مقالات متنوعة

صحف حكومية.. مستقلة !


اقر ابتداءً بأن هذه الاسطر ستثير الغبار و الشرر، ذلك انها تأتى فى منتهى الصراحة، وليس مقصودآ منها التجريح، او تقليل شأن احد من الزملاء الصحفيين، الكبار منهم و بالذات المسؤلين عن السياسة التحريرية للصحف، و عليه فأننى التمس منهم سعة الصدر، و الصفح عما يرونه غير لائق بظروف تعيشها مؤسساتهم الصحفية، و اشهد الله ان ما ياتيهم من امرنا دوافعه حرصنا عليهم و على مؤسساتهم الصحفية، و تاكيدآ للصفة التى نريد ان نراها فيها، و بالذات فى هذه الايام الحرجة التى تمر بها البلاد ، لا سيما واننى اعرفهم و اعرف حجم الضغوط التى عليهم.

مع ذلك لا يفوتنى الا ان اقول ان بعض صحفنا تصف نفسها (سياسية شاملة) وبعضها (سياسية مستقلة)، وصحف حكومية، وصحف لا هذا ولا ذاك، و لا يسع هذه الصحف تبرير غضها الطرف عن اخبار الاحتجاجات باى مبررات ، و ليس مفهومآ بعد ذلك ان تكون بعض الصحف (ملكية اكثر من الملك)، و تسفر عن وجه موالٍ للحكومة و معادى لقوى المعارضة.

تصدر الصحف وهي تخلو من أهم الأخبار واخطرها، ولا تنشر التغطيات الخبرية لمحرريها و بعضهم يتعرض للاعتقال ، و لا تملك هذه الصحف حتى الحق فى الدفاع عن محرريها او استنكار ما يحل بهم ، حدث هذا خاصة في الأيام الماضية ، حيث فشلت غالبية الصحف في تناول وعرض اخبار التظاهرات والاحتجاجات.. وهي اخبار مؤكدة، و ليست مفبركة، شاهدها المواطنون امام اعينهم ونشرتها الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي . وبهذا المسلك الغريب فإن هذه الصحف تفقد مصداقيتها وجديتها ومهنيتها خوفاً من المصادرة ، و المجاررة.

لا خلاف في ان المصادرة تكبد الصحف خسائر كبيرة ومؤذية لاقتصادات الصحف التي اصلاً تعاني من ارتفاع تكلفة الطباعة، وتدني التوزيع وضعف عائد الاعلانات علي قلتها ( خيارها و فقوسها) .. وبهذا فان الصحف تتنازل عن كونها صحافة و تفقد قراءها ويتراجع توزيعها وتتدهور ايراداتها الحقيقية من عائد البيع.. وترهن ارادتها المستقلة طمعاً في فتات الاعلان ورضا السلطان.

ايرادات ( سوداء) خصصتها جهات عديدة في الحكومة لبعض الصحف والصحفيين، فمنهم من قبل ومنهم من ابي وما بدلوا تبديلا، وهذا امر جرى نقاشه علنآ، وله مناصروه و له معارضوه.. هذه الخطوط الحمراء كانت فى البداية عدم تناول اى اخبار ( سالبة) عن الرئيس و القوات النظامية ( جهاز الامن و القوات المسلحة )، و اضيف بعد ذلك نواب الرئيس و مساعدوه، والدول الصديقة و الشقيقة، و اضيفت الاوبئة و الرغيف و الازمات و التظاهرات و الاحتجاجات .. الخ ، اذا فلتكتب الصحف اخبار الوفيات و تنشر الاعلانات، و لتقراها الحكومة.

يكاد لا يستبين دور للصحافة و هى فى هذا الحال ليست بسلطة ناهيك عن ان تكون رابعة او خامسة، وتتراجع ثقة القارى فى الصحف الا بعضها، فيزداد عزوفآ عن شرائها، و ذلك بفضل التدخلات الحكومية السافرة ، و ضعف ارادة القائمين عليها.
فى هذا لا يفيد فقه لا يكلف الله نفسآ الا وسعها، وعلى الصحف ان ترفض رهن ارادتها لاى كان، و رحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة


تعليق واحد