الصادق الرزيقي

فوق الشبهات


أمس الأول تم استدعاء عدد من الصحافيين بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، للتحقيق معهم حول زيارة قاموا بها إلى المملكة العربية السعودية بناءً على دعوة من وزارة الإعلام هناك،

و صباح أمس أبلغت السلطات في مطار الخرطوم أربعة من الزملاء الصحفيين بأنه لا يمكنهم السفر للخارج، كانوا في طريقهم إلى مدينة جدة للمشاركة في منتدى صحفي بدعوة أيضاً من وزارة الإعلام السعودية، ولأول مرة في تاريخ البلاد يتم إجراء بهذا الحجم والعدد والنوع لصحفيين لا يمكن أن تسرب أبداً شك في إخلاصهم لوطنهم ونقاء سريرتهم وخلو صحائفهم من ما يشين .. بما أن المعلومة كانت متوفرة حول سفر الوفد الأول ومتاحة في شأن مغادرة الوفد الثاني ، إلا أن الإجراء الذي تعرض له إخوتنا وزملاؤنا مع عميق احترامنا وتقديرنا للأجهزة الأمنية كان مفاجئاً للأسرة الصحفية ومن ثم عُدّ عند البعض غريباً وغير مقبول ، لأنه يفتح الباب واسعاً للتأويل والتفسير والتشكيك في هؤلاء الزملاء الذين نشهد لهم جميعاً بمحامد جمة و أخلاق رفيعة وسلوك مهني قويم يسمو فوق أي تهمة أو شبهات، وكان يمكن معالجة هذا الأمر إنكانت توجد معلومات لا نعرفها بطريقة أخرى تقلل من حجم التحوير الكثيف والظلال التي تراءت بعد عملية الاستدعاء ومنع السفر.

> من حيث المبدأ العام لا يمكن هضم عملية انتهاك حرية الصحفي في التنقل والحركة، فالحقوق الدستورية والقانونية لا تمنع كائناً من كان دعك من صحفي يعمل في مجاله من السفر والعودة إلا إذا كان في تنقلاته وحركته وسفره وجولاته ما يمس الأمن القومي أو يهدد مصلحة البلاد العليا أو يستجلب في ترحاله خطراً ماحقاً لا يمكن درؤه، ويكون طبقاً لهذا ووقفاً لما تنطوي عليه الدساتير والقوانين ووثيقة الحقوق والعهود المرعية دولياً و محلياً ، لا يمكن اعتبار سفر الصحفي لأي مهمة صحفية مهما كانت، جريرة تستوجب محاسبته أو التشهير به وتخوينه .

> السياق الذي تمت فيه زيارة الوفد الصحفي الأول الذي ذهب وعاد، كانت تقديراتها حسب ما نعلم لدى الإخوة الصحفيين الذين زاروا السعودية واضحة في مظهرها ومخبرها، مؤداها الأول والأخير أن هناك علاقة وطيدة بين البلدين توجت بدماء سودانية ذكية روت تراب المملكة دفاعاً عنها، ويوجد جنود من القوات المسلحة السودانية يقاتلون دفاعاً عن أرض الحرمين، ووصل التنسيق السياسي بين البلدين وتطورت العلاقات الثنائية ووصلت إلى مرحلة فيها الكثير من التطابق والتعاون، ولم ير أي منهم أن هناك منقصة في زيارة المملكة والاقتراب من ما يجري في الحرب الدائرة في حدودها مع اليمن ومناقشة تطورات الحرب ومعرفة بواعث التذمر لدى الرأي العام السوداني من تباطؤ وإحجام الحكومة السعودية في نجدة السودان في أزمة الوقود الحالية كما سارع السودان لنجدتها بعد شنّ الحوثيين حربهم على أرض الحجاز .

> ربما كانت هذه هي تقديرات الزملاء الصحفيين ولهم الحق في ذلك، فلا غضاضة في الأمر في مقصده العام و لا شبهة فيه، قد تكون هناك أجزاء أخرى من الصورة غير مرئية بالكامل للمتابعين من بعيد، تعلمها الأجهزة الأمنية ولها فيها وحولها
> تبريرات ومعلومات و تكيفات، و ثمة ملاحظات قادت إلى ما تم من استدعاء للقادمين و منع للمغادرين، لكن لم تبلغ مبلغ الظن والاشتباه، وهي إجراءات كنا نتمنى ألا تكون إن كانت هناك فسحة للتنسيق والترتيب كما يحدق في بلدان كثيرة في محيطنا القريب، حيث يتم سفر الوفود الإعلامية بتنسيقات إما من الجانب الرسمي أو من نقابات واتحادات الصحفيين حتى تكون الأمور كلها واضحة و جلية لا تتعرض للتشويش .

> تكمن خطورة مهنة الصحافة في أنها مهنة تعني بجمع ونشر المعلومات والبيانات على المجتمع بغرض التداول وتوجيه الرأي العام، لذلك تكون تحركات الوفود الصحفية جالبة للاهتمام والاستفهام و محط الأنظار والترقب والتساؤل، ودائماً ما يُنظر للصحفي في كل مكان من العالم نظرة خاصة لما يمتلكه من رصيد وافر ومعلومات وقدرة على استكناه الأمور والغوص في أغوارها، فقدر الصحفي أنه مُعرّض باستمرار لمثل هذه المواقف ويكون بريئاً في أكثرها من الأباطيل، ونأمل أن لا تكون صحافتنا زلِقة في الوحول و أن لا تقع في الأفخاخ المنصوبة، فهي صحافة وطنية يقوم عليها صحافيون وطنيون ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة