رأي ومقالات

لو أعلن أحد قياديي الحزب الحاكم نيته الترشح لسعد البشير نفسه بوجود من ينافسه


الصامتون!
كان بمقدور المُتابع “العادي” وليس “اللصيق والمقرب” التنبؤ بالمشهد المكرر، الذي حدث في اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني قبل يومين.

إجماع قيادة الحزب على ترشيح الرئيس عمر البشير للرئاسة في انتخابات (2020) كان متوقعاً لأسباب عديدة، من ضمنها، عدم وجود شخصية قيادية تتمتع بإجماعٍ يؤهلها للحصول على صفة “مرشح رئاسي” داخل المؤتمر الوطني حالياً.

كانت هناك همهمات وأصوات خافتة تطالب باحترام دستور الحزب وعدم تعديله، وإفساح المجال لتقديم وجه جديد في قمة هرم السلطة خلال المرحلة المقبلة، لكن تلك المطالبات الخجولة ظلت حبيسة الغرف المغلقة، لأن أصحابها لم يتمتعوا بالشجاعة الكافية لإعلان مواقفهم، عدا القيادي أمين حسن عمر، الذي تحدث بجرأة مطالباً بالتغيير، وكتب وتحدث وعبّر عن رأيه بلا مواربة.

من كانت لديهم طموحات شخصية، وحاولوا قيادة حملة التغيير، لم يقووا على المواجهة، لأنهم يرتدون الأقنعة في الاجتماعات المفتوحة، وينزعونها خلف الأبواب المغلقة.

من الطبيعي بل ومن المطلوب أن تتباين الآراء وترتفع الأصوات ويحدث حراك داخل الأحزاب الكبيرة، لتأكيد فاعليتها وترسيخ ديمقراطيتها، لكن ذلك لم يحدث في المؤتمر الوطني (نسخة 2020).

أمين حسن عمر، كان مع إحداث التغيير في خارطة الحزب ككل في انتخابات 2015 الماضية، وأعلن عن آراء جريئة اعتبرها كثيرون خصماً عليه، وتوقعوا أن تتسبب في إقصائه من أي منصب، لكنه ظل فاعلاً في الحزب، وممثلاً لرئاسة الجمهورية في ملف سلام دارفور، ومرجعاً حول بعض القضايا المهمة، وموقف الرئيس منه دل  على أن البشير لم يأخذ آراء أمين على محمل شخصي.

في شورى الخميس، كانت الوجوه حاضرة، والأبصار شاخصة، والألسن “مبتلعة”، حيث لم يجرؤ أحد ممن كانوا يتحدثون داخل الغرف المظلمة على ترديد رأي مخالف، ولم يجد أي من الممانعين الجرأة الكافية لترشيح أي قيادي آخر للانتخابات المقبلة.

لو أعلن أحد قياديي الحزب الحاكم نيته الترشح، ولو قدم الحزب أي مشرح محتمل لمنافسة البشير (ولو مرحلياً)، في الانتخابات المقبلة، لأحدث حراكاً مهماً داخل هياكل الحزب، ولضخ دماءً ساخنة في شرايين الجسد السياسي المنهك، ولسعد البشير نفسه بوجود من ينافسه، حتى لو كان موقناً أنه سيهزمه بلا عناء.

 “القيادة” لا تأتي فجأة، بلا تهيئة، وقد آثر الحزب الحاكم أن يبقى تقليدياً وجامداً كعادته، رتيباً ومملاً في حراكه، غير قادر على إحداث التجديد حتى في أسلوب إعلان مرشح الحزب للرئاسة.

هذا التكلس الرتيب سيشكل خطورة كبيرة على مسيرة الحزب الحاكم مستقبلاً، لا لأنه أبقى على ذات القيادة، إنما لأن من رفضوا مبدأ تغيير لوائح الحزب، لم يجدوا في أنفسهم ما يكفي من شجاعة لإعلان مواقفهم، والتعبير عن آرائهم ولو بلغة لطيفة، يوصلون بها فكرة تبدو مستحيلة التطبيق..!

لينا يعقوب