جعفر عباس

الموت الوشيك فـي سماء فرانكفورت


[JUSTIFY]
الموت الوشيك فـي سماء فرانكفورت

ما إن بدأت الطائرة تحلق في سماء فرانكفورت حتى أصابها شلل رعاش، وصارت تهتز بعنف، ونظرنا عبر النوافذ واكتشفنا أن غشاء ما يغطيها من الخارج، وأحسست ان الطائرة صارت تهتز وهي عاجزة عن الحركة، وصدر عنها أنين يحنن قلب الكافر، ونظرت إليّ زميلتي سعاد متوسلة: ده شنو يا جعفر؟ ماذا أقول لها: إن أجل الله لا يؤخر.. الدوام لله.. كلنا لها.. ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها.. جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح.. كان الوضع مرعبا، وكانت الطائرة ترتج لأنها كانت تخترق كتلا سحابية ثلجية، وكان شيء كالبرق يومض ويتوهج كلما احتك جناجا الطائرة بجبل الجليد، وأيقنت أنني على متن “تايتانك”، تلك السفينة التي ارتطمت في رحلتها الأولى عبر المحيط الأطلسي بجبل جليد وهلك أكثر من ٩٠% من ركابها، وهأنذا في رحلتي الجوية الأولى، ولأنني منحوس اصطدمت الطائرة التي تقلني بجبل جليدي في الجو، بينما طائرات بقية خلق الله تخترق السحاب العادي، وأدركت سعاد أن حالي أسوأ من حالها فلجأت إلى القرآن الكريم، فقررت مجاراتها طلبا لحسن الخاتمة، ولكن ولأن رأسي كان مشوشا فقد تداخلت الآيات في ذاكرتي، وعندما تذكرت قوله تعالى “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية” تعطلت ذاكرتي وأصيب لساني بالشلل التام.

وظلت الطائرة تئن وتزوم لتخرج من تلك “الدهمة”، وأحسست بالروح تصعد في صدري لتخرج عبر الحلقوم، ثم سمعنا صوتا عاليا مزعجا.. سيك سيك… كككك… ولم تعد المسألة “تفرِق” معي، فقد بت مستعدا نفسيا للموت بعد ان أصيبت كافة حواسي بالهمود… ثم هدأ كل شيء… ياااه لماذا يخاف الناس من الموت وهو يأتي ناعما هكذا: لا اهتزاز ولا ضجيج… باي باي لندن.. باي باي سودان.. باي باي أهلي والله يصبرك يا أمي… كل ذلك وعيناي مغمضتان، وسمعت همهمة سرعان ما تحولت إلى جلبة، فقلت: مرحبا بمنكر ونكير، وطالما كان آخر ما نطق به لساني آي من الذكر الحكيم، فإن وضعي إن شاء الله سليم.. وفتحت عيني ورأيت عبر نافذة الطائرة مباني مطار فرانكفورت، ونظرت إلى الركاب من حولي ورأيت السعادة على وجوههم، وأكثر ما أسعدني هو أنني سمعت الكثيرين منهم يتحدثون عن الخوف الذي أصابهم حينما بدأت الطائرة تناضل للهبوط في مطار فرانكفورت، لأن ذلك كان بمثابة رد اعتبار لي، لأنني لم أكن الخوّاف الوحيد على الطائرة.. والتفت إلى سعاد وقلت لها: حمدا لله على السلامة،.. فقالت: أنا عايزة أنزل من الطيارة، بلا لندن بلا وجع راس.. قلت لنفسي والله كلامها هذا عين العقل.. ننزل في فرانكفورت ونعود إلى السودان أو نواصل الرحلة إلى لندن بالبحر، وتوجهت إلى باب الطائرة مع النازلين منها، فسألتني المضيفة عن وجهتي النهائية، ولما عرفت أنها لندن منعتني من الهبوط بحجة أن الطائرة ستتوقف في فرانكفورت ساعة واحدة ثم تواصل رحلتها إلى لندن.. قلت لها إنني غيرت رأيي ولا أريد الذهاب إلى لندن بل النزول في فرانكفورت والعودة إلى السودان بباخرة أو شاحنة.. فسألتني: عندك فيزا لدخول ألمانيا؟ هنا غيرت مجرى الحديث وقلت لها: خليني بس أقف على أرض المطار أسفل سلم الطائرة كي يكون لي حق التباهي بأنني كنت على “التراب” الألماني، فصوبت نحوي نظرة اشمئزاز جعلتني أتقهقر إلى مقعدي.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. ترى الرجل النحيف فتزدريه ** وفـي أثـوابه أسد هصور
    ويـعجبك الـطرير إذا تراه ** فيخلف ظنك الرجل الطرير
    فأخشى ألا تكون ذلك الطرير …وأخشى أنها واحدة من حسباناتي الخاطئة، إذ كنت أحسبك ” أسد الكداد الزام ..هزيت البلد في وسائل الإعلام” وحساباتي مبنية على تلك البطولات في سجون نميري ، إذن هي بطولات أرضية فقط !!وفي الفضاء نعامة ربداء تجفل من صفير الطائرة.كما أنها مبنية على تلك القرابة التي تجمعكم بابن شداد _ أعني عنترة – لا كمال شداد.
    يعني بالوااااضح والصريح فضحتنا قبل أعوام طوال في الطائرةأمام مضيفة لا نعرف جنسيتها، ومن غير المستبعد أن تكون حكت القصة لصديقاتها وتضاحكن على ذلك السوداني الجبان …وها أنت توثق لذلك الحدث أمام القراء الذين يتربص بعضهم بك مثل هذه الفلتات ونحن الذين نتشدق ونتفاخر بأستاذنا الفلتة. لن أدع خاصتي يقرأون مقال اليوم خوفا من ” التريقة ” ها ده ياهو أبو الجعافر البارايانا بيهو بري .
    عبدالله ؟ سودانية ؟ رأيكم شنو في أستاذنا وعنترياته التي لاتقهر ؟