الصادق الرزيقي

شيخ صادق..


شيخ صادق.. يوم الأرض.. علة الوزارة.. لعنة القذافي
شيخ صادق والتلمساني
الدارس لتاريخ حركة الإخوان المسلمين ودورها وتأثيرها في المجتمعات الإسلامية، يلحظ ذاك التشابه بين المرشد الثالث للحركة المغفور له الشيخ عمر التلمساني والفقيد الراحل الكبير الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد،

الأول أي الشيخ التلماسي له نفس السمت والأفكار والمنهج والطريقة والأسلوب وحتى الهدوء وعلو النفس، وشيخ صادق يكاد يكون صنوه وضريبه وتربه، وكلا الرجلين قابل الإمام الشهيد حسن البنا ونهل منه، فالتلمساني الذي ولد وعاش في مصر 1904م، التقي بالشهيد الإمام المؤسس حسن البنا وبايعه سنة 1933م، بينما ولد شيخ صادق في النصف الثاني من السنوات العشرين من القرن الماضي، وعندما ذهب للدراسة بمصر في أواخر السنوات الأربعين، قابل الشهيد حسن البنا في سنواته أو شهوره الأخيرة ونهل منه وبايعه.
ويبدو أن مدرسة التربية التي أرساها الشهيد حسن البنا، كانت ذات أثر بالغ في الرجلين، التلمساني وشيخ صادق، فبينما لم يتأثر المرشد عمر التلمساني خلال فترة السجون التي قضاها في أقبيتها في العهد الناصري بالجدالات الطويلة بين الإخوان المعتقلين ومدرسة الشهيد سيد قطب، وكان ذا أفق ونظر وقاد الجماعة بعد وفاة المرشد الثاني لها الإمام حسن الهضيبي سنة 1974م، اختار ذات منهجه ومدرسته وآثر أن يعبر بالجماعة وسط الأنواء ومصر كانت تشهد تحولات كبيرة في عهد السادات ثم عهد مبارك، وفي وفاته عام 1986م شيعته في مصر مئات الآلاف، وقدرت المشيعين يومها وكالات الأنباء والصحافة المصرية بنصف مليون مشيع، لكن العدد الحقيقي كان يقارب المليون في شوارع القاهرة من كل الطيف السياسي والديني والتيارات الفكرية والاجتماعية والمصرية.

أما الشيخ صادق فقد اختلف مع الدكتور الترابي وبعض القيادات على أولويات العمل الإسلامي ومنطلقاته، وكان لا بد من الافتراق، وقاد هو من خرجوا معه، على منهج يختلف عن نهج الدكتور الترابي مقدماً فكرة التربية وإعداد الفرد وسلوكه على دخول المعترك العام والتغيير بواسطة السلطان والدولة وفن السياسة، ولعل القضية وهي لم تزل محل بحث فكري في أيهما كان أوفق وأقرب للصواب، فإن مدرسة الدكتور الترابي اجتهدت وتقدمت وتوسعت وخاضت غمار عراكها ولها أجر الاجتهاد، ومدرسة الشيخ صادق أثبتت في استخلاصات مدرسة الترابي أهمية التربية.
لكن مع ذلك كله جسّد الشيخ صادق قيم التدين في أرفع مراتبها، عاش عميقاً بسيطاً رفيقاً رقيق الحال، متلطفاً في دعته صبوراً جسوراً في قول الحق دون أن يخدش أو يفحش في القول أو يقسو على أحد من خصومه، يخاصم في الله وعلى شرف الخصومة ويتعامل على سجيته بآداب الدين على جبلته التي جُبل عليها وهي خير وفي خير دائماً… وهو مثل التلمساني بكاه ونعاه وشيعه الجميع من كل الأطياف السياسية والفكرية والاجتماعية وحتى أعداء فكرته.
يتسرب من بين أيدينا مثله، فتبقى العبرة والعظات، لكن تدلهم المسافات القادمة وتظلم الأمكنة التي كانوا هم سطوعها ولمعانها، فما أن ينطفئ منهم سراج الحياة، حتى تبدو الدنيا من بعدهم ظلامات بعضها فوق بعض.. لقد ذهب العقل المفكر والمدبر والقلب العابد الذاكر والروح الشفيف التي ترى من خلال حسن السجايا مجسدات وحاضرات… فوا عجبا من واقع خلا منه مثل هذا الرجل ..غاب من بعد سطوع وخبا بعد التماعٍ!!

يوم الأرض .. المفاتيح وإن صدئت
هذا الشعب الفلسطيني الجبار، في ساعات قلائل يوم أمس وهو يحيي يوم الأرض والعودة، لا يزلزل الأرض الفلسطينية كلها تحت أقدام الصهاينة المحتلين، بل يكتب شهادة وفاة لما تسمى صفقة القرن التي كانت تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وإسكانها قبرها، لكن بالأمس في مسيرات سلمية حمل الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة ومناطق أخرى من فلسطين علم الدولة الأبية فقط، وتحرك بلا انتماءات ضيقة لا لفصائل أو مجموعات أو حركات أو تصنيفات وتقسيمات داخلية، خرج الرجال والنساء والأطفال، الكبار والصغار، وهم يهدرون بالهتاف القوي ويكتبون واقعاً جديداً بأن العودة لا يمكن التراجع عنها، وأن الفلسطينيين الذين هُجروا من منازلهم وديارهم عند قيام الكيان الصهيوني والذين طردوا وشردوا لم ينسوا أبداً بيوتهم ومزارعهم وقراهم ومدنهم، فمفاتيح البيوت مازالت معهم، فهي كما قيل وإن صدئت فهي تعرف أبوابها!!

المغزى السياسي للمسيرات التي تصل حتى الحواجز والأسلاك الشائكة والمتاريس التي وضعها الصهاينة عند حدود قطاع غزة أو الضفة الغربية أو عند الجولان السوري المحتلة أو في جنوب لبنان، لن تثني أحداً عن أن ينفذ بأشواقه وبصره وبأحلامه فوق الأسوار والأسلاك الشائكة إلى بلاده وقريته وبيته الأصيل، فالأجيال الجديدة والأطفال حفظوا عن الآباء والأجداد الروايات والقصص ومعالم البيوت وتفاصيلها وعرفوا رائحة التراب وعطر الأرض وعبق البساتين والحقول.. مثل هذا الشعب لا يمكن أن ينسى أرضه وحقوقه، فحق العودة لا تشطبه الاتفاقيات ولا المؤامرات الدولية.. لقد نسي من وضعوا خطة ما تسمى صفقة القرن.. إن الشعب الفلسطيني باقٍ ولن يُباع ولن يفرط ولن يبيع أرضه وترابه، ومن أراد أن يتأكد من أن صفقة القرن أفشلها تحرك أول لآلاف الفلسطينيين تجاه الحواجز والمتاريس وطرق العودة، فلينظر إلى الذعر الذي أصاب الكيان الصهيوني، والعويل الضخم في إعلامه والإعلام الغربي والإعلام العربي التابع الذليل مثل ذيل الكلب.

هل العلة في الوزيرة ..؟
المطالبة باستقالة وزيرة التربية والتعليم، أمر مقبول بفعل الصدمة وواقع الحال، لكن منذ متى خلال السنوات الماضية كانت أوضاع التعليم جيدة؟ فقد شهدنا انهيار وانحدار التعليم منذ أن تم تغيير المناهج الدراسية مطلع التسعينيات بفكرة غامضة وأهداف غريبة أدت إلى ضعف التعليم وانحداره السريع نحو القاع، ثم تغيرت بسرعة البرق كثير من المفاهيم التعليمية التربوية، وتبدل النظام الذي كانت تقوم عليه وزارة التربية والتعليم وضوابطها ولوائحها وقواعدها، ثم ضعفت ولايتها على التعليم العام، لاهتراء الروابط التنسيقية بينها وبين الوزارات الولائية وتداخل السلطات والصلاحيات، ولم يكن أحد يعير انتباهاً إلى ما وصل إليه حال التعليم، بدءاً بوضع المعلم وانتهاءً بالتعليم الذي صار تجارة ومدخلاً للتكسب والتربح بدعوى التعليم الخاص..
من الطبيعي أن تنهار كل الأسس الضابطة لعملية الامتحانات، وفوق هذا وذلك قلة خبرة الوزراء الذين يتم تعيينهم في هذه الوزارة من سنوات بعيدة في عهد الإنقاذ ثم الوكلاء أنفسهم، فقليلو التجربة والخبرة والبعيدون تماماً عن هذا المجال وقضاياه الشائكة، لا يمكنهم أبداً إدارة وزارة خطيرة ومهمة كوزارة التربية والتعليم .. فكيفما كان المسؤول الأول والثاني وكبار المسؤولين في الوزارة تكون أوضاع التعليم ونجاعته.

وحتى لا يعود العويل في وسائل الإعلام .. فالدولة وأجهزتها تعلم وتعرف كيف تسربت الامتحانات وأين ولماذا؟ وهذه ليست المرة الأولى … فتش هذه المرة عن السياسة وعن التمرد قبل ضعاف النفوس وأهل التجارة بالتعليم!!

لعنة القذافي
المال الحرام يودي بصاحبه في نهاية الأمر إلى جهنم وإلى مصيره المحتوم، ليس هناك من هو أشقى هذه الأيام من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، فالرجل عندما كان وزيراً للداخلية وزار القذافي في خيمته بطرابلس وهمس بنيته للترشح للرئاسة بعد جاك شيراك في أذن الزعيم الليبي المتطلع إلى إدخال ماله والعبث بأصبعه في السياسة الأوروبية وخاصة الفرنسية، ابتسم القذافي وربت على كتفه موافقاً، ثم ابتعث ساركوزي بعدها زوجته الحسناء عارضة الأزياء (كارلا بروني) لتقابل القذافي وتمكث أيامها ولياليها بين صحراء ليبيا وخيام العقيد وقصوره في انتظار نوال الرجل وخزائنه، وأعطاها القذافي صيتاً سياسياً بإطلاق الممرضات البلغاريات اللائي كن قد حوكمن في ليبيا بتهمة حقن أطفال ليبيين بدم ملوث بفيروس الإيدز، ثم وعد بالأموال عن طريق رجل أعمال فرنسي سلم ساركوزي المطلوب للحملة الانتخابية ولأغراض أخرى، وكانت الهدايا الشخصية لزوجة ساركوزي تساوي ضعف ما أعطى الزعيم الليبي للانتخاب، وما يحقق له حلمه بالعبث والتأثير في الصندوق الانتخابي الفرنسي.

وعقب فوز ساركوزي في مايو 2007م أراد الرئيس الفرنسي على طريقة رجال المافيا وفساد السياسة، أن يتخلص من أي دليل لخطيئته التي لا تغتفر، فبدأ من أعلى السقف، فاستغل الثورة الليبية وحرض قادة حلف الناتو ضد القذافي، وحدث بعدها ما حدث حتى اطمأن إلى أن دفن ديكتاتور ليبيا في قلب الصحراء إلى الأبد … لكن شبح القذافي ولعنته وماله الحرام تطارد ساركوزي الآن وتراه في أجهزة الإعلام يُقتاد من مخفر ونيابة إلى محكمة مثل الأرنب الرعديد.. انخفض وزنه وبهت لونه وزاغ بصره … ولعل القذافي يقهقه في قبره المجهول وسط الرمال قرب جبال أكاكوس في عمق الصحراء الليبية.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة