حوارات ولقاءات

بروفيسور علي بلدو ل (كوش نيوز): ما يقارب الـ(20) مليون سوداني مصابين بالإكتئاب


يرى البروفيسور علي بلدو أخصائي الطب النفسي المعروف ضرورة إحداث ربكة فكرية تعمل جنبا إلى جنب مع فلسفة التصريحات (المشاترة) التي عرف بها مؤخرا للخروج بالمجتمع من الواقع المذري الذي يعيشه حسب قوله ويزيد أن خرافة تؤكد أن البنقو هو النوع الأكثر إشكالية من أنواع المخدرات وتتجاهل الأنواع الأخرى وعلّق بأن الكميات المتواجدة منه في السودان حاليا تكفي لأن يظل الشعب السوداني (مسطول) حتى قيام الساعة لكنه أكد أن المخدرات التي تأتي بها الحاويات بكميات ضخمة أولى بالمحاربة للأخطار الكبيرة التي تتسبب فيها وبين هذا وذاك فتح البروفيسور بلدو نيرانا على المجتمع السوداني من واقع خبراته العملية ومن واقع الحالات التي يعاينها كحبير نفسي…

حوار: حنان كشة

هلا أطلعتنا على صورة إجتماعية للبروفيسور علي بلدو؟
أنا من مواليد حي ود نوباوي، إبن وحيد في الأسرة متزوج من السيدة أمل ناصر وهي طبيبة أيضا وأب لإبنين وبنت وأقيم حاليا في مدينة أمدرمان.

ما هي المؤهلات العلمية التي تحملها؟
حاصل على عدد من الشهادات منها بكالوريوس الطب والجراحة، بكالوريوس الإقتصاد والعلوم السياسية، ليسانس القانون، بكالوريوس القانون، المعادلة في القانون، بكالوريوس الآداب، الدبلوم العالي في اللغات، الدبلوم العالي في العلوم العصبية وعلاج الإدمان، الدكتوراه في القانون الجنائي، الدكتوراه الإكلينيكية في الطب النفسي والعصبي.

لماذا فضلت العمل في الطب النفسي دونا عن التخصصات الأخرى؟
لأن الطب النفسي هو البوتقة التي تنصهر فيها كافة التخصصات التي درستها وأنا على قناعة بأن أي أمر في الدنيا (نفسيات).

ما هو سبب التصريحات (المشاترة) التي تصدر عن بروفيسور بلدو؟
السبب يعود لنشأتنا في المجتمع السوداني الملئ بالمحاذير والخطوط الحمراء ومن كثرتها صار الواقع شبه أحمر كما أن المجتمع عانى كثيرا من (الدغمسة) و(الجغمسة) وإخفاء الحقائق وتعميش الواقع بتاريخ مزور مشكوك في كثير من تفاصيله كما أننا أدمنا الصمت إلى حد كبير مما قادنا للعيش في عصر من التابوهات والكهنوت الفني والسياسي وحتى الرياضة لم تسلم من ذلك.

إذن كيف تكون الحلول جملة المشكلات التي ذكرتها؟
نحتاج لعمل نوع من الصدمة حتى يفيق شعبنا من الغيبوبة التي ظل يعيش فيها منذ سنوات حتى ينهض ويواصل إسترداد ما نهب عنه.

هل حققت صدماتك نتائج إيجابية حتى الآن؟
إلى حد ما وحاليا أصبح هناك نوع من أنواع الحوار ليس مثل الحوار المزعوم الذي عشناه زمنا وهو حوار حقيقي بالحديث عن المسكوت عنه كالرومانسية والعوارة والمثلية الجنسية والإلحاد والردة وغيرها من المحتذير المختلفة أيضا نحتاج لإحداث نوع من الربكة الفكرية والعصف الذهني للكثيرين حتى يفكروا في مسلمات كثيرة تم الإيمان بها قضاء وقدرا ودون تمحيص ودون إحصائيات دقيقة.

هل صحيح أننا شعب متصالح؟
يسود إعتقاد كبيير عن أننا أهل مغفرة وعفو وأننا متصالحين مع أنفسنا لكن ذلك في السابق واليوم تغير بسبب الجرائم المستحدثة والحروب القبلية والإنتقام والإغتصاب والحرق وما شابه وذلك كله يعبر عن تغير خطير في الشخصية السودانية التي أصبحت أكثر عنفا وتعصبا وتطرفا عن ما كانت عليه في السابق.

ما هي الأمراض النفسية الأكثر تردد عليكم في العيادة؟
الحالات المرضية للفئة العمرية التي تنحصر ما بين الثامنة عشر والخامسة والأربعين وهي فترة الشباب ومع الأسف أصبح شباب السودان يعاني من النفسيات ويكفي فقط أن نشير إلى أن ما يقارب نسبة 65% ممن يرتادون العيادات والمراكز الحكومية والمستشفيات لأسباب مختلفة يعانون من أمراض نفسية وعصبية أو لديهم أعراض مما يؤدي إلى إهدار كثير من الموارد في الفحص ونحوه وإذا قارنا معدلات الإكتئاب العالمية بالمعدلات الوطنية نجد أن الأخير يعادل أربعة أضعاف الأول وهو يصيب النساء أكثر من الرجال.

هل تستند على إحصائية دقيقة؟
نعم في آخر إحصائية للعام 2016م وجدنا أنه في مقابل كل رجل مصاب بالإكتئاب أربعة نساء (مدبرسات) وهذه نسبة عالية وعلى سبيل المثال فإن معدلات الإنتحار ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 15سبتمبر 2015م فإنه وضح بجلاء أن السودان دولة ذات خطورة من حيث إقدام ساكنيها على الإنتحار وقتل النفس حيث أنه يأتي في المرتبة الأولى أفريقيا ولكن نسبة للمحاذير والوصمة الإجتماعية يتم تصوير الوفاة على أنه طبيعية أو أنها وقعت بسبب خطأ طبي أو التكتم عليها خوفا من الوصمة أو الشعور بالذنب.

في رأيك لماذا ترتفع نسبة الإقدام على الإنتحار وسط النساء في بلادنا؟
نساء السودان عشن سنوات طويلة من القهر والكبت والظلم إمتد على مدار عصور طويلة مما أدى لشعورها بــ(المغسة) والدونية من قوانين مقيدة للحريات وأخرى تعكس بجلاء فكرة الحرملك والشرف والخيانة وما شابه والنتيجة عدم إحساسها بالراحة النفسية فصارت تلجأ لوسائل كثيرة للتعبير عن فضبها النفسي بالتجميل والمكياج وحبوب السمنة والإكت\اب والإنتحار أحيانا.
إذن المجتمع هو السبب الرئيسي فيما تأتي به المرأة إذ أنه يمارس أقسى أنواع التمييز السالب ضد المرأة ويتعامل معها تعامل سئ للغاية مما أدى لمعاناتها والسبب بلا شك الرجل السوداني الذي قهرها طيلة السنوات الماضية.

في رأيك كيف يمكن أن ينهض المجتمع السوداني؟
ذلك لا يتأتى ما لم يكن لديه جناحين رجل وأنثى ومهما حاولنا النهوض بجناح واحد ستفشل المحاولات.

هل لحواء الكبرى مثلا العمة و(الحبوبة) وغيرهما دور في سيطرة آدم السوداني على حواء الصغرى؟
حاليا وفي ظل العولمة والعم (قوقل) والإنترنت أصبحت الأسرة الممتدة تعاني من إشكاليات كبيرة وصار هناك خلل في التربية لعدم وجود منهج تربية نفسية وعدم وجود صحة نفسية في أي مرفق مدرسي أو تعليمي في البلاد مما يؤدي لحدوث إضطراب في التربية والتعليم فينشأ أبناؤنا بتربية القضاء والقدر التي تم ترسيخها منذ زمن طويل ودون شك فإن وجود (الحبوبات) يساعد لكنه في مرات كثيرة يكون هادم للتربية السليمة لوجود أكثر من موجه وقد يؤدي ذلك لإختلال في تركيبة الطفل النفسية والذهنية.

هل (الفلس) هو السبب المباشر في إرتفاع نسبة الإنتحار بين الجنسين بالبلاد؟
(الفلس) أحد العوامل الأساسية لكن هناك عوامل أخرى أبرزها الضائقة المعيشية والشعور بعدم الراحة والكآبة النفسية وإدمان المخدرات وتدهور الحالة النفسية فنحن الآن نعيش أسوأ عصر لتردي الحالة النفسية وما نعيشه الآن هو عصر الجنون السوداني.
كم يصل عدد المرضى النفسيين بالبلاد؟
نسبة لوصول كثيرين منهم بأعراض جسدية كالمصران العصبي أو الشقيقة أو أعراض غريبة كضيق التنفس أو فقدان الوعي أو ما شابه أي أنهم يلجأون لجهات غير طبية نفسية فإن ذلك يشكل خللا في وجود إحصائيات دقيقة والسبب الآخر وجود الدجالين والمشعوذين والكجور والفقراء والزار الذين تتردد عليهم نسبة تقارب الــ(98%) من مجمل عدد المرضى النفسيين في السودان لكن على سبيل المثال يصيب مرض الإكتئاب ما يقارب الــ(20) مليون سوداني فيما يصب الفصام (2%) من مجمل عدد السكان وهو ما يعادل الـ (750) شخص من كل ألف وهذه النسب عالية.

كيف يكون المخرج من المشكلات التي أوردتها؟
نحن نحتاج بشدة لإنشاء الكثير من مرافق العلاج النفسي من مستشفيات وعيادات خارجية ومراكز علاج إدمان ودعم نفسي وإجتماعي بإعتبار أن الصحة النفسية هي الركيزة الأهم لتحقيق التنمية ولابد من العمل على إستبقاء الكوادر العاملة في المجال بدلا من سياسات (التطفيش) والفصل التعسفي بجانب تقديم إغراءات وتسهيلات لجذب العاملين بالخارج.

حنان كشة
الخرطوم (كوش نيوز)