تحقيقات وتقارير

القصة الكاملة لاتهام الوالي الجنرال بنهب (57) كيلو من الذهب


لم تتخلَ كادقلي العاصمة السياسية لجبال النوبة عن تقاليدها القديمة في الهمس والجهر في مجالس الأنس تحت ظلال أشجار النيم بسوق المدينة، وفي لحظات الصفو والتأمل أمام البيوت الفارغة في الظلام هذه الأيام بعد تهالك محطات التوليد وموتها!! كادقلي مدينة تهمس في الشأن السياسي بطريقتها الخاصة.. مئات السياسيين يجلسون في الأرصفة ينتظرون فرص الوظيفة المتاحة في الواقع المزري، أما وزراء معتمدين أو مستشارين.. تتبدل حياتهم من شظف.. ونكد وضيق في ذات اليد إلى حياة الدعة والرفاه.. حسب واقع الحال وظروف المكان فأثرياء الريف فقراء في المدن.. من عادات كادقلي القديمة أنها تنبش في سيرة القادة السياسيين بأظافرها.. وتغتال أبنائها وبناتها في صمت بسلاح الشائعات التي تبدأ في مجلس قهوة الآن.. أو أنداية مريسة في الزمان القديم.. أو تحت ظل شجرة تتوسط (فريقاً) للرُحل أو ظل جبل يأوي إليه الناس اتقاء الحر والبرد.. ومع رشف كوب شاي اللبن.. تنساب الشائعات عن تعيين فلان والياً.. وفلان وزيراً في المركز.

ويظن البعض أن سلاح الشائعات ماضياً وفاعلاً في اغتيال ومكافحة السياسيين مثلما يكافح الجراد أطواره الابتدائية.. قالت كادقلي يوماً عن “محمود حسيب”، ما لم تقله الخرطوم عن “جعفر نميري” ولم ينجُ د.”حبيب أحمد مختوم” أول والٍ على جبال النوبة 1994م، بعد انقسام الإقليم الذي عاصمته الأبيض إلى ثلاث ولايات، ومدت مجالس القطيعة لسانها لواحد من أنظف القادة في بلادي طهراً ونقاءً وبياض نية مولانا “سومي زيدان” وحتى دموع الراحل الشفيف “مجذوب يوسف بابكر” حسبها البعض دموعاً لتمساح خرج من بحيرة حيرى في غرب كادقلي.. وأشرعت السكاكين لعنق مولانا “أحمد هارون”، وحتى النائب البرلماني المستقل شكلاً و(الإصلاح الآن) مضموناً “بكري سلمى” الذي يقود حملة المواجهة لإبعاد الجنرال “عيسى آدم أبكر” لم يسلم من لسان الشائنين.. وشائعات الشائعين في يوم ما.

الحفر العميق

عندما خاطب د. “فصيل حسن إبراهيم” مساعد رئيس الجمهورية، يوم (السبت) الماضي، اللقاء السياسي لقواعد حزب المؤتمر الوطني في زيارة قصيرة للولاية لم تستغرق إلا ثمان ساعات، وضع د.”فيصل” أصبعه على بعض جروح المدينة وأمراضها.. وطلب من قادة حزب المؤتمر الوطني الكف عن (الحفر السياسي) الاتجاه لحفر الأرض بحثاً عن الذهب والحرث العميق في الأرض الطينية لإنتاج الذرة والسمسم، وطارت بعبارات د.”فيصل” عن (الحفر) في السياسة الأقلام وكاميرات القنوات.. وفضاء الإعلام الاجتماعي.. وبحث الناس عميقاً في تاريخ الحفر وأسماء الحفارين.

ولكن إشارة د.”فيصل” كانت تذهب باتجاه تسرب في شبكة إعلام المجتمع (التراسل الفوري) واتساب وفيسبوك عن سبعة وأربعين كيلو من الذهب حملتها سيارة واحدة من كادقلي وقطعت المسافات باتجاه الخرطوم، حيث تدخلها كل الأشياء الثمينة!! الرواية التي تناثرت في المجالس لاغتيال الجنرال “عيسى آدم أبكر” وإزاحته من منصب الوالي شأنه شأن من سبقوه في الموقع ونالتهم ذات السهام مع كل رياح تغيير وتبديل تهب على الخرطوم قبل الولايات.. انتقلت الشائعة من المجالس إلى مواقع التواصل الاجتماعي.. وتولى قادة الحركة الشعبية وخلاياها النشطة في الواتساب والنائمة في أطراف المدن، وخاصة الخرطوم خيوط الشائعة ونسجت قصصاً وحكايات ومرويات عن تفاصيل القبض على مدير مكتب الوالي وسيارته التي تحمل (57) كيلو من الذهب عبارة عن رشوة قدمت للوالي من شركات التعدين وأموال أخرى!!

أصل الحكاية

ظل الضابط الإداري الشاب “عبد الله إسماعيل” يعمل بهمة ونشاط في ذلك اليوم.. قبل أن تنساب عبر الأثير المكالمات الهاتفية تسأل عنه.. هل صحيح تم اعتقاله؟ وأين هو الآن؟ وما مصير السائق الذي يقود العربة وهل يتم تقديم مكتب الوالي لمحاكمة علنية أم سرية؟.. والحركة الشعبية هناك تقول كلاماً عن الواقعة، ومواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن تهريب الذهب.. وحتى نواب البرلمان أيقنوا بصحة الواقعة، طلب النائب “بكري عبد الله سلمى” عن الدوائر الجغرافية الدلنج من وزير المعادن بروفيسور “هاشم علي سالم” الإجابة على سؤال عن صحة واقعة تورط والي جنوب كردفان في تهريب (57) كيلو من الذهب والقبض على الذهب المهرب على مشارف الخرطوم.

ولكن فجأة تراجع النائب الذي دخل البرلمان (مستغلاً) ثغرة كبيرة في الممارسة يتنازل المؤتمر الوطني عن دائرة الدلنج للحركة الشعبية جناح السلام.. وخصص المقعد لثلاثة أسماء الجنرال دانيال كودي أو الأميرة الحسناء د.”تابيتا بطرس” أو الشاب “عمر شيخ الدين” وحينما قدرت الحركة الشعبية أن خوضها للانتخابات (مجازفة) قد تضعها في مواجهة مع أنصار الحركة الشعبية الأصل من جهة وتضعها في مواجهة مع قواعد المؤتمر الوطني وعامة المواطنين (الرافضين) لاسم الحركة الشعبية سواء اقترن بالسلام أو الحرب انسحبت الحركة وفتحت الأبواب لـ”بكري سلمى” وهو من قادة المؤتمر الوطني الغاضبين!! كما فتحت النوافذ لمرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي الراحل “بدر الدين مصطفى محمد صديق”.. وأصبح المؤتمر الوطني (متفرجاً).. لم يمثل وزير المعادن أمام البرلمان للإجابة على شائعات الواتساب.. ولكن بعض الناشطين والناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي (صدقوا) كذبة مارس.. ينظرون إلى مدير مكتب الوالي يجوب طرقات مدينته كادقلي ويكتبون عن القبض عليه متورطاً في تهريب ذهب ومبالغ مالية كبيرة.

ردة فعل الجنرال وبلاغات القبض

رفض الجنرال د.”عيسى آدم أبكر” الصمت على الاتهامات الكاذبة التي وجهت إليه زوراً.. واختار تنقية سيرته.. والرجل منذ أن كان ضابطاً صغيراً في جهاز الأمن بكادقلي عرف عنه النزاهة والاستقامة وحملته جماهير جنوب دارفور على أكتافها حينما ناهض الفساد.. الإداري والسياسي.. وواجه صقور المؤتمر الوطني في نيالا وعصافيرها بقوة وحزم.. ووقف مع العامة في معركته مع الجنرال الآخر الذي من شدة بأسه أطلق عليه صفة “جون سينا” تشبهاً بالملاكم العالمي البارع في إزاحة المنافسين.. لم يستجب الجنرال “عيسى أبكر” (لوساطات) عديدة.. وقرر ملاحقة الذين حاولوا اغتياله معنوياً وتلطيخ سمعته وتلويث ثيابه بالشائعات التي تمددت.. من الخرطوم إلى كادقلي ذهب لبناية المعلوماتية ودون بلاغات في مواجهة عدد من الناشطين والناشطات من بينهم ناشطة سياسية في الحركة الشعبية سابقاً.. ومعلمة الآن في الخرطوم تدعى “عوضية مرسال” تم القبض عليها في الخرطوم، ونقلت إلى كادقلي للتحقيق حول مزاعمها.. وتبحث الشرطة الآن عن آخرين من بينهم مدير منظمة طوعية شبه حكومية اختفى عن الأنظار بعد القبض على “عوضية مرسال”.. وفجأة تراجع قادة الحملة التي صوبت سهامها بعناية لاغتيال الجنرال “عيسى” ودفنه حياً.. ظناً أن ذلك يفتح الباب واسعاً لصعود مترقب آخر في نيالا لموت الجنرال ويفتح أبواب تعيين والٍ جديد قد يستعين بالمنتظرين في قارعة الطريق ليصبحوا وزراء ومعتمدين بعد أن طال انتظارهم للمناصب والمواقع.

فروة البرلمان

دخل د.”أمين بشير فلين” أحد أبرز قادة الحزب القومي السوداني العائدين من الولايات المتحدة استجابة لدعوة الرئيس لهم.. وهم نخبة من السياسيين أصحاب التجارب والخبرات.. ود.”أمين بشير فلين” كان نائباً برلمانياً في الجمعية التأسيسية 1986-1989م، عن دائرة الدلنج الغربية وببطاقة الحزب القومي السوداني.. عاد بعد هجرة طويلة ولجوء سياسي، وكان د.”فيصل حسن إبراهيم” هو عراب عودة هؤلاء الطيور المهاجرة.. ولم يضف ما يعرف بالنوبة الأمريكان بصمة كما كان منتظراً في البرلمان.. ولكن بعد أن ألقت الشرطة القبض على الناشطة “عوضية مرسال” دخل “قلين” في خط المواجهة وتحدث باسمه، ولكنه استخدم بطبيعة الحال فروة البرلمان وقال إن نواب جنوب كردفان وقعوا على مذكرة تطالب المركز بإعفاء الجنرال “عيسى آدم أبكر” في الأيام القادمة.

وزعم النائب أن المذكرة وقع عليها أعضاء في المجلسين أي المجلس الوطني ومجلس الولايات.. وبعض السياسيين!! فهل المذكرة التي وقعت تمثل النواب غير (المؤتمرجية) أم كل الهيئة البرلمانية لنواب جنوب كردفان!! وهل غضب السيد “أمين فلين” على الوالي بسبب لجوئه للقانون ومقاضاة بعض الناشطين الذين اتهموه في ذمته المالية؟ أم جرياً وراء العادات القديمة للمدينة العريقة؟ وهل تقييم أداء الولاة مهمة النواب؟ أم الأمر متروكاً لتقديرات الجهة التي (عينت) الولاة؟ وأين هو شعب الولاية الذي ينظر بعين التقدير لعطاء الجنرال “عيسى” حتى اللحظة؟!!
ولماذا انحرفت بعض القيادات من أبناء النوبة بالصراع إلى مسارات إثنية وعرقية بإدعاءات جوفاء أن الوالي يستهدف النوبة؟!! وهل لجوء المسؤولين للقانون يعد استهدافاً؟ وكيف يكون الأمر إذا لجأ الوالي المسؤول إلى قانون الطوارئ الذي يحكم ولايته؟ وقد عرف عن الجنرال “عيسى” التوازن في تشكيل حكومته وقد جاء بنائب الوالي د.”بابكر” ونائب رئيس المؤتمر الوطني “الهادي أندو” ورئيس المجلس التشريعي “السر عبد الرحيم توتو”.. وخمسة من المعتمدين فكيف يدعي الناشطون أن الجنرال يستهدف النوبة أم هي محاولة لهزيمة الرجل معنوياً؟.. والتأثير عن المركز لإبعاده بعد أن حقق قدراً من النجاح في ظل ظروف مالية واقتصادية بالغة التعقيد وأوضاع أمنية هشة قد تنزلق إلى حرب جديدة في أية لحظة.

المجهر السياسي.


تعليق واحد

  1. المقالة فارغة و رخيصة هدفها تلميع صورة والي جنوب كردفان.