تحقيقات وتقارير

خطأ مطبعي بين النقابات والنفايات


ورد في أحد الصحف اليومية ذائعة الصيت عنواناً شد انتباهي، وودت أن أبحر داخل الموضوع، والذي كان تحت عنوان تدشين مشروعات النظام التجريبي للنقابات ولكن من السطر الأول لم أجد علاقة لغوية أو فكرية بين ما كتب في الموضوع، وبين عنوانه والذي كان تحت شعار بيئة معافاة خالية من التلوث، كان تحليل الموضوع يدور حول (النفايات).. أما العنوان فكان عن (النقابات) وباختصار قفزت (نقطة) من حرف الياء إلى حرف الفاء، فصار ما صار، ولكن قد يكون هناك سؤال، والدولة قد طرحت موضوع الانتخابات النقابية على طاولة التنافس الحر- والذي غابت عنه الأحزاب ذائعة الصيت أيضاً- هل هناك علاقة بين (النقابات) و(النفايات).. قد تكون العلاقة هي (التدويل) على وزن (التدوير) من حالٍ إلي حال.

فالنقابة تعرف بأنها تنظيم مدني، إذ لا توجد نقابة عسكرية، وهى لا تتعدد، وتكون واحدة فقط لكل مهنة أو حرفة على مستوى القطر، ويمكن أن يكون لها فروع بالولايات، وهي تحافظ على حقوق الفئة التي تمثلها أمام أجهزة الدولة، ويتم إشهارها لدى أجهزة الدولة.

يتم الإشهار الرسمي والقانوني لنقابات السودان من خلال قانون النقابات الذي تصدره الدولة لتنظيم العمل النقابي، وتتيح فيه حرية الترشح والانتخاب، وإبداء الرأي من خلال المؤتمرات النقابية التي لا حجر فيها على أي عضو نقابي، يتمتع بالعضوية التي يوضحها القانون.. وكما قانون العمل يصدر ليقنن العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، فإن قانون النقابات العمالية يقنن العلاقة بين العمال والتشكيلات النقابية، فقد كان في عام 1971م عدد النقابات670 نقابة تقلصت في عام 1977 إلى 104 نقابة، وتكتلت في قانون النقابات الأخير لعام 2010 م إلى 16 نقابة عامة.

صدر أول قانون للنقابات عام 1948م، واستمر العمل به إلى عام 1958م، وكان اعتراض العمال عليه إن القانون قد منح الحاكم العام الانجليزي الحق في إن يعين الشخص الذي يراه مناسباًَ مسجلاًَ للنقابات، ويومها تقدم التجمع النقابي (هيئة شئون العمال) بأن يعين قاض درجة أولى من الهيئة القضائية لكي يكون مسجلاًَ للنقابات ضماناًَ للحيدة.

استمر العمل بقانون عام 1948م إلى حكومة عبود التي وافقت على إصدار قانون 1960 والذي شمل تكوين (الاتحاد المركزي)، الذي يضم اتحاد نقابات عمال القطاع العام واتحاد نقابات عمال القطاع الخاص، إضافة إلى اتحاد نقابات عمال الأعمال الحرة.. لأول مرة يتم إلغاء قانون 1948م في عهد النميرى بعد الانقلاب عليه وعودته للحكم، فالغى القانون وأصدر مكانه مرسوماً جمهورياً لتنظيم الحركة النقابية، وفيه ولأول مرة تتاح الفرصة للموظفين للمشاركة في الحركة النقابية.

يعتبر قانون نقابات العاملين لسنة 1977م هو المرتكز الأساسي للهيكلة النقابية وفيه استحدث تكوين الهيئات الفرعية ثم الهيئات النقابية حتى مستوى النقابة العامة للمهنة المعنية أو الخدمة المعينة أو القطاع، هذا القانون الذي صدر في دولة كانت تهدف إلى نشر ثقافة تحالف قوى الشعب العاملة، أعطى الحق في تكوين إتحاد للموظفين، وبالتالي أصبح هناك اتحاد للعمال، واتحاد للموظفين، واتحاد للمهنيين، واتحاد للفنيين، واتحاد للمعلمين.. وتعتبر هذه المرحلة والتي استمرت حتى عام 1985م من المراحل المهمة التي أحدثت تغييراً وتطوراً في التشريع النقابي، جعلت من المٌشرع في انتفاضة أبريل، إن يصدر نصاً تشريعياً، ضم بموجبه قيام اتحاد واحد للموظفين تحت إدارة الاتحاد السابق، وصار اتحاداً واحداً باسم اتحاد الموظفين والمهنيين والفنيين والمعلمين، بالإضافة إلى اتحاد العمال أساس العمل النقابي السوداني.

في العام 1989 م وحتى العام الحالي، ورغم إلغاء قانون نقابات 1977م دعت الدولة إلى الحوار النقابي، وترجمت مخرجات هذا المؤتمر والذي عقد في أغسطس 1990م، وحضره حوالي 1700 قائد نقابي يمثلون نقابات العمال والموظفين والمهنيين والفنيين والمعلمين والمختصين والولايات، كان من أهم مآلات هذا الحوار توحيد الحركة النقابية في تنظيم واحد، يشمل العمال والموظفين في المنشأة الواحدة، وأن تكون هناك نقابة المنشأة، ومن ابرز توصياته إن يقوم اتحاد لكل ولاية، وأن يكون هناك اتحاد واحد هو اتحاد نقابات عمال السودان.. وكان من الطبيعي بعد مرور الوقت إن تتم مراجعة قانون العمال بعد التجربة في التطبيق، بهدف تطوير القانون، والأخذ بالاعتبار ملاحظات النقابيين وملاحظاتهم وما يتعلق بالأمر من مستجدات منظمة العمل الدولية. لقد عاصر المتغيرات القانونية رموز لها أدوار مهمة في الحركة النقابية، كالمرحوم عبد الله نصر قناوي، الذي كان رئيساً لإتحاد نقابات عمال السودان، والذي عرف عنه كأحد أهم وأبرز قيادات ورموز الحركة العمالية الوطنية، ومجاهداته الكبيرة في الدفاع عن حقوق العمال في السودان، والذي دخل من أجلها المعتقل لمدة عام كامل بدون محاكمة، وكافأه المولي عز وجل ووافته المنية وهو يؤدى مناسك الحج، فدفن بمكة المكرمة، وكثيرون يمكن حصرهم وتخليد ذكراهم رموزاً للحركة النقابية السودانية. إن الدساتير والمراسيم الجمهورية والقوانين واللوائح التي وضعها أو أشرف عليها نقابيون سابقون، قد احتوت معظمها على (مدة الدورة النقابية) ولكن جميعها قد خلت من المدة الزمنية التي يمكن أن يمارسها النقابي في منصبه، خاصة (الضباط الثلاثة)، لماذا دائماً نتجنب ربط المناصب بمدد زمنية محددة، فيظل النقابي يدور في فلك كوكب النقابات عقود من الزمان ليقترب من الشمس فيحترق.

في الوقت الذي دعت فيه القيادة الرشيدة والفاعلة إلى إتاحة الفرصة للشباب لقيادة هذا البلد ليس زهداً في الشيوخ لأنهم (هرموا) ولكنه (التدويل) للمجاهدة في بلد رائد وقائد… وبالنظر إلى قانون نقابات العمال لسنة 2010م والذي تمت إجازته بواسطة المجلس الوطني في جلسته رقم ( 28) بتاريخ 30 ديسمبر 2009م والذي يحتوي على 37 مادة وبموجب مادته الأخيرة فيه، أصدر السيد وزير العمل لائحة تنظيم نشاط تنظيمات العمال لسنة 2010م، والذي يتكون من 30 مادة تم توقيعها بواسطة السيد/ داك دوب بيشوب وزير العمل.. هاتان الوثيقتان (قانون العمل ولائحة تنظيم نشاط تنظيمات العمل)، لا تجد فيها أي مادة تشير إلى مدد زمنية للقيادات النقابية. وإذا نظرنا إلى النظم الأساسية التي تضعها النقابات أيضاً لا تجد إشارة إلى كم من الزمن يمكث النقابي.

ليس في السودان فقط، فالمرحوم المحجوب بن الصديق من الاتحاد المغربي للشغل، قد دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية من بابه الواسع، حيث مكث على رأس الاتحاد 55 سنةً.. إننا نريد أن تكون لدينا الريادة ونضع نظاماً يحدد فترات زمنية، ولتكن ثلاث دورات نقابية كحد أقصي للموقع النقابي، وإلا سننافس في امبراطورية المحجوب آخر الزعماء النقابيين المعمرين في العالم.

صحيفة آخر لحظة