ضياء الدين بلال

من يفهم الدرس؟!


[JUSTIFY]
من يفهم الدرس؟!

-1-

الدرس بسيط ومباشر، بإمكان شخص واحد يملك رؤية وإرادة، أن يحقق ما لم تحققه الحكومات والمنظمات.
المشاريع الناجحة ليست في حاجة إلى أموال طائلة، واجتماعات مطولة تحت أضواء الكاميرات، والأيادي والأفواه مشغولة بأكل البلح ومضغ الفول المدمس!.
دارفور ليست في حاجة إلى حركات مسلحة، تقدم حياة المواطنين وصحتهم، قرباناً للمناصب والمهاجر الناعمة!.
-2-

دارفور ليست في حاجة إلى زعماء مليشيات، يفعلون كل شيء بثمن ومقابل: القتل والحرق والنهب؛ ولا لسماسرة سياسة يلبسون لكل ظرف لبوسه، يتاجرون بالذمم ويساومون في المواقف!.
-3-
لقمان أحمد، من أبرز الكوادر الإعلامية السودانية في الفضائيات العالمية.

هو مدير مكتب (البي بي سي) اللندنية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وأحد مفاخرنا الإعلامية في الخارج.
لسمرته بهاء ونضرة آسرة على الشاشة اللندنية البيضاء، ولصوته رخامة وعذوبة وقدرة بارعة على تنغيم الكلمات، وتمييز أماكن الوصل والوقوف.
للقمان على الشاشة البلورية سطوة وحضور، وله في قلوب المشاهدين ود واحترام.
-4-

للرجل قصة ممتعة ومثيرة، وجديرة بالاطلاع، تلخص مشوار كفاحه ومثابرته في الوصول إلى هذا المقام العالمي الرفيع.

لقمان ينتمي لقرية صغيرة، تجلس بهدوء أسفل جبل مرة، تسمى (الملم)، تلك القرية التي ذكرت بلطف في أغنية (جبل مرة)، التي تغنّى بها الرائع خليل إسماعيل:

بي طريقنا لي غرب الجبل

فرحين نسينا الساعة كم

شاهدنا اريل في الملم

يسبي القلوب يمحي الألم

حيانا خلسة وابتسم

نسانا روحنا وألف هم.
-5-
ولد لقمان ودرس بالملم، ومن مدرستها الابتدائية ومع (مريم الشجاعة)، استهل مشواره الصحافي عبر صحيفة حائطية انتقلت معه إلى الجامعة، أطلق عليها اسم بساط الريح.
على بساط الريح انتقلت تجربة لقمان الإعلامية إلى المرحلة الوسطى والثانوية بنيالا، ومن ثم إلى الجامعة الإسلامية بأم درمان كلية الإعلام.

على بساط الريح انتقل لقمان إلى العمل في الإذاعة والتلفزيون السوداني، فنجح وأبدع وتفوق.

على بساط الريح عبر لقمان أحمد ابن قرية الملم الحدود السودانية إلى مهاجر الاغتراب.
حفر لقمان بأظافره على الصخر، ودق عليه بقوة حتى أخرج الصخر له زرعاً وخضرةً، وحفظت الميديا العالمية للقمان السوداني اسماً وذكرى.
-6-
لسنوات طوال، غاب لقمان عن الملم، وحينما عاد وجد نار الحرب التي اشتعلت في دارفور، قضت على كل مظاهر الحياة، وعلى اليابس قبل الأخضر.
نزح أغلب سكان القرية إلى معسكرات النزوح في المدن، احترق السوق وهدمت المدارس وتداعت إلى الأرض مباني المركز الصحي، وفعل الزمان بمسجد القرية ما فعل.
-7-

الفكرة بسيطة: مشروع أهلي من سكان القرية بمختلف قبائلهم، يضع خطة عمل لاستقطاب الدعم الداخلي والخارجي، ويستنهض حماس الشباب للبناء والعمران.

مشروع لا يحتقر من المعروف شيئاً، ويهتم بالأشياء الصغيرة قبل الكبيرة.

لقمان استطاع ترويج مشروع بناء وعمران القرية وإعادة النازحين لدى جهات عدة أجنبية ووطنية.
الصور التي عرضت بمركز (طيبة برس)، عن تجربة لقمان وأهل الملم؛ توضح التغيير الكبير في القرية، بين الأمس واليوم، والانتقال من الخراب إلى العمران.
لقمان المقيم بواشنطن في حياة رغدة هانئة، عاد إلى قريته ليعيد لها الحياة بعد سكون وموات.
-8-

عاد لقمان ببساط الريح ليعيد أهله البسطاء من معسكرات النزوح إلى حضن قريتهم الملم.
ليس من النبل والكرامة أن ينجو لقمان على بساط الريح محتمياً بنعيم واشنطن، ويترك أهله في الهجير والرمضاء، تلفح وجوههم رياح السموم، ومستقبلهم تحت رحمة أمراء الحرب وسماسرة السياسة، أمثال (أركو مناوي وموسى هلال).
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني