تحقيقات وتقارير

زيادات مهولة.. في كل يوم جديد تتضاعف الأسعار وتزيد معاناة المواطن الذي أصابه القلق والاضطراب…


لم تكن إكرام تدري عندما خرجت من منزلها صباح ذاك اليوم أن تجد الليل ما يمحي آثار الأمس بكل تلك السهولة، ولاسيما أن الأمر لا يخضع للمفاجآت، وإنما لحسابات الواقع، الممكنة وليست المستحيلة، التي حولت دفة حياتها إلى ما لا تحمد عقباه، فإكرام وزوجها لا يتعدى دخلهما معاً الثلاثة آلاف جنيه وعليها الكثير من الالتزامات تجاه أبنائهما الثلاثة ومستحقات السكن، فكيف السبيل وأين المستقر؟
ما حدث صبيحة الثالث من السنة الجديدة أصاب الكثيرين بخيبة أمل وإحباط شديدين، حيث بدأ بارتفاع سعر الخبز، ثم توالت السلع الأخرى تباعاً دون سابق إنذار أو حتى طفيف زيادة على الدخل الشخصي، وفقاً للسياسات الاقتصادية الأخيرة التي أطاحت بالمواطن الذي تطالبه الحكومة بالهدوء والركون، وتحذره من الشغب والتخريب وحتى الاعتراض أو الرفض، لأنها ضرورية، أي لا رجعة فيها.
زيادة مهولة
المتتبع لحالة المواطن يجده مغلوباً على أمره، مشتت الفكر، لا يدري ماذا يفعل أو يقول، يرفض يشجب يستنكر أم يحاول أن يجد مخرجاً له ولعياله، الذين لا يعرفون السياسات الاقتصادية ولا يفقهون شيئا عن سياسات الأحزاب الراشدة، وكل ما يعنيهم هو غذاؤهم وتلبية احتياجاتهم التي يرون أنها ضرورية، وأكد عبد العزيز حامد أن الزيادة في السلع الضرورية بات فوق الاحتمال، ولا يمكن الصمود أكثر من ذلك ولاسيما أن الراتب لا يكفي حتى آخر الشهر، فكيف سيكون الحال بعد الزيادة المهولة على كل السلع دون استثناء.
خيار الانفصال
أما بهاء الدين محمد فقال: “لا خيار سوى الانفصال”. وتابع مفسراً: الأزمة الاقتصادية والغلاء المعيشي فاق كل المحتمل وصار ليس بمقدورنا العيش بكرامة، لذلك علينا البحث عنها في مكان آخر بعيداً عن السودان، فالوضع صار غاية في الصعوبة، والأطفال لا يفهمون ذلك، وبالتالي لن يتفهموا الأمر.
قرارات كارثية
وصف الخبير الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل القرارات الأخيرة والسياسات الاقتصادية وحتى الميزانية الجديدة بالـ (كارثية). وأشار إلى أنها سوء كفاءة ومنهج غير سليم،وفي ذات الوقت ليس هناك جهاز رقابي. وقال: “الأجهزة التشريعية التي انتخبها المواطن لم تقم بواجبها نحوه، وإنما أدت فروض الولاء والطاعة لحزبها، وهذا ما جعل المواطن ومصلحته أضعف حلقة في ميزانيتها الجديدة بعد تمريرها كما مرت سابقاتها”. وأضاف: “على مدى أكثر من عشرين عاماً يتحدثون عن دعم الشرائح الضعيفة ولا شيء، سوى أكذوبة تحجى كل عام”.
ضرر بالغ
وأكد دكتور عبد العظيم أن النظام الإسلامي توفير القوت (الخبز) للمواطنين، ورغم أنها حكومة إسلامية، لكنها لم تفعل ذلك، وإنما نفذت كل ما يضر بمصلحة الإنسان السوداني وهاجمته في قوته (الخبز)، لذلك تأثير القرارات الأخيرة على المواطن محبط جداً وجعلته يعيش حالة من عدم التوازن والتوترات بصورة غير عادية، بالإضافة إلى القلق. وقال: “ربما لا تكون تلك الآثار ذات أهمية بالنسبة للحكومة، لكن الأثر البالغ الذي ستجني ثماره وسيكون وبالاً عليها أن المواطن لن يتجاوب مع برامجها لأنها لم تهم به، ولم تضعه حتى في ذيل أولوياتها”.
انهزام للقيم
وأشارت الاختصاصية النفسية سلمى جمال الدين إلى أن القرارات الاقتصادية أصابت المواطن في مقتل. وقالت: “عندما يتعلق الأمر برغيف الخبز يصير الأمر صعباً ويؤدي إلى انهزام القيم والعادات والتقاليد خاصة في بلد مثل السودان”. وتابعت: تزعزع الثقة والشعور بعدم الاستقرار بالإضافة إلى المهددات الحياتية بكافة أشكالها “فقر، حرب، تشرد ومجاعة” تصيب الإنسان بالتوتر وتزداد حالات القلق والاضطراب داخل الأسرة، فيختل التفكير السليم. ولفتت إلى أن الأسر في الأحوال العادية لديها خلاف في التدبير والصرف على المنزل، فكيف الوضع عندما تكون مهدد بعدم المقدرة على الصرف وتوفير عيش كريم لأبنائك، قطعاً سينعكس ذلك على سلوك رب الأسرة، فينتج عنه انفعالات سالبة وعنف سينتشر بين كل أفرادها.
ظواهر جديدة
قالت الاختصاصية النفسية على إثر ذلك ستتغير التركيبة المجتمعية وستزداد حالات الاحتيال والكذب والسرقة والنفاق، والحصول على الموارد بطرق غير سليمة، فضلاً على اختلال البنية الاجتماعية السودانية القائمة على الكرم والضيافة، ستختفي تماماً وإلى حين ذلك ستعيش الأسر معاناة وستصاب بالخجل، لذلك من الضروري استقرار الأوضاع الاقتصادية أو وضع زيادات المقبولة تتناسب مع وضع الأسر الاقتصادي في ظل تدني الدخول التي يعتمد عليها المواطن بشكل أساسي في الإنفاق على أسرته. وقالت سلمى: الإشكالية أن الزيادة ضربت كافة السلع الاستهلاكية الضرورية، وفقدت الثقة في ثبات الوضع الأسري وهو مهم. وأكدت أن ما يحدث لا يخص الأسر وحدهم بل حتى الشباب ستنهار أحلامهم نتيجة للسياسات غير المحسوبة، لذا يجب على أي حكومة في العالم قبل وضع سياسة أو قرار معرفة الآثار والتغيّرات الاجتماعية التي ستنجم عنها.

اليوم التالي.


تعليق واحد

  1. قاعدين تبكوا على الغلاء هي البلد ذاتها بقت ماموجوده احراش وظلام وشوارع كئيبه واعمده على مد البصر ولا اناره. مستشفيات كالاحراش مدارس من زمن الاستعمار زورو مستشفى الذره فعندها يقف الزمن
    اللهم ان لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي
    انت مولانا وحسبنا ونعم الوكيل