حوارات ولقاءات

الأمين العام للمؤتمر السوداني: تطاول حكم الإنقاذ أفقد معارضين الثقة واكتفوا بالمناحات


** خالد عمر يوسف الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني يمثل جيلا سياسيا حزبيا جديدا يبحث عن موطئ قدم في ساحات السياسة السودانية المزدحمة بالقيادات السياسية التاريخية، وقبل أن يصعد خالد إلى منصبه الجديد فجر مفاجأة من العيار الثقيل في راكد النشاط المعارض، فقد أعلن بلا مواربة تبنيه مقترح “منازلة” النظام الحاكم انتخابيا، متجاهلا بذلك كل صياح المعارضين للفكرة والممسكين بخيار إسقاط النظام بالثورة الشعبية، بل إن الشاب خالد قوبل بمعارضين من داخل حزب المؤتمر السوداني الصاعد تأثيره في السنوات الأخيرة.
في هذا الحوار يترافع السياسي الشاب عن وجهة نظره الداعية للمشاركة في الانتخابات 2020، ويعتبر المقترح أحد أساليب المقاومة، ويرد على من يحاولون التقليل من قيمته ولا ينسى أن يقول: “لن نخدع الناس ونقول إن الأمور على ما يرام”، مبينا أن المعارضة تتحمل قسطا من حالة الانسداد العام في البلاد.

تاليا نص الحوار:

* خالد عمر من نائب رئيس الحزب للأمين العام.. ما هي أسباب هذه التحولات؟

– هي تحولات إدارية عادية أجراها المجلس المركزي للحزب، انتقلت بموجبها إلى مباشرة مهام تنفيذية ذات طبيعة داخلية وانتخب مستور أحمد لموقع نائب الرئيس ليضطلع بمهام سياسية أكبر في المرحلة المقبلة. هذه التعديلات تأتي في إطار البحث عن تطوير أداء أجهزة الحزب وتجويده، وقد شملت عدداً من الأمانات التي ضخت فيها دماء جديدة وهو فعل راتب نقوم به داخل الحزب في سعينا الحثيث نحو خلق منظومة تعبر عن آمال وطموحات من يثقون بها ويأملون أن تضطلع بمهام الإسهام الفعال في إنجاز التغيير المنشود.

*نفيتم قبل فترة وجود صفقة مع السلطة قضت بمغادرتكم الاعتقال، لكن ثمة من يؤكد على صفقة مع المجتمع الدولي جعلتكم تختارون المشاركة في الانتخابات؟

– البينة على من ادعى. على كل من يقول إن لدينا صفقة مع أحد أن يطرح أسانيده وبيناته للرأي العام عوضا عن إطلاق الأكاذيب التي لا سند لها. موقفنا من الانتخابات واضح وبين، أدرنا فيه نقاشا مفتوحا أشركنا فيه الجميع ووصلنا إلى قرار مفصل حدد مطلوبات محددة للانتخابات الحرة النزيهة التي نقبل بها ودعا لانتزاع هذه المطلوبات عبر عمل جماهيري مقاوم، لا شيء سري في هذا ولا يحزنون. وساوس المؤامرة الدولية هذه تصدر من عقليات ونفوس معطوبة تعجز عن التفكير العملي النقدي للواقع السياسي والبحث عن استنباط حلول وأدوات جديدة تتعامل معه، هذه العقليات غير ذات جدوى في البحث عن غد أفضل فهي لا تملك شيئاً للمستقبل، الماضي مسكنها ومهربها من قسوة الواقع وهي تستحق أن تشفق عليها فقط لا أن تأخذ ما تقول بمأخذ الجد.

*تحدثتم عن اشتراطات للمشاركة أنتم أول من يعلم عدم تنفيذها من قبل الطرف الآخر، هل الأمر محاولة لتبييض وجهكم أمام الرأي العام؟

– وجوهنا سوداء وسمراء وقمحية وبيضاء بتعدد ألوان وسحن أهل السودان ولا نحتاج لأي مساحيق تخفي أو تغير شيئاً من أصالتها، فمواقفنا أصيلة وصادقة ومنحازة فقط لهذه البلاد وأهلها. من يروجون لاستحالة تحقق هذه الاشتراطات قوم مهزومون نفسياً، تطاول سنوات حكم الإنقاذ أفقدهم الثقة في قدرتهم على إنجاز أي شيء، لذا فقد اكتفوا بترديد مناحات تصف بؤس الحاصل وتجزم باستحالة أي حل عملي، وبتكرار شعارات وكلمات مشتطة يدارون بها سوءة عجزهم وهروبهم من لظى المعارك الحقيقية ضد النظام، شعاراتهم هذه محض لبوس أخلاقي كاذب، وهذا النظام سيذهب بالأفعال وبتجريب كل الأدوات الممكنة ضده لا بالأقوال والأشعار. نحن نثق في قدرتنا وقوتنا على انتزاع الوطن بكامله من براثن انقلابيي الإنقاذ دعك عن بضعة قوانين ومطلوبات هي من صميم حقوقنا. وضعنا تلك المطلوبات لا لنستجدي أحداً كي يستجيب لها بل لنقتلعها عبر عمل سياسي جماهيري سلمي متصل هو جزء من صميم واجبات المقاومة اليومية والأيام القادمة ستثبت جديتنا في العمل من أجل انتزاع هذه المطلوبات.

*حتى الآن المؤتمر السوداني غير مشارك وهو غير مقاطع، ألا يخلق هذا الأمر ربكة في المشهد العام؟

– لسنا معنيين الآن بهذه الثنائيات التبسيطية، طرح مجلسنا المركزي خطة عمل كاملة وواضحة للتعاطي مع انتخابات 2020، اهتمت هذه الخطة بالتفاصيل وابتعدت عن الشعارات والأوصاف المعممة. موقفنا هو أننا قد حددنا عددا من مطلوبات الانتخابات الحرة النزيهة، وبدأنا الآن في حملات سياسية وقانونية لانتزاع هذه المطلوبات وتوفيرها وتحويلها لجزء من واجبات المقاومة اليومية، دعونا كافة القوى المعارضة والفاعلين السياسيين لتوحيد الجهود في هذه القضايا، ووجه المجلس أجهزة الحزب الداخلية بالاهتمام بالبناء التنظيمي للحزب وانتشاره الجماهيري، وإعداده – وفقاً للاستراتيجية الانتخابية المجازة في اجتماع المجلس في ابريل 2017 – ليكون جاهزاً لخوض الانتخابات متى ما قرر الحزب ذلك وفق المطلوبات. هذا هو موقفنا من الانتخابات، واضح لا شيء مربك فيه، حاول البعض اصطناع ربكة عبر إطلاق الأكاذيب والشائعات ولكنا لن ننصرف لمعاركهم الهامشية هذه فهي معارك لا طائل منها ولا نفع.

*بإعلانكم إمكانية المشاركة في الانتخابات فتحتم على حزبكم أبواب الجحيم من قبل المعارضة فكيف ستتعاطون مع هذا الأمر؟

– لم نطرح شيئاً يستدعي فتح أبواب الجحيم من أي شخص يريد فعلاً خلاص البلاد من أزماتها هذه، طرحنا خطة سياسية عملية تضيف أبواباً جديدة للمقاومة إضافة لما هو قائم أصلاً وهو أمر مرغوب وواجب ولن يستطيع كائن من كان أن يصادر حقنا في التفكير وإطلاق المبادرات السياسية وشق الدروب الجديدة للوصول إلى أهدافنا في السلام والحرية والعدالة. ابتدرنا سلسلة حوارات مع كافة أطياف المعارضة حول خطتنا هذه سنستمع لهم بصبر واهتمام بالغ وسنسعى ما استطعنا لخلق أوسع أرضية من التفاهمات بما يوحد مجهودنا ويوفر طاقاتنا لتوظف في الاتجاه الصحيح.

*بالنسبة للحزب الشيوعي فإن خيار مشاركتكم في الانتخابات هو تنفيذ للأجندة الأمريكية وأحد مخرجات اجتماع القوى السياسية مع وفد الكونغرس في السفارة الأمريكية؟

– الطريف في الأمر أن هذا الاجتماع قد حضره الحزب الشيوعي السوداني ولم نتمكن نحن من حضوره لتعارضه مع التزامات أخرى تزامنت مع توقيته. لا علم لنا بما اتفق عليه الحزب الشيوعي والقوى السياسية الأخرى التي حضرت اللقاء مع وفد الكونغرس ولا بما طرحه عليهم الوفد. نقاشاتنا التي ابتدرناها وموقفنا الذي اتخذه المجلس لا علاقة له بهذا الاجتماع ولا بأي اجتماعات أخرى، هو أمر من صميم واجباتنا اليومية في التفكير في التعاطي مع كل ما يلوح في الأفق من أحداث سياسية ويوجهنا في اتخاذ المواقف فقط إرادتنا الداخلية ومصالح أبناء وبنات هذا الوطن وأولوياتهم. نحن حزب نشأ هنا داخل هذه البلاد، لم يستورد فكرة أو يرتبط بأي قوى خارجية في تاريخه، هذه حقائق ناصعة لا يمكن التشويش عليها أو إخفاؤها.

*وجود تيارين في الحزب على خلفية الموقف من الانتخابات، ألا يؤثر على الأداء ويفتح الأبواب أمام الانشقاقات؟

– نحن لا نهاب تباين الآراء ولا اختلاف الأفكار، أقمنا مناظرة علنية مفتوحة طرحنا فيها الأفكار المختلفة التي نوقشت داخل الحزب ولم نخفها قسراً داخل الغرف المغلقة. قرار المجلس المركزي لم يأت مع موقف فلان أو علان مما طرح في المناظرة بل استصحب كافة دفوعاتهم المنطقية وأسقط ما لم يقنع عضوية المجلس ليخرج بخطة متكاملة لا تصطرع الآن عليها تيارات بل يعمل الجميع لتنفيذها في توافق تام. الانشقاقات تأتي من كبت الاختلاف وإخراس الأصوات ووأد الديمقراطية الداخلية في التنظيم وهو ما لن نألو جهداً لأن نقدم فيه نموذجاً مختلفاً عن من سبقنا من تجارب فشلت في إدارة تبايناتها الداخلية.

*هل عادت حالة القطيعة بينكم وقوى الإجماع الوطني مرة أخرى؟

– لا قطيعة لنا مع أحد. اجتمعنا مع قوى الإجماع قبل أيام وبحثنا المشتركات وتطويرها. نحترم آراءهم جميعها، نتفق مع بعضها ونختلف مع البعض الآخر وسنعمل معهم على ما يجمعنا وهو كثير، ولن يتوقف حوارنا معهم حول تباينات الآراء هذه، فمحض هذا الحوار هو عمل منتج يصب في مجرى التغيير الذي ننشده.

*أنتم الآن بالنسبة للبعض (معارضة المعارضة)، كيف تتعاملون مع هذه الصورة؟

– يمكنك أن ترجع لأرشيف بياناتنا ومواقفنا وستجد أننا لم ننزلق البتة لصراعات مع قوى المعارضة الأخرى بل انصب مجهودنا بالكامل على العمل في الشارع لإنفاذ واجبات المقاومة والتغيير اليومية. في هذا السياق انصب مجهود بعض المحسوبين على قوى التغيير في رمينا بسهام الأكاذيب والشائعات ولكننا لم نعرهم اهتماماً ولن نضيع ثانية واحدة من وقتنا في معارك في غير معترك. نحترم كل من يحمل معنا هم التغيير وإن اختلفت آراؤنا ولسنا مصابين بأي نوع من (الطشاش) في من يجب أن نوجه إليه سهامنا.

* يرى البعض أن مجرد التلويح بصناديق الانتخابات هو خيانة لمشروع التغيير الذي ينشده المؤتمر السوداني؟

– “ده طبعاً كلام غريب” ولا ينهض على ساقين.. طرحنا في المؤتمر السوداني مناقشة مفتوحة حول الانتخابات طرحت فيها رؤى مختلفة حول كيفية تحويلها إلى معركة من معارك المقاومة ضد النظام. كافة هذه الأطروحات منازلة كانت أو مقاطعة هدفت لحشد الناس لتحقيق هدف إنجاز التغيير المنشود عبر خطوات معلومة واضحة. استقر رأي الحزب أخيراً على خطة سياسية شرحتها في هذا اللقاء وبينها بيان المجلس المركزي وهذه الخطة أهدافها ووسائلها واضحة ولا يستطيع كائن من كان أن يشير إلى موضع تصالح فيها مع هذا الواقع أو رغبة في استدامته بل على العكس هو برنامج عمل واضح يحدد موطن الخلل ويمضي نحو علاجه بشجاعة عبر عمل جماهيري مكانه الشارع وهمه أولويات الناس ومشاغلهم. أين هي الخيانة هنا؟؟؟ أقول لك بصدق.. من يرفعون شعارات التخوين البائسة هذه هم قوم مهزومون استكانوا إلى حالة العجز التي يعيشون فيها ويسوؤهم أن يفكر أحد في مخرج يكشف عجزهم وقلة حيلتهم. تخوينهم “بخيت وسعيد عليهم” أما نحن فسنمضي وفق ما يرضي قناعاتنا وقناعات شعبنا هذا ولن نحيد عنها أبداً لم ترهبنا في هذا المسير سجون أو زعيق فارغ لا قيمة له.

*أثناء يناير عادت المعارضة للتوقيع على ميثاق الخلاص الوطني وهو ما أشار لتجاوز صراعات (النداء والإجماع) لكن سرعان (ما عادت ريمة لخلافاتها القديمة).. أين يقف المؤتمر السوداني من المعادلة الآن؟

– هذه الخلافات هي خلافات عدمية بامتياز وهي تعبير عن أزمة عميقة خلطت الرؤية لدى طيف عريض من الفاعلين السياسيين وحادت بهم عن طريقهم الطويل نحو التغيير لينحرفوا نحو ما لا يفيد ولا ينتج جديداً غير الانقسامات. موقفنا في المؤتمر السوداني هو تصميم لا يفتر على السعي لإيجاد معادلة توحد جهود كل من له رغبة ومصلحة في تغيير الوضع القائم والانتقال إلى دولة السلام والحرية والعدالة، ليس الأمر سهلاً كما تلخصه هذه العبارات ولكنه ليس بعيداً عن متناول اليد، سنصل إليه ولو بعد حين، فبلادنا أحوج ما تكون لذلك.

*تقولون إنكم لن تعودوا من منتصف الطريق لكن لا يبدو أن المعارضة تمضي للأمام؟

-لن نبيع الوهم ونقول بأن كل شيء على ما يرام.. حالة الانسداد السياسي التي تمر بها البلاد تتحمل المعارضة قسطاً منها، وعلى الرغم من أن المعارضة ضحية لسنوات الرمادة التي ضربت البلاد منذ انقلاب الإسلاميين في العام 89 وأنه قد أصابها ما أصابها من خراب بفعل آلة الانقلابيين التي استهدفت تدمير كل شيء بالبلاد، إلا أن هذا لن يعفينا من تحمل مسؤولياتنا في مقاومة الأمر الواقع والسعي لتغييره. تحتاج المعارضة إلى مراجعة هيكلية لا لوسائل العمل فحسب بل لطرائق التفكير وقائمة أولويات القضايا.. تحتاج المعارضة لتحطيم البرج العاجي الذي ارتاحت نخب البلاد السياسية لدفء انعزاله عن الواقع والالتصاق بالناس وهمومهم اليومية والانتصار لها لا لأجندة فوقية لا تعني سوى القلة.. دون مراجعات جذرية ستظل السياسة السودانية مثل (ساقية جحا) غير منتجة ومصدر أزمة في ذاتها وليست حلا لأزمات البلاد.

حاوره – الزين عثمان
اليوم التالي.