اقتصاد وأعمال

وصل لمستويات قياسية التضخم.. ارتفاع بفعل إجراءات الحكومة الاقتصادية


خلال السنوات القليلة المنصرمة، كان معدل التضخم الشهري يتأرجح صعوداً وهبوطاً في حدود معلومة، بل ومقبولة نوعاً ما قياساً بما يمر به اقتصاد البلاد الكلي من تراجع، لكن العام الأخير “2017م” كان أقل ما يوصف به أنه “كارثي” حيث وللمرة الأولى واصل فيه التضخم ارتفاعه المتوالي لمدة “10” أشهر، في وقت لم تتوقف فيه تحليلات الخبراء الاقتصاديين لأسباب هذا الارتفاع وكيفية السيطرة عليه، فيما كان مطلع العام الجديد وما ترتب على موازنة 2018م، أكثر سوءاً من ذي قبل فتضاعف معدل التضخم في الشهر الماضي بنسبة “100%” بقفزة واحدة ووصل إلى “52%”.

تضاعف معدل التضخم لشهر يناير المنصرم إلى 52% بدلاً من 25% خلال ديسمبر من العام الماضي، وأوردت النشرة الشهرية لجهاز الإحصاء نهاية الأسبوع الماضي، أن نسبة التضخم بلغت في شهر يناير من العام الحالي “52.37%” بينما كان في ديسمبر 2017م “25.15%”.

وعزا الجهاز الارتفاع لارتفاع مجموعة الأغذية والمشروبات بصورة مؤثرة، إذ بلغت نسبة تأثيرها 56,21%، وبررت ذلك بارتفاع مكوناتها من الخبز والحبوب ومجموعة السكر ومجموعة الشاي ومجموعة الزيوت، وبلغ تضخم النقل 64% وسجلت ولاية الجزيرة أعلى ارتفاع تضخم بلغ “78.90%” والخرطوم بلغ “45.67%” وسجل التضخم في المناطق الريفية ارتفاعاً بلغ “57.83%” مقارنة بـ “27.88%” في ديسمبر الماضي.

‏وقال المدير العام للجهاز المركزي للإحصاء، كرم الله عبد الرحمن في مؤتمر صحفي “الإربعاء”، إن أسباب الارتفاع تعود للإجراءات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة منذ مطلع العام الجاري تزامناً مع دخول موازنة العام 2018م حيز التنفيذ، وأكد أن هذه النسبة هي أعلى نسبة يسجلها معدل التضخم خلال السنوات الماضية وأشار إلى أن مجموعة الأغذية والمشروبات هي الأكثر تأثيراً على معدل التضخم، إذ بلغت نسبة تأثيرها 56.21%، وذلك بسبب ارتفاع أسعارالخبز والسكر والشاي والزيوت.

خلال تقديم موازنة العام الحالي، وهي الموازنة التي حصدت من الانتقادات ما لم تواجهه أي موازنة قبلها، قال وزير المالية، الفريق محمد عثمان الركابي، إن الموازنة تهدف لخفض معدل التضخم بنسبة “19.5%” خلال العام الحالي، لكن ما يحدث على الواقع حتى الشهر الثالث أن ما ذكره الوزير يجافي المعطيات على الأرض، مما يفتح باب الجدل الذي لم يغلق أصلاً حول صدقية هذه الموازنة ومدى إمكانية تطبيق ما تقوله الحكومة ووزارة المالية عنها، رغم إقرار المالية الصريح وعلى لسان الوزير نفسه بأن ارتفاع معدل التضخم ناتج عن الخلل في العرض والطلب الكليين، وأن معدل الاستهلاك أعلى من معدل الإنتاج بالإضافة للمضاربات في أسعار السلع.

ويتفق خبراء اقتصاديون أن هنالك عوامل كثيرة تؤثر في معدل التضخم تتمثل في الارتفاع المتواصل لسعر الدولار، إضافة إلى أن صادرات البلاد متواضعة جداً لا تتناسب مع السودان، والتي تبلغ 3 مليارات دولار، لجهة أن جميع المواد الغذائية بجانب الأدوية يتم استيرادها من الخارج وأضافوا أن ما من شيء ينتج في السودان إلا وبه عنصر مستورد من الخارج” إضافة الى أن مركز الإحصاء يصدر أرقاماً تتطابق مع التوقعات، واعتبروا أن جذب مدخرات المغتربين خطوة جيدة في حال تطيبق تجربة سابقة يمكن تجربتها بمعالجة إحجام المغتربين عن التحويلات بسبب ارتفاع سعر الصرف عبر السماح لهم بإدخال بضائع للبلاد عبر الاستيراد بدون تحويل عملة، الأمر الذي يؤدي إلى إصلاح الميزانية في الإيرادات بجانب تحقيق وفرة في السلع بالأسواق.

أغلب التوقعات الرسمية كانت تشير لتوقع حدوث انخفاض في معدل التضخم، ولكن ما حدث هو العكس، وفي الشهر الماضي قلل خبراء اقتصاديون من النسبة المعلنة من الجهاز المركزي للإحصاء فى السودان بشأن ارتفاع معدل التضخم ارتفع إلى “32.86%” خلال يناير مقارنة بـ 30.47% في ديسمبر بسبب استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بعد خفض الدعم الحكومي قبل ثلاثة أشهر، وعزوا ارتفاع معدل التضخم لزيادة أسعار السلع المستوردة خارجياً خاصة البترول والقمح، وكان معدل التضخم السنوي في ديسمبر 2016 سجل نحو 30.47%، واستمر ارتفاع الأسعار بالرغم من قرار رفع العقوبات الأميركية عن السودان جزئياً، وما أعقبه من تحسن في قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار، وذكر مركز الإحصاء أن معدلات التضخم في البلاد توالي الارتفاع منذ أبريل للعام الماضي، حيث واصل ارتفاعه خلال يناير للشهر العاشر على التوالي.

ووصفت الخبيرة الاقتصادية، والمحاضرة بجامعة الجزيرة، د. إيناس إبراهيم الارتفاع بغير الجيد لجهة أن التوقعات أشارت إلى عكس ذلك، وقللت من أثر رفع الدعم الحكومي على معدل التضخم لجهة أن الرفع يخفض الأسعار لامتصاصه المال من أيدي المواطنين.

وفيما يتعلق بارتفاع الطاقة، أوضحت أن الطاقة تستقر عند السعر عقب رفع الدعم، نافية ارتفاعها بصورة يومية، لافتة الى انخفاض أسعار الغذاء في فصل الشتاء، واعتبرت أن ارتفاع أسعار الخدمات الأخرى منذ مطلع العام 2018م له مساهمة مباشرة وحتمية في ارتفاع التضخم، ودعت لبذل المزيد من الجهد لإيقاف ارتفاع معدلات التضخم بسبب السيولة والعجز الحكومي وارتفاع الاستدانة من بنك السودان المركزي في ظل ضعف الإنتاج.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة