الصادق الرزيقي

قضــية للنقاش


[JUSTIFY]
قضــية للنقاش

> هذه القضية حساسة للغاية.. وينبغي مناقشتها بروية وعمق أكثر مما عليه في ظاهر الحال ونصوص القانون وأحكام القضاء، أول من أمس أدانت محكمة الخرطوم شمال برئاسة مولانا أسامة أحمد عبد الله، ملازم شرطة من أمن المجتمع تحت المادة «130» القتل العمد، في حادثة مقتل المجني عليها المغفور لها عوضية عجبنا في حادثة الديم بالخرطوم قبل أكثر من عامين، كما أدانت سبعة نظاميين آخرين في نفس القضية لعدم إسعافهم القتيلة عقب إصابتها بطلق ناري أطلقه المتهم الثامن الملازم شرطة من بندقية كلاشنكوف في تلك الأحداث مما أدى لإصابة عوضية في وجهها وفاضت روحها عندما تعذَّر إسعافها بواسطة المتهمين.
> ولا تعقيب بالطبع، ولا تعليق على حكم المحكمة الذي بنته على حيثيات محددة وواضحة، لكن منذ فترة بعد أن تعددت مثل هذه الحوادث التي يرتكبها نظاميون أثناء تدخلاتهم إما لفض تظاهرات أو مطاردة مرتكبي حوادث أو في أية ملابسات أخرى وصاروا تحت طائلة القانون، قلت إلى درجة ما عملية استخدام القوة في مواجهة حالات كثيرة، وهذا اتجاه جيد لو أدى ذلك في المقابل إلى استخدام وسائل أخرى تكبح الجناة أو تقلل من وقوع جريمة ما، أو تحقن دماء كثير من الناس، فاستخدام القوة هو آخر حل يلجأ إليه من يطبق وينفذ القانون، وله مجوزات معينة واشتراطات عديدة.
> وربما يعود السبب الرئيس في إحجام رجال الشرطة على الأقل ومنسوبي القوات النظامية الأخرى عن استخدام القوة، إلى نقطة جوهرية شديدة التعقيد، وهي أن القانون الجنائي ليس في صالحهم، ويجرم أي استخدام مسرف ومفرط للقوة، ويلجأون إلى تمرير الحالات والنأي بالنفس والامتناع عن موجبات الحسم والحزم وتجنب إطلاق النار حتى في الحالات التي يجوزها القانون!! ويكون في ذلك عند بعض الأحيان ضرر أكبر، وهذه معادلة صعبة تواجه رجال الشرطة وباتت ظاهرة لا تخطئها عين.. هل يقومون بكامل واجباتهم القانونية تجاه ما يعتبرونه جريرة يجب مواجهتها ويستخدمون القوة المسموح بها لاحتوائها ومواجهتها في إطارها المحدد المشروط، أم يؤثرون السلامة والابتعاد عن المزالق.. ويا دار ما دخلك شر؟!
> والشرطة السودانية بمعايير العمل الشرطي في العالم تظل الأقل عنفاً بين أضرابها وأترابها الدوليين، فالشرطة في كثير من البلدان المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان العالم الثالث، هي الأكثر فظاظة وعنفاً، ولا يمكن مقارنتها بشرطتنا المغلولة اليد، فإخضاع عمل الشرطة ومنسوبيها للقانون ولوازمه أمر حميد، لكنَّ لهذا الأمر الحميد آثاراً جانبية ليست في مصلحة الأمن والسلامة العامة، وهناك توازن مطلوب بين تطبيق القانون والالتزام الصارم به وعدم تجاوزه وبين اتخاذ القانون نفسه وتطبيقاته ذريعةً للتراخي والإفراط في المرونة وسوء التقدير.
> وبالرغم من أنه لا يوجد عاقل يقرُّ بإطلاق يد الشرطة لتفعل ما تريد، إلا أن المنطق السليم يقتضي ضرورة ابتداع وسائل أكثر ضبطاً تقلل اللجوء للعنف المفرط وفي ذات الوقت تقطع دابر الخروج على القانون.. فهل يستطيع المشرع في القانون الجنائي وقانون الشرطة وقانون الإجراءات الجنائية، معالجة هذه المنطقة الغبشاء الضبابية وما يترتب عليها من تعارضات وتأويلات وتوخي المنفعة العامة ودرء المفاسد وجلب المصالح؟
> مثل هذه الحوادث المؤسفة التي أدت لمقتل عوضية ــ رحمها الله ــ وحوادث أخرى سبقتها وتمت فيها أحكام قضائية بالإدانة، إذا لم تفهم في سياقها الطبيعي وظروفها وملابساتها، قد تدفع رجال الشرطة للوقوف على الرصيف عند دائرة محايدة وتلزمهم اجتناب أية بادرة أو تقدير موقف تكون نهايته استخدام سلاحهم حتى لو كان الحق معهم.. فهل نحتاج لضوابط وكوابح أكثر لرجال الشرطة ومنع استخدامهم القوة حتى لا يؤدي ذلك لما لا تحمد عقباه؟ أم نترك الأمور تسير كيفما اتفق ونترك كل شيء لتقديرات شخصية وظرفية ونسعى لعلاجها من بعد وقوعها على حساب من قام بواجبه وأخطأ؟!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة