تحقيقات وتقارير

غرايشن على الخط :تعقيدات المشهد الانتخابي…وسيناريو التأجيل


الترتيبات التي تجريها المفوضية القومية للانتخابات لتهيئة المسرح السياسي للانتخابات المقبلة التي ستجري في ابريل القادم، يبدو أن تلك الخطوات ستختصر في شق واحد من العملية الانتخابية القادمة، في قيام الانتخابات التنفيذية فقط «رئاسة الجمهورية، ورئاسة حكومة الجنوب، والولاة» دون ان تشمل الاجهزة التنفيذية الاخرى، بعد ان كان التخطيط يمضي بإتجاه قيام انتخابات شاملة «تشريعية وتنفيذية» بحسب ما نص الدستور واتفاقية السلام الشامل.
ومنذ أن أعلنت مفوضية الانتخابات جدولها الأول قبل ان تعدله لاحقاً والذي قطعت فيه موعد اجراء الانتخابات، لم ينتهِ الجدل حول قيام الانتخابات في الموعد المضروب لها، لما يكتنف الساحة السياسية من تعقيدات داخلية وخارجية ترمي بسهامها في زيادة التعقيد احياناً وتسهيل مخرجات الساحة السياسية أحيانا أخرى، فمع بداية عمليات التسجيل للانتخابات التي تنطلق غداً إيذاناً بدخول البلاد في المراحل الحاسمة والحساسة في العملية الانتخابية، يتزامن ذلك مع تزايد الاحتقان في المشهد السياسي بين القوى السياسية المختلفة، في وقت تمر فيه علاقة الشريكين «الوطني والشعبية» بأسوأ مراحلهما خلافاً وتشاكساً. ووسط هذا العراك السياسي بدأت كثير من الاصوات تنادي بضرورة تاجيل الانتخابات لأن المناخ الحالي ليس مواتٍ للانتخابات لما يكتنفه من تعقيدات وخلافات ربما تعصف بالمشهد الانتخابي، فيما يذهب آخرون الى ضرورة الفصل بين الانتخابات التنفيذية والتشريعية في ابريل المقبل للتعقيدات التي تصاحب الانتخابات وصعوبة إجرائها بهذه الطريقة المعلنة داعين الى اجراء الانتخابات التنفيذية في الموعد المضروب وتأجيل الانتخابات التشريعية الى ما بعد الاستفتاء، ووسط هذا الجدل الذي يكتنف الساحة السياسية كشف وزير رئاسة حكومة الجنوب لوكا بيونق، ان المبعوث الأمريكي اسكود غرايشن الذي سيصل البلاد مطلع الاسبوع الحالي سيحمل في جعبته ثلاثة مقترحات لتجاوز عقبة التعداد السكاني لمناقشتها مع شريكي نيفاشا تتمثل في أن تقتصر الانتخابات القادمة على مستوى الجهاز التنفيذي «رئاسة الجمهورية، و رئاسة حكومة الجنوب، وولاة الولايات» مع ارجاء انتخابات المجالس التشريعية لما بعد الاستفتاء، مع استثناء منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان لعلاقة «المشورة الشعبية» الواردة في اتفاقية السلام بالمجالس التشريعية المنتخبة، وذلك لتجاوز الخلافات حول نتائج التعداد السكاني، وينادي المقترح الاخير بتعديل قانون الانتخابات لرفع عدد مقاعد المجلس الوطني من «450» الى «510» علي ان تذهب «57» من المقاعد الاضافية لزيادة مقاعد الجنوب ومقعدين لجنوب كردفان ومقعد لأبيي مع التأمين على تمثيل الجنوب بنحو 30% في الجهاز التنفيذي.
مراقبون أشاروا الي ان المقترح الأمريكي يبدو أنه يسعي للحفاظ علي شكل الشراكة القائمة وتمديد عمرها لحين إنجلاء الموقف بشكل أوضح العام «2011» موعد الاستفتاء، وأن الادارة الامريكية ربما تتخوف من أن تؤدي الانتخابات الي بروز تيارات جديدة في المسرح خلافاً لشريكي نيفاشا تعقد من الوضع القائم، او ان تفرز الانتخابات القادمة أوضاعاً ربما تهدد عملية الاستقرار في البلاد وتضع السلام في محك جديد، ولكن الدكتور حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات السودانية قال لـ»الصحافة» ان المقترح الأمريكي يعد اول قرار عاقل اتخذته السياسة الامريكية اتجاه السودان، لأن المرحلة المتبقية لا تمكن من اجراء انتخابات نزيهة، مرجحاً موافقة المؤتمر الوطني علي المقترح الامريكي، وقال ان المؤتمر الوطني يتحدث عن الانتخابات كـ»تهويش» حتى لا تتهمه القوي المعارضة بعدم إيفائه بالاستحقاق الدستوري، وحتى يبرر قراره بأنه كان يسعى للانتخابات ولكن الآخرين رفضوها، وقال حيدر ان المعارضة تساعد المؤتمر الوطني في خطه الذي يقوده بحديثها عن «المقاطعة» التي وصفها بانها غير مجدية، وان الأجدى ان تطالب بالتأجيل وأن تملأ الفترة الانتقالية بحكومة قومية».
اذاً أوضاع داخلية معقدة تكتنف الساحة السياسية تظللها خلافات الشريكين في البرلمان والمسرح السياسي، مع انطلاقة عمليات التسجيل للانتخابات التي تعلو اصوات بتأجيلها كلية وأخرى تدعو لتأجيل الانتخابات التشريعية وإجراء التنفيذية، والمجتمع الدولي يراقب الموقف ما بين الالتزام بالاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات في موعدها، والنظر لمترتباتها التي قد تخلق اوضاعاً معقدة أكثر من ان تساهم في حلها. فأي وجهات النظر بتقديراتها المختلفه سيكتب لها النجاح، المجتهدون في اجراء الانتخابات في موعدها كإستحقاق دستوري بمثل ما تسعى المفوضية القومية للانتخابات، أم ان الاوضاع السياسية سترجح كفة الداعين لتأجيل الانتخابات كلية او الفصل بينها في ابريل المقبل!. المؤتمر الوطني الشريك الأكبر في حكومة الوحدة الوطنية الذي يتحدث عن حرصه دائماً لقيام الانتخابات في موعدها، سبق وان إتهم أحزاب تجمع جوبا بأنها تسعي لتعطيل الانتخابات ووصفها بأنها غير حريصة علي قيامها وتنفذ أجندة خارجية لتعطيلها، وانها تنفذ سيناريو غربي معاد لتأجيل الانتخابات، وأتهم مجموعات داخل الحركة الشعبية بالسعي لرفض مسودة قانون الاستفتاء التي جرى التوافق عليها بين الشريكين، وقال القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور مندور المهدي، إن كثيراً من دول الغرب متوجسة من قيام الانتخابات وتعد سيناريو وفق أجندة معادية للسودان، واضاف ان القوي الغربية تدفع بعدم قيام الانتخابات، وقال ان التجمع السياسي الذي نشأ في جوبا نشأ بدعم من الغرب لتأجيل الانتخابات بدعاوي مختلفه منها الحديث عن تعديل القوانين بجانب زيارة سلفاكير لبعض الدول الافريقية وشدد كلها ماضية باتجاه سيناريو تاجيل الانتخابات.
المفوضية القومية للانتخابات التي تبدو مجتهدة وحريصة كذلك في تنفيذ عهدها الذي قطعه لها قانون الانتخابات، رغم ان خطواتها تسابق الزمن لإنجاز تكليفها إلا أن تعقيدات العملية الانتخابية المطروحة أمامها لم تتمكن حتى الآن من حسم خيارها في طريقة تنفيذها، وقد قال بروفيسور عبد الله أحمد عبد الله نائب رئيس مفوضية الانتخابات قال الاسبوع الماضي في ندوة الانتخابات «بمركز دراسات الشرق الاوسط» إن الانتخابات القادمة معقدة وتتطلب درجة عالية من التوعية، وان مفوضية الانتخابات مازالت تدرس كيفية تفادي تعقيدات اجراءات الانتخابات وكثرة الاصوات التي ينبغي ان يدلي بها الناخب في يوم واحد، وقال لم نقرر فيها بعد، واضاف «المشكلة التي تواجهنا كيف يكون التصويت هل نفرز بين الانتخابات التشريعية والتنفيذية أم ماذا سيحدث وقال دعونا الكثيرين ليفكروا معنا في هذا الأمر». يجدر ذكره ان الانتخابات القادمة ذات ستة مستويات، ثلاثة تنفيذية «انتخابات رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب، والوالي» وهناك ثلاث تشريعية «انتخاب المجلس الوطني القومي، وتشريعي الجنوب، وتشريعي الولايات» يدلي فيه الناخب في الشمال بـ«8» اصوات في التشريعي القومي والولائي يصوت لقائمة الاحزاب والمرأة كذلك، لأن البرلمان القومي «60%» من مقاعده جغرافية «270% مقعد، و«25%» من المقاعد تمثل قائمة النساء، وأن «15%» من اعضاء البرلمان لقائمة الأحزاب التي تمثل «68» مقعد، وان الناخب في الجنوب سيدلي بـ«12» صوتاً كاضافة لإنتخاب رئيس حكومة الجنوب ومجلس تشريعي الجنوب وقائمتيه للاحزاب والنساء.
فيما يشير مراقبون الي ان المناخ الحالي لا يشجع علي قيام الانتخابات لأنه يتسم بشئ من العنف الجسدي واللفظي في مشهده العام، بالاضافة الي الخلاف الحاد بين القوي السياسية خاصة بين شريكي الحكم «الوطني والشعبية». وقال السفير حسن عابدين ان الشروط السياسية غير مواتية وغير مشجعة لإجراء الانتخابات لذا ندعو لتأجيلها وأن تستمر مفوضية الانتخابات في عملها بجداول جديدة الي ما بعد الاستفتاء، وأضاف ان الاستفتاء ليس مشروطاً بالانتخابات وإنما وردا في صياغين مختلفين جمع بينهما التوقيت فقط، مشيراً الي ان الانتخابات إذا جرت في هذه الظروف ليس لها جدوي سياسية لأنه من واقع الشراكة السياسية لا نتوقع تغييراً جديداً من الانتخابات لأن تغيير المعادلات السياسية في هذا الواقع غير ممكن». ويحتوي المقترح الامريكي المتوقع مناقشته من الشريكين ينص على تعديل مادة في الدستور الانتقالي، لضمان عدم احداث اي تغيير في اتفاق نيفاشا الا بموافقة 80% من أعضاء البرلمان بدلا من 75% الواردة في الدستور، والاحتفاظ للجنوب بنسبة 30% من التمثيل في الجهاز التنفيذي كما جاء في اتفاق السلام.
خالد البلوله إزيرق :الصحافة