محمد الطاهر العيسابي

مَنْ ( لأحمد عبدالكريم ) !!


من الآخر
مَنْ ( لأحمد عبدالكريم ) !!
بقلم : محمد الطاهر العيسابي
Motahir222@hotmail.com
( 1 )
إعترتني غُصة وأنا أشاهد أحد مربي وأساتذة بلادي الأفذاذ ، مسجى على فراش المرض لايقوى على شيء ، الأستاذ ( أحمد عبدالكريم ) المُربي والمسرحي رفيق مكي سنادة ، ومحمد خيري أحمد ، وعلى المك ، ومحمود سراج ( أبوقبورة ) وآخرين من الرعيل الأول من المسرحيين ، وأحد رواد التعليم المميزين ، الذين أثروا مناهج أبنائنا في العهد الذهبي لمعهد بخت الرضا فكان المدير العام للمركز القومي للمناهج ببخت الرضا ، وهو من رواد المسرح الذين زينوا أمسياتنا بالفن الأصيّل فكانت مسرحيات صلاح الدين الأيوبي وبامسيكا وخطوبة سهير وغيرها ، كما كانت مشاركاته الدراميّة ، دكين ، آخر قطار ، السيف والنهار ، وهج الشفق ، وفات الآوان ، بذل الجهد وسكب العرق و هو يطوف مدن وأرياف السودان معلماً وموجهاً ومربياً ، فعمل بالقرير الأهلية الوسطى ( بنين ) ، والقرير الوسطى ( بنات ) ، وبيت المال المتوسطة ( بنين ) ، ثم معهد امدرمان الثانوي ، وكوستي الثانوية ، والمؤتمر الثانوية بامدرمان ، وموسى الضو حجوج أمدرمان ، إدارة معاهد التأهيل التربوي ، تدريب المعلمين ، المركز القومي للمناهج ببخت الرضا ، ثم مديراً للبعثة التعليمية باليمن الشقيق .
( 2 )
الأستاذ أحمد عبدالكريم ، رجل تعتز بمعرفته ، قمة في الخلق وحسن المعاملة والأدب ، قمة في الأناقة بالزي السوداني والأفرنجي ، يبكي المصلون بصوته العذب وخشوعه وجمال ترتيله للقرآن الذي يحفظه عن ظهر قلب ، لم تشكل عليه قضيّة من قضايا زملائه المعلمين أيام رئاسته للبعثة التعليمية باليمن ، وإلا وكان قد ذللها وحلّها ، له قدرة فائقة على الإقناع رغم كثرة أعداد المعلمين السودانيين المعارين والمتعاقدين ، كان راتبه الأعلى ولكنه زاهداً فيه تنفق يمينه مالاتعلم شماله ، فعاد بعد سنوات من غربته بما يوصله مستوراً إلى وطنه ، وسكن بمنزل ( إيجار ) رغم ملكيته قطعة أرض في الحاج يوسف ، لم يستطع أن يضع فيها ( طوبة ) لضيق ذات اليد ، فأضطر لبيعها ليسكن الأطراف في آخر الثورات قرب جبال كرري ، وهو المعلم منذ الستينيات .
(3)

ظل بيته مفتوحاً للجميع في الخرطوم وفي اليمن السعيد ، يلقاك هاشاً باشاً حافياً بحرارة قلب وإبتسامة وجه ، حباه الله بزوجة بنت قبائل لاتمل ولاتئن تستقبل ضيوفها بحنان الأم و مودة الأخت ، حدثني زميله باليمن الأستاذ ( محمد الأمين مصطفى ) قائلاً : طلبت من أستاذي ( أحمد ) يوم مغادرته صنعاء ميمماً شطر الخرطوم أن يترك ( صفحتين مليئتين ) بأسماء مدينين له بمبلغ يبني عمارة في قلب الخرطوم ( آنذاك ) ، إلا أنه مزق الورقة قائلاً ( نلقى أجرها قدام ) ، قمة في الزهد والكرم والورع ومحبة الناس.
( 4 )

يرقد هذا المُربي الجليل ( عليّلاً ) الآن ، صابراً على المرض يقاوم الألم ، يئن في صمت ، في ركنٍ قصي في أطراف أمدرمان يناجي ربه ويداري أوجاعه ، بالكاد يحمل جسده المهدود الذي أنهكه المرض في عِفة وكبرياء ليستقبل زائره ، ويزيح عن وجهه تكشيرة الألم ليرسم إبتسامة الأمل ، مَن لهذا الذي رَبىَّ وعَلّم ، من لهذا الذي جمّل أمسياتنا وأثرى عقولنا بقوة منهج معهد بخت الرضا التي ودع غضّ صباه تحت ظلاله ، ودفن بيض سنيّه في محرابه ، فهل تبادر الدولة لعلاج هذا الرجل ، وهل ينبري والي الخرطوم لأحد حُفاظ القرآن و رسل العلم وصُناع المجد الذي أنهك جسده السقم ، وهو يقاوم ( وحيداً ) بصبر وإيمان ! والله المستعان .
إلى لقاء ..
صحيفة السوداني