفع الدعم عن الدقيق ألم يكن ذلك قاسٍ عليه؟
– هي سياسة وليست رفع الدعم، فسياسة توجيه الدعم للفئات المستحقة مباشرة هي سياسة مقرَّرة وسياسة خروج الدولة من التجارة سياسة مقرَّرة، فالاقتصاد لن يستعدل إلا إذا عملنا وبِعنا الأشياء بأسعارها الحقيقية، وإذا كانت هناك جهات محتاجة إلى دعم نوفره لها نوفر لها الدعم مباشرة ونوجه الدعم للإنتاج، وهذه سياسة مقرَّرة من الدولة، فلا بد من توجيه الدعم مباشرة للمستحقين ولا بد من ترك التجارة إن كانت في البترول أو قمح أو خلافه للقطاع الخاص والدولة عليها السياسات فقط، فالدولة ليست بتاجر وأي تدخل فيها ضد الاقتصاد ستحدث مشكلة، فالآن هناك سعرين للجازولين خالقات فساد كبير جداً، فالجازولين المخصص للنقل يذهب إلى الصناعة بأسعار مختلفة والفرق بين السعرين يستفاد منه بعض الأشخاص في السوق، ولم تستفد منه الدولة ولا المواطن، لذلك أي تشويه للاقتصاد غير مطلوب، ومن هنا لا بد أن يذهب لمستحقيه ويجب ألا نضع سعرين لأي سلعة أو سعرين للدولار، فهذه كلها سياسات تشوِّه الاقتصاد.

{ نسمع بأن هناك زيادة في تعريفة الكهرباء للمصانع؟
– لا بد من زيادتها، فهل اقتصادنا الآن يستطيع أن يدعم دعماً كبيراً بهذا المستوى للصناعة، والزراعة والاستهلاك، الآن الأثيوبيون قالوا جعلنا الكهرباء للمواطنين بـ(6,5) سنت، وليست بخمسة، فنحن سنظل نبيعها بأقل، لذلك لا بد أن نبيعها للطبقات الدنيا والتي تستهلك أقل من (400)، فهناك شركات تستهلك أربعين ميقاواط، فهل أمنحها دعماً، وكم نسبة الدعم المقدَّم لها مقارنة مع الفقراء.
{ ولكن الآن هناك عدد كبير من المصانع معطَّلة ويعزون المشكلة لعدم توفر الكهرباء؟

– الآن نحن نمنح المصانع الكهرباء بأقل وهي معطَّلة، فالقضية ليست كهرباء، فالآن هناك مصنع الحديد يعمل بمولدات وربحان، فالمصنع إذا كان يعمل بطريقة سليمة فسعر الكهرباء الحقيقي لن يعيقه، وهناك بعض المصانع يطالبوننا بتوفير الكهرباء لهم بسعر معقول، لأن الكهرباء حينما تقطع نستخدم المولدات فندفع أضعاف، أضعاف ما ندفعه، لذا يجب أن نوفِّر الكهرباء للمصانع بسعرها الحقيقي، فأي خدمة لا نمنحها السعر الحقيقي سوف تتدهور، وأما أن تكون للدولة مبالغ كبيرة جداً ومستعدة أن تدفع الفرق بين السعر الحقيقي والسعر الذي تبيع به وتدخل هناك خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه، ولابد أن تعطي بسعرها الحقيقي، والمواطن لابد أن يعرف كم السعر الحقيقي.

{ هل لا توجد زيادة في أسعار الكهرباء للمواطنين؟

– وزير الكهرباء ذكر لكم ذلك، ولكن أريد أن يعلم المواطنين أن أي خدمة تستمر يجب أن تقدَّم بسعر التكلفة الحقيقي لها، فأي شخص يقول ليك سوف أمنحك السلعة بسعرها غير الحقيقي سيأتي يوم لن تجدها، فتخيَّل أي زول في الخرطوم ما عنده ماسورة في بيته، بيدفع كم؟ ومن يملك الماسورة بيدفع كم؟، لذلك اعتقد أن الكهرباء والمياه كخدمة لا بد أن تدفع بسعرها الحقيقي لنضمن استمرارها، أما الشرائح الضعيفة فيمكن العمل على معالجتها دون أن نحدث خللاً في النظام كله، والخلل في النظام مضر جداً، لذلك نطلب من الإعلام أن يساعدنا في ذلك.

{ السوق الآن منفلت جداً فكيف نكبح جماحه؟
– السوق فيه جزء غير منطقي، ففيه جزء توقعات، فواحدة من مشاكل عدم الاستقرار الاقتصادي هذه التوقعات غير الحقيقية التي يفرضها التاجر، لذلك لا بد أن نضع السعر الحقيقي للأشياء، ومصر ألغت أي تشوُّهات في الاقتصاد، ففي فترة سابقة تصاعد الدولار، ولكن الآن انخفض، فإذا عملت على معاكسة النظام الاقتصادي فلن تسير للأمام، لذلك لابد أن نسير في الطريق الصحيح ولو أحدثت لنا مشكلة مؤقتة الآن، ولكن في المستقبل سوف نعمل على حل المشكلة.

{ يدور حديث عن استئناف المفاوضات بينكم والحركات المسلحة، هل تم تحديد ميقات لانعقادها؟
– نحن جاهزون لاستئناف المفاوضات، وجاهزون للسلام، والمناخ الآن كله مناخ سلام، وأي شخص سياسي عاقل وسوي لن يدعو إلى الحرب، فآن الأوان لتغيير المسار الخاطئ، مسار الحرب والدمار والقتل إلى مسار الأمن والاستقرار والتنمية، لذلك لا اعتقد أن رجل سوي وعاقل سوف يسير في الاتجاه الخاطئ، فنحن جاهزون وهم كوفد أولي سوف يلتقون بالآلية، فكل المبعوثين الآن مع تحقيق السلام، فجاء المبعوث النرويجي والألماني والأمريكي والبريطاني، فجميعهم داعمين لعملية السلام، وكل المجتمع الدولي الآن داعم لخط السلام، وكذلك كل المجتمع السوداني والمجتمع في المنطقتين وفي دارفور، لذلك لا بد من إيقاف المسار الخاطئ.

{ هل أنتم متفائلون هذه المرة؟
– نعم، نحن متفائلون، إلا إذا كان هناك بعض الأشخاص يفكِّرون تفكيراً غير سوي، فكل الحجج انتهت الآن وعليهم أن يدعموا المشروع الوطني الذي يرغب فيه كل أهل السودان.

حوار – صلاح حبيب
المجهر السياسي