تحقيقات وتقارير

وزير المالية طالب بعثته بمساعدة السودان .. النقد الدولي والخرطوم .. مسيرة تطبيع (شاقة)


لم تكُن مطالبة الفريق أول د. محمد عثمان سليمان الركابي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لصندوق النقد الدولي العمل مع المانحين على توفير الدعم المالي والفني للسودان للمساهمة في عملية الإصلاح الاقتصادي لتخفيف أعباء آثارها على شعب السوداني هي الأولى من نوعها لبعثات الصندوق الدولي التي ظلت تزور السودان بين الفينة وأخرها وهي مطالبات عديدة ظل يطالب بها المسؤولون السودانيون وفود الصندوق الدولي بغية إخراج الاقتصاد السوداني من عنق الزجاجة، فهل تأتي الاستجابة هذه المرة؟؟ ..

استدامة علاقات

أمس الإثنين اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارة للسودان امتدت من 8-16 يوليو 2018م. وقال الوزير الركابي إن زيارة بعثة صندوق النقد الدولي تأتي في إطار المشاورات المستمرة بين السودان وصندوق النقد الدولي، داعياً صندوق النقد الدولي مساعدة السودان في فتح علاقاته المصرفية مع البنوك العالمية بعد رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عليه، والتقت بعثة صندوق الدولي بوزارات المالية والنفط والغاز وبنك السودان المركزي والجمارك والضرائب. وكان صندوق النقد الدولي، قد أقر بوضوح رؤية السودان لتطوير اقتصاده واستعداده للتعاون مع المجتمع الدولي توطئة لتطبيع علاقاته الاقتصادية مع مجمل الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة. وأكدت الخرطوم أنها تسعى بجدية لتطبيع علاقاتها الخارجية واستدامة علاقات اقتصادية مستقرة مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية باعتبار أن للصندوق دوراً في دعم جهود السودان لتطبيع علاقاته مع المؤسسات وتقديم المساعدات المطلوبة لمعالجة ديونه الخارجية واستقطاب دعم المجتمع الدولي لتحقيق ذلك. ويسعى السودان إلى دمج اقتصاده في الاقتصاد العالمي وبناء علاقات مصرفية خارجية مستقرة عبر جهود تطوير الأداء وتحسين مؤشراته اتساقاً مع أهداف البرنامج الخماسي الذي اختطته الحكومة في زيادة الإنتاج بغرض تطوير وتنويع الصادرات مع إحلال الواردات بالتركيز على السلع الإستراتيجية وخفض السلع غير الضرورية.

جهود مبذولة

ويقر محللون اقتصاديون بوجود جهود مبذولة لتطوير الإيرادات وضبط وترشيد الإنفاق الحكومي عبر حوسبة الأنظمة المالية وتطبيق نظام الخزانة الواحدة وتخطيط الموارد الحكومية وحوسبة المرتبات وشؤون العاملين والتحصيل بأورنيك مالي وسداد إلكتروني وزيادة الإنفاق في مجال الدعم الاجتماعي وتوسيع مظلة التغطية للشرائح المستهدفة بالدعم المباشر وغير المباشر بما يشمل الدعم الصحي والخدمات في قطاعات المياه والتعليم، بجانب استمرار الإنفاق على التنمية واهتمام الحكومة بتقوية قدرات القطاع الخاص وإنشاء آلية تنسيقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص لمتابعة إنفاذ وتقييم وتقويم مشروعات التنمية.

وكانت وزارة المالية قد دعت المستثمرين من خارج البلاد لاغتنام الفرص المتاحة والاستفادة من الإمكانيات الواعدة بالبلاد وبناء شراكات إستراتيجية مع القطاع الخاص الوطني تعود بالنفع على الجانبين.

إصلاحات اقتصادية

عز الدين إبراهيم وزير الدولة الأسبق بالمالية يرى في حديثه للصيحة أن صندوق النقد الدولي معني بإصلاحات اقتصادية في الدول، وهو لا يأتي إليك طواعية، بل تطلب منه الدولة المعينة روشتة للإصلاح، وهذه الروشتة لا تقدم مجاناً بل لها قيمة وضمانة، وحينما تنصلح الأمور ترد له الضمانة. وأكد أن الصندوق يتميز بأفضل الاقتصاديين العالميين إلا أنهم ينقصهم رأي الاستشاريين السياسيين، فالأمر يتطلب بيئة سياسية واجتماعية تسمح بتطبيق وصفات الصندوق، لأن هنالك فئات يمكن أن تتضرر جراء تلك السياسات. فلابد من دراسة البيئة السياسية لتتناغم مع الوصفات الإصلاحية. وأكد نجاح وصفات الصندوق في بعض دول شرق أسيا، وأضاف أن علاقة السودان بصندوق النقد الدولي بدأت منذ الثمانينات ولكنها فنية أكثر منها مالية، وأكد أنه وفي منتصف السبعينيات قدم الصندوق للسودان وصفة بتوحيد سعر الصرف، ولكن السودان رفض ذلك، وأصر على المضي في تنفيذ سياساته.

تورط السودان

بيد أن المحلل الاقتصادي بروفسور عصام الدين عبد الوهاب بوب يرى أن صندوق النقد والبنك الدوليين هما مؤسسات رأسمالية تديرها دول عظمى تسعى لتحقيق الربح تورطت دول كثيرة معها ومن ضمنها السودان .فالدول التي خضعت لسياسات المؤسستين فشلت والتي نجحت اقتصادياً هي التي لم تطبق تلك السياسات. والمؤسستان هما بنوك وأساس نجاح البنوك هي الربحية وتسعى إلى إخضاع هذه الدول لأجل الهيمنة الاقتصادية لتحقيق أهداف بعيدة، وأعتقد أنهم نجحوا في السودان. وقال بوب للصيحة إن السودان لا يزال في وضع حرج ومنخفض الدخل يواجه قيوداً محلية ودولية شديدة واختلالات اقتصادية كبيرة، وأوضح أن كل ذلك يأتي بعد صدمة انفصال دولة جنوب السودان منذ سنوات وما ترتب على ذلك من خسارة الخرطوم ثلاثة أرباع صادراتها النفطية نتيجة هذا الانفصال، مؤكدًا أن السودان تنطبق عليه شروط الحصول على تخفيف أعباء الديون بمقتضى المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، وعدَّ الصندوق السودان بلداً هشاً بعد أن احتل المرتبة رقم 159 من أصل 189 بلداً من حيث سهولة الحصول على الخدمات.

عبء ثقيل

وقال إن ديون السودان الخارجية الكبيرة والمتأخرات يعوقان إمكانية حصولها على التمويل الخارجي، ويشكلان عبئاً ثقيلًا على آفاق التنمية. ولفت التقرير إلى أن السودان يحتل مرتبة منخفضة في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال والحوكمة الرشيدة، حيث جاء السودان في المرتبة 159 من أصل 189 بلداً من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في مسح سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2016، وأضاف أن السودان يعاني من ضعف البنية التحتية وإنتاج الطاقة، كما أن مستوى الحصول على الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي دون المستوى، والسودان متأخر عن البلدان المقارنة في المنطقة والدول الهشة الأخرى، من حيث مدى سهولة الحصول على الكهرباء، كما أن إمكانية الوصول إلى مصادر المياه المحسنة لم تشهد زيادة كبيرة خلال السنوات العشرين الماضية.

وأضاف التقرير إلى جانب ضعف السياسات والصراعات الداخلية والعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة لم تتحقق بعد الثمار المرجوة من الجهود المحلية والدولية لإنهاء الصراعات الداخلية ولا تزال الحالة الإنسانية صعبة. وأشار التقرير إلى أنه رغم الدفعة التي حققها النمو بفضل جودة المحاصيل حتى بلغ قرابة 5% في العام 2015م، فقد اتسعت الاختلالات الخارجية بسبب انخفاض أسعار صادرات السلع الأولية والسياسات التوسعية وعدم كفاية تعديل سعر الصرف.

الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة