تحقيقات وتقارير

تحقيق حول فوضى أسعار السلع من المصانع والشركات حتى المستهلك


كيلو السكر من المصنع لا يتجاوز الـ(15) جنيهاً وفي القطاعي (28) جنيهاً !!
جركانة الزيت في المصنع (620) جنيهاً وفي السوق (720) جنيهاً بزيادة (100) جنيه !!

فوضى عارمة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في الأسواق، فكل يبيع على هواه دون رقابة من الجهات المسؤولة حيث توجد فوارق كبيرة في أسعار السلع من المصنع والجملة والقطاعي والتجزئة.

(المجهر) وقفت على أسعار بعض السلع الإستراتيجية والمهمة وتتبعت مسيرتها من المصانع إلى أسواق الجملة مروراً بمراحل البيع المتجزئ في مراحله المختلفة، فخرجنا بالمثير.

من حيث يبدأ التصنيع، كشفت جولة (المجهر) عن أسعار سلعة الزيت من داخل المصانع التي تفاوتت بين (600-620) جنيهاً، للجركانة عبوة (36) رطلاً، وتتراوح في الجملة ما بين (720 -730) جنيهاً. وفي شركة (يارا) للزيوت السودانية كانت لنا وقفة مع علي الطاهر نائب المدير الذي أوضح لـ(المجهر) أن كرتونة زيت يارا (1 لتر) تباع بـ(572) جنيهاً، وسعر العبوة الواحدة (48) جنيهاً، أما (2 لتر) فتباع بـ(562) جنيهاً بها (6 عبوات) الواحدة بـ(94) جنيهاً.
في ذات السياق كشف مصدر بشركة (سين) للغلال- فضل حجب اسمه- أن الجوال الكبير بـ(550) جنيهاً، بينما يباع بالقطاعي بسعر (750) جنيهاً.
وكذلك تحدث مصدر من غرفة السكر- فضل حجب اسمه- لـ(المجهر) وقال إن سعر الجوال كبير الحجم (780) جنيهاً، ويباع الكيلو بـ(16) جنيهاً.

مفارقات غير منطقية

ما أن انتهينا من قائمة أسعار الشركات والمصانع تحركت (المجهر) إلى أقرب أماكن البيع بالجملة لمعرفة هل الأسعار متطابقة بين الشركات وأماكن البيع داخل الأحياء السكنية، فأفادنا تاجر- فضل حجب اسمه- بأن سعر الزيت (1 لتر) (12) عبوة (580) جنيهاً، الواحدة منها بـ(50) جنيهاً، أما (4.4 لتر) كبيرة فسعرها (225) جنيهاً، (2 لتر) (6) عبوات تباع بـ(570) جنيهاً والواحدة منها بـ(100) جنيه، (3 لتر) (6) عبوات (810) جنيهات الواحدة (150) جنيهاً.
كذلك توجد مفارقات في أسعار السكر مقارنة مع المصانع، حيث يباع السكر (10 كيلو) بـ(270) والجوال كبير الحجم يباع بـ(1300) جنيه.
وداخل أحد الأحياء، ذكر صاحب دكان في حديثه لـ(المجهر) أن هناك بعضاً من السلع توقفت نسبة لزيادة الأسعار مثل (دقيق سين زنة 10 كيلو)، مشيراً إلى أنهم يبيعون سكر (صافية) فقط الذي يصل سعره إلى (30) جنيهاً والباكيت (280) جنيهاً، أما دقيق (سيقا) فيباع بـ(18) جنيهاً، الباكيت (280) جنيهاً، مضيفاً إن أسعار الزيوت (1 لتر) (55) جنيهاً (5-4 لتر) (250) جنيهاً.

نبض الشارع

بالقرب من دكان بأحد الأحياء جلسنا مع بعض المواطنين للتعرف على آرائهم حول أسعار السلع، حيث ذكرت المواطنة “سوسن التوم” بأن الأسعار كل يوم مرتفعة بسبب ودون سبب، وبصوت غاضب تحدثت قائلة: (يقولون السبب الدولار في كل شيء بما فيها المنتجات التي تزرع في السودان)، مشيرة إلى حاجتهم للمواد الأساسية في شهر رمضان، ولكنها ليست في متناول الأيدي بالنسبة للأسر بسيطة الدخل، حيث إن الرواتب لا تكفي لشراء كل السلع الرمضانية.
أما “حليمة فضل الله” فأشارت إلى أن السكر والدقيق والزيت أكثر المواد ارتفاعاً في الأسواق، وأن البيت السوداني لا يخلو من وجبات من غير تلك المواد، مضيفة إن هذه الزيادة كان لها أثر كبير على ربات المنازل في توفير الدخل حيث تنازلت الأسر عن بعض المواد.

تلاعب التجار

على ذات السياق شكا بعض المواطنين من ارتفاع أسعار السلع داخل دكاكين الأحياء دون أماكن البيع بالأجمالي، بحيث يوجد تفاوت كبير في بيع السلع مع اختلاف أماكن الدكاكين. وذكر المواطن “محمد سيد” في حديثه لـ(المجهر) أن بعضاً من الدكاكين يبيع دون الرجوع للجهات المسؤولة، وأن المواطن في الحي يدرك تلاعب التجار، ولكن لا يتحدث غير أن يقول لابنه أو جاره (اذهب إلى دكان فلان فإنه يبيع بسعر مناسب) كأن تجار الدكاكين يتنافسون وراء بيع منتجاتهم والضحية هو المواطن، واختتم حديثه بنداء إلى الجهات المسؤولة للنظر السريع في هذه المشاكل، متفائلاً بتحسين الوضع الاقتصادي إذا وجد رقابة.

مبررات واهية

لم تقتصر جولتنا على الأسعار فقط، بل استطلعنا أصحاب الشأن من التجار الذين يملكون زمام الأمر في المصانع لماذا كل هذه الزيادة ومن المسوؤل عنها؟
نائب مدير شركة (يارا) للزيوت “علي الطاهر” قال لـ(المجهر) إن أسعار الزيوت مستقرة ولم تخضع في الآونة الأخيرة للزيادة. وأرجع ارتفاع الأسعار بالنسبة للمواطنين إلى جشع التجار لأن بعضهم يريد أن تذهب بضاعته سريعاً فيبيع بسعر منخفض، وفي متناول الأسر، أما بعض التجار فيبيعون بأسعار مرتفعة من أجل كسب الزيادة، فلابد للدكاكين في الأحياء السكنية أن تراعي أوضاع أصحاب الطبقات الفقيرة.
ولم يختلف رأيه كثيراً عن المتحدث بشركة (سين) للغلال الذي اتهم التجار بأنهم يحملون العبء للمواطن.

أيضاً كان لتجار محال البيع بالجملة رأي آخر حول الزيادة، التاجر “عمر أحمد” الذي يعمل في هذه المهنة لـ(10) أعوام تحدث لـ(المجهر) قائلاً: (تجار الدكاكين يشترون منا جميع السلع ويزيدون أسعارهم دون الرجوع إلى أحد)، مؤكداً أن أسعار الأجمالي مستقرة وموحدة على حسب قائمة الشركات والمصانع.
التاجر “منصور” كان في حيرة من أمره وهو يسمع حديث نساء الحي يصحن في وجهه (ليه البصل غالي – ليه السكر 10 كيلو ما قاعد تجيبو) بهذه الاستفهامات استقبلنا وهو يردد: (كل شيء أصبح غالياً)، حيث إن سعر جوال السكر كبير الحجم بـ(1350) جنيهاً، أما دقيق (سيقا) فقد وصل الكيلو (18) جنيهاً، مضيفاً إن جوال البصل انخفض حتى وصل (240) جنيهاً، وسعر لبن البودرة وصل الكيس الكبير إلى (400) جنيه، أما الحجم الصغير فوصل (20) جنيهاً، أما جوال صابون البودرة فوصل إلى (130) جنيهاً، مضيفاً إن جوال البصل انخفض حتى وصل إلى (240) جنيهاً.. واختتم حديثه: (نحن غير مسؤولين عن كل هذه الزيادات).

وللاقتصاديين كلمة

حول الوضع الاقتصادي الراهن وحالة زيادات أسعار السلع حسب التجار، ولمعرفة الحلول التي يمكن أن تعالج الأزمة الاقتصادية، تحدث إلى الخبير الاقتصادي د. “عبد الله الرمادي” الذي بدا متأسفاً لتفاوت أسعار السلع الغذائية، وقال إنه يعدّ من السمات التي تشوه سمعة الاقتصاد، ويتعارض مع شعار (الاقتصاد الحر)، مبيناً أن هذا الشعار يستخدم في الدول الأوروبية عندما يحدث عجز في الموازنة الاقتصادية تسعى الدولة إلى طرق أبواب متعددة من الحلول، مثل الذي حصل في أمريكا عندما أفلست المصارف، حيث اشترت الدولة ما يقارب الـ(60%) من أسهم البنوك لكي تعالج الأزمة.

وأرجع “الرمادي” تفاوت الأسعار لعدم الرقابة من الدولة، حيث لا تقوم بمهمتها الرئيسية تجاه المواطنين، ولا تراقب السلع عندما تخرج من المصانع أو المزارع، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار عصابات التهريب وضعاف النفوس يستغلون حاجة المواطنين، وقال: (ذهبت إلى السوق المحلي لكي أراقب الوضع الاقتصادي هناك، حيث وجدت تاجراً اشترى بطيخاً بـ5 جنيهات من الدفار الذي جاء من المزارع وبعد دقائق وجدته يبيع البطيخ بسعر 30 و50 جنيهاً).
واختتم حديثه بأن الحلول تكمن في مخاطبة الجهات المسؤولة ورفع شعار (محاربة الغلاء).. فلابد للدولة من أن تتدخل فوراً، لأن وضع الاقتصاد السوداني لا يتحمل النفاق في أسعار السلع الاستهلاكية.

تحقيق – رباب الأمين
المجهر السياسي.