تحقيقات وتقارير

“تحالف مثير للجدل” أن تتلقى قيادات الوطني تدريباً من الحزب الشيوعي الصيني ويواجه شيوعي الداخل


في فترة سابقة كان الكاتب الصحفي فيصل محمد صالح يخوض معركة قانونية ضد حزب المؤتمر الوطني ويشكوه بتهمة مخالفة القانون، لأن الأخير كان يعيد ترميم داره بواسطة دعم من الحزب الشيوعي الصيني وهو ما اعتبر تجاوزاً للقانون الذي يحظر على الأحزاب السودانية الحصول على دعم مالي من الخارج، بالطبع أثارت القضية وقتها حالة من الشد والجذب وسرعان ما ذابت مثلها وقضايا أخرى، وإن فتحت وقتها معادلة التواصل بين الأحزاب السودانية ونظيرتها في الخارج، ومدى التأثير الذي يمكن أن تلعبه على عملية الاستقرار السياسي.
انتهى جدل العلاقة بين الحزب الحاكم في السودان ذي الخلفية الإسلامية والحزب الشيوعي الصيني قبل أن يعود مرة أخرى للتداول، وذلك عبر خبر تلقي عدد من عضوية الوطني لدورات تدريبية يقيمها الحزب الشيوعي الصيني وبالطبع الأمر يطرح سؤالا: ما الذي يجعل الوطني يحارب الشيوعي السوداني ويتواصل مع شيوعي الصين؟
1
حالة من التزامن بدأت مع تلقي عضوية الوطني لدورات من الشيوعي الصيني في الوقت الذي خرجت فيه الصحف أمس الأول بتصريح لمدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبد الله وهو يرهن إطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين بتحسن سلوك أحزابهم السياسية، فيما تقول قوائم المنتظرين في المعتقلات إن النسبة الأعلى هي من منسوبي الحزب الشيوعي السوداني، حيث يأتي على رأس القائمة السكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب الذي تم توقيفه عقب يوم من مشاركته في المسيرة الاحتجاجية التي نظمها الحزب بولاية الخرطوم ضد السياسات الاقتصادية التي تمت إجازتها في البرلمان، وهو ما يؤكد على أن سلوك انتهاج المواجهة هو الحاضر في سياق التعاطي بين الحزب الذي يرفع راية اليسار وحماة مشروع اليمين في البلاد، بل إن البعض يختصر التأريخ السياسي السوداني بأنه تأريخ الصراع بين اليمين واليسار أو الإسلاميين والشيوعيين.
2
فيما يظل السؤال حاضراً: لماذا يرفض المؤتمر الوطني التعامل مع الشيوعي السوداني في الوقت الذي لا يترك فيه فرصة للتقارب مع الشيوعي الحاكم في الصين إلا وانتهزها، بالنسبة للكثيرين فإن الأمر يتجاوز الأيديولوجي لصالح البراغماتي، فالعلاقة بين المؤتمر الوطني والشيوعي الصيني لا يمكن فصلها بأية حال عن طبيعة العلاقة بين الحكومة السودانية والحكومة الصينية، باعتبار أن الأخيرة كانت الحليف الاستراتيجي للخرطوم التي ساءت علاقتها مع الغرب وبالتالي فإن بحثها عن حليف قوي في البيئة الدولية كان يحتم عليها الاتجاه إلى بكين، وهو ما حدث بالفعل حين أصبحت الصين في وقت قليل الشريك الأكبر للحكومة في المجال الاقتصادي، وهي الشراكة التي حتمت تطويرها على مستويات أخرى وعلى رأسها المستوى السياسي، ولا يخرج التقارب بين الحزب الحاكم في السودان والحزب الحاكم في الصين عن هذا السياق، وبالطبع لا يعدم ما يبرره في سياق أن الهدف الرئيس منه هو تحقيق الرفاه الشعبي في البلاد.
3
بما يشبه حالة السخرية تم تداول الخبر الخاص بالتعاون في مجال التدريب بين المؤتمر الوطني والشيوعي، وهي سخرية ارتبطت بالسؤال (هل كفر الوطني أم أنه أسلم الشيوعيين الصينيين؟) من يتداولون الأمر في هذا السياق يربطونه بشكل كبير بالإرث التاريخي للحركة الإسلامية التي يرثها الوطني الآن، وهو الإرث القائم على أن أي شيء يتعلق بالحزب الشيوعي يبقى قريباً من الكفر والإلحاد في سياق المواجهة الراتبة بين الطرفين في السياسة السودانية، فيما ينظر الكثيرون لهذا التحالف بأنه محض تأكيد على عدم مبدئية الحزب الحاكم فيما يرفع شعاراته وأن الأمر هدفه الرئيس هو البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، وإن ارتبط هذا الأمر بالتحالف مع من تحمل رايات مواجهتهم على الدوام.
قد لا يبدو أمر التحالف مع الحزب الشيوعي الصيني مسبة بالنسبة للمؤتمر الوطني، فهو تحالف يحقق التطلعات ويزيد من المصالح ويتواءم مع رؤى جديدة بدأت تجد لها رواجاً في أوساط بعض النخبة الحاكمة وهي الرؤى القائمة على أن العلاقات السياسية يجب أن تقوم بشكل رئيس على تحقيق المصالح بعيداً عن الأيديولوجيا، والمفارقة أن الرؤية تمثل إحدى توصيات عملية الحوار الوطني التي قدمت مخرجاتها في وقت سابق، الجديد فقط هو أن المصلحة في هذا السياق هي محض مصلحة خاصة بين الحزبين الحاكمين.
4
لم تبدأ العلاقات بين الوطني والشيوعي الصيني مع الورشة التدريبية التي ستقام في الصين، بل هي قديمة يؤكد عليها ارتفاع المباني في المركز العام للحزب الحاكم، وهو ما يعني أن علاقة اليوم تمتد في جذور الماضي البعيد، الجديد في الأمر أن الحديث عن التعاون السوداني الصيني بين الأحزاب الحاكمة بدأ في أعقاب تسريبات تقول إن الخرطوم وبكين لم تعد العلاقة بينهما كما كانت، وذلك كردة فعل على التقارب السوداني الأمريكي وقرار واشنطن برفع عقوباتها عن الخرطوم في شهر أكتوبر من العام الفائت، وهو القرار الذي أنتج ردة فعل نظر إليها البعض بأنها سلبية على مسار علاقات البلدين الممتدة لما يتجاوز النصف قرن والمتطورة في حقبة الإنقاذ، ما يمكن قوله هنا إن العلاقات التي أشار البعض لإمكانية نهايتها تعود عبر الوفد الذي سيغادر إلى بكين وهو ينقل خبرات الحزب الحاكم ليتم تنفيذها في مقرن النيلين، وبالتأكيد لضمان استمرارية الحاكمين في مقاعدهم لفترات قادمة.
5
بالنسبة لكثير من المراقبين فإن قراءة التقارب مع الشيوعي الصيني في ذات وقت التباعد مع الشيوعي السوداني، لا ترتبط بأن شيوعية الصين مختلفة عن تلك التي تم تطبيقها في الاتحاد السوفيتي المنهار أو أنها تحمل جينات إصلاحية لا يملكها الرفاق في مبناهم الكائن بالخرطوم 2 على مقربة من دار الوطني، وإنما ترتبط بشكل كبير بمعادلة البقاء والمغادرة للسلطة، ففي الوقت الذي يعيد فيه الزملاء نشيدهم الدائم (الشعب يريد إسقاط النظام) ويرفضون أي محاولة للتقارب معه حتى عبر عملية الحوار الوطني، مثلما فعلت القوى السياسية الأخرى وربما أدل على ذلك هو أنه حتى في محاولات الحكومة خلق حالة من التقارب بينها وبين المعارضة عبر قرار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فإنها استثنت منسوبي الشيوعي من القرار وبررت خطوتها بأن قرار العفو يرتبط بشكل كبير بتغيير سلوك الحزب على العكس من صورة الدعوة للمواجهة والإسقاط التي يتبناها شيوعيو السودان، فإن التحالف بين الوطني والشيوعي الصيني من شأنه أن يوفر للأخير دعما سياسيا واقتصاديا وأن زيادة الدعم الصيني عبر مواقفه للسودان من شأنه أن يوفر للحكومة وحزبها الحاكم مساحة للتحرك في البيئة الدولية، وهي أمر من شأنه ضمان استمراريتها في السلطة، فيما يرى فريق آخر أن هذا التقارب هو في الأساس تقارب شمولي.
وبحسب ما يجري الآن واقعياً، فإن التقارب بين الشيوعي الصيني والوطني يبدو منطقياً في سياق علاقات الأحزاب الحاكمة، وهي استراتيجية قديمة عند الحزب الحاكم الذي نجح عبر قياداته في تكوين تحالف مجلس الأحزاب الأفريقية الذي يديره الآن الدكتور نافع علي نافع، ويرفع شعار التعاون بين الأحزاب في القارة، ومعه التقارب بين المواقف التي تحقق تطلعات كل حزب في دولته، وهي ذات الواقعية التي تجعل من مواجهته للشيوعي مبررة فلا يمكن أن تتعاون مع من يريد إسقاطك.

اليوم التالي.