الصادق الرزيقي

الصحافة ليست جريمة


منذ يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي، وعلى خلفية التظاهرات الأخيرة التي دعت لها أحزاب المعارضة، يقبع عدد من زملاء المهنة في السجون والمعتقلات، بعد أن اقتادتهم السلطات الأمنية من مواقع التظاهرات في شوارع وسط الخرطوم وأم درمان،

ولا يزالون في رهن الاحتجاز دون أن توجَّه إليهم أيَّة تهمة أو قدموا الى المحكمة، وهو موقف مناهض للحرية الصحافية والالتزامات الكاملة بما خرج به الحوار الوطني، والتقيد بالعهود والمواثيق المعمول بها والمصادق عليها دولياً بشأن حرية الصحافي وحقه في الحصول على المعلومات وتغطية الأحداث مهما كانت. فالصحافي باحث عن الحقيقة والمعلومة حتى لو كان ناشطاً سياسياً. ولا يمكن فصل الصحافي عن مواقفه السياسية شريطة ألا يخلط ما بين رأيه السياسي وأداءه المهني الذي يقتضي النزاهة والدقة وتحري الصدق وعدم التحيز والموالاة .
> مهنة الصحافة محفوفة بالمخاطر والأخطار، أقلها ما يتعرض له الصحافي من مضايقات وعسف واعتقالات وعنف. ففي العام 2017 بلغ عدد الصحافيين الذين قتلوا حول العالم في أحداث متفرقة أثناء تغطياتها وهم يقومون بواجباتهم (93) صحافياً، بينما يرزح في السجون والمعتقلات في عديد من بلدان العالم المئات من الصحافيين، كما يفلت من العقاب في غالب الأحوال مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين من عصابات ومنظمات إرهابية وإجرامية. ومن يتصدى لهذه المهنة ويخوض غِمارها، يجب أن يؤمن أنه في سبيل الحصول على المعلومات ونقلها للرأي العام وتغذية المجتمعات بالأخبار والبيانات والتقارير والقصص الخبرية والتعليقات والآراء والتحليل ونقل الصور والصور المتحركة، لابد أن يتوقع كل أنواع القهر والعنف، ويواجه الصعاب وأسنة رماحها.. ويدفع الصحافي ثمناً غالٍ وربما روحه وهو ينشط ويجتهد ويكون في لُجة اللهب والحريق ويقف في جفن الردي..
> الزملاء الموقوفون، وهم ثلة من الصحافيين والصحافيات الذين نعلن تضامننا ووقوفنا الكامل معهم من أجل حريتهم وتأمين إطلاق سراحهم، لن يؤخذوا بنواياهم، يجب أن يعاملوا كصحافيين ذهبوا لتغطية حدث مهما كان موقف السلطة السياسية من هذا الحدث، فهم صحافيون وهذا واجبهم .. فإن لم يذهبوا لتغطية التظاهرات ومعرفة ما وراءها و نقل ما يدور فيها ومتابعتها، يكونوا قد خانوا مهنتهم وتخلفوا عن استحقاقها، فليس بالضرورة أن يكون الصحافي مؤيداً للتظاهرة أو معارضاً لها، المهم أن يكون ملماً بها وناقلاً لها كخبر ومتابعاً ومراقباً كمراقب ..
> إذا كانت الدساتير والقوانين لا تجرِّم الصحافي أثناء تواجده داخل التظاهرات غير القانونية أو حتى الحروب وأعمال الشغب، فليس هناك من جُرم يمكن أن يوجه الى زملائنا في هذه التغطيات، لأنه لم يصدر عنهم حتى اللحظة في تغطياتهم ما يمس أمن البلاد أو يسيء إليها، وكل ما عرفناه أنهم كانوا متواجدين هناك، ويمكن أن يكون بعضهم مشارك وجزء من التظاهرة وهذا قد يكون موقفه الفكري والسياسي كمواطن. لكن هل تحول هذا الموقف الى مادة صحافية او تقرير إعلامي فيه مساس بالصالح العام للمجتمع أو تهديد للسلامة العامة والأمن القومي ؟
> مطالبتنا بإطلاق سراح زملائنا من الصحافيين، تنبع من قناعتنا بأن مركب الحرية واحد ليس فيه طبقات او درجات الجميع متساوون فيه، كلنا أبناء مهنة واحدة، نعيش طقسها وظروفها ونعرف كيف هي مناخاتها، ونتحمل معاً كل تبعاتها، فلا خير في صحافي لم يعلن تضامنه مع زملائه أو يسعى من أجل حمايتهم وحريتهم، وكثيراً ما نقول حتى بحت منا الأصوات، فليكن القضاء والتحاكم إليه هو الفيصل في أي خلاف مع السلطة السياسية ومؤسساتها وأجهزتها، إن كانت هناك جريمة في ممارسة مهنة الصحافة فلتكن سوح المحاكم وعدالة القضاء هي الحكم ..
> ومما يحسب لصالح الصحافي السوداني أنه من بين كل الصحافيين في المنطقة هو الأكثر التزاماً بمهنية عمله وتقيداً بمواثيق الشرف الصحافي ومدونات السلوك المهني، فلا يمكن أن نتهم جزافاً وبتعميم لا يليق، كل صحافي ونطعن في وطنيته وحبه لبلده وسعيه من أجل سعادتها. فالمواقف السياسية هي تقديرات تتفاوت مقاديرها ومعاييرها، ولنحكم على الناس ومنهم الصحافيين بأعمالهم ..
> أطلقوا زملاءنا اليوم قبل الغد هذه مناشدة للحكومة فهم شركاء هم وتراب ومصير، لن تخسر السلطات شيئاً إن أطلقتهم، ولن تربح إن بقوا في السجن سنين عددا، المهم إن صحافي وراء القضبان بدون جريرة ارتكبها، تجعل صورة السودان تتشوه ويتم التشويش عليها ودمغنا بالتراجع وانتهاك حقوق وحرية العمل الصحافي بينما نحن في حقيقة الأمر الأفضل في محيطنا .. لماذا نجعل السهام تتكاثر على ظهورنا وصدورنا بلا طائل ؟!!..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة