الصادق الرزيقي

بين عاصمتين


في أقل من ثلاثة أسابيع، تزاحمت على طريق السلام وصناعته في دولة جنوب السودان، عدة قمم ولقاءات رئاسية في الإقليم، لتشكل رافعة حقيقية للاتفاق الشامل المزمع توقيعه في الخرطوم التي تحتضن مفاوضات الأطراف المتنازعة في دولة الجنوب بعد قمة الإيقاد الأخيرة التي فوضت الرئيس البشير والسودان للتصدي لهذه المهمة الشائكة، ومع أن التفاوض قطع شوطاً كبيراً واجتاز مهامه الخلافية وتم حسم مسائل معقدة مثل الترتيبات الأمنية، إلا أن ملف تقاسم السلطة وحل الخلافات بشأن الحكم ، كان في حاجة الى قمة أخرى تعقد في العاصمة اليوغندية كمبالا بين الرؤساء الثلاثة البشير وموسيفني وسلفا كير وزعيم المعارضة الجنوبية رياك مشار. فالقمة التي التأمت أمس بيوغندا، ستكون فاتحة لطريق ظل مغلقاً و متعسراً في مسائل قسمة السلطة. أما لماذا كمبالا..؟ فهناك عدة عوامل جعلت من هذه القمة ضرورة لازمة ..نجملها في الآتي :

} أولاً : بعد قمة الخرطوم التي جمعت نفس شركاء قمة كمبالا أمس، وبعيد انطلاق المفاوضات في الخرطوم، صدرت تصريحات نسبت لرئيس دولة الجنوب سلفا كير وبعض قادة الدولة تقطع الطريق تماماً أمام أية تكهنات بعودة د. رياك مشار الى موقعه السابق قبل خروجه الأخير متمرداً على جنوبا، فمنصب النائب الأول للرئيس ظل من نصيب مشار منذ قيام دولة الجنوب، وبعد الانشقاق وتفجر الأزمة ثم اتفاق أديس أبابا في 2016 عاد مشار الى ذات الموقع، ولما خرج مرة أخرى نهاية العام نفسه تم تعيين نائبه في الفصيل المتمرد تعبان دينق في مكانه، ويومها ظن سلفا كير أنه قد ضمن ولاء النوير وانتهى من أسطورة مشار، لكن ذلك لم يحل الأزمة الجنوبية ولَم يوقف الحرب .

} ثانياً: لا تستقيم الأمور أو يكتب لأي اتفاق سلام نجاح في دولة جنوب السودان دون التراض على قسمة السلطة وإبرام صيغة محاصصة تقبل بها كل الأطراف، ولن يقبل طرف مشار في غالب الظن اتفاق يجعل من رئيسه قابعاً في الرصيف وتحت الظل بعيداً عن كراسي الحكم والسلطة، فالصراع سياسي محتدم، وليس تنافساً قبلياً أو جهوياً بين الأطراف الجنوبية .

} ثالثاً: من الواضح أن كمبالا التي دعمت الرئيس سلفا كير ضد خصومه، ظلت متسمرة كما يقال على موقف داعم لفكرة عدم إعادة مشار الى موقع النائب الأول، لكنها- أي كمبالا- لا تريد في ظل التطورات الجارية أن تظهر وكأنها حجر عثرة أمام أية تسوية سياسية تحقق الاستقرار والسلام في الجنوب، وهذا الموقف والإشارات التي وصلت الى الخرطوم جعلت الأخيرة أكثر حرصاً على الترافق السريع مع كمبالا وتطوير موقفها الجديد لتكون داعمة بقوة للتسوية السياسية، خاصة في ملف تقاسم. السلطة وإبعاد أية كتل صخرية وأشواك من جادة الطريق وتسويته حتى تمر عربة السلام بأمان وتستقر الأوضاع.
> فالخرطوم تعرف إن كمبالا مهمة للغاية في هذه المرحلة ولابد من إشراكها بالكامل في هذا الملف واستثمار ثقلها وتأثيرها على بعض الأطراف الجنوبية لتحقيق المقصد والهدف الرئيس وهو ضمان اتفاق ناجح تكتب له الحياة .
> نتيجة لهذه العوامل، فإن قمة كمبالا ستفتح الطريق بتكاملها مع ما يجري في الخرطوم نحو إنهاء الحرب ووقفها في جنوب السودان، وتحقيق اتفاق سلام تاريخي يمثل فرصة أخيرة لإنقاذ هذا البلد الوليد من براثن الاقتتال..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة