السودان على شفا حرب أهلية ..!!
* انعقد يوم أمس الاحد 25 أغسطس مؤتمر الصلح بين قبيلتى (القُمر وبنى هلبة) فى مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وذلك بعد صراع دموى شرس ظل دائرا طيلة عام كامل فى دورته الأخيرة ، فُقدت فيه الكثير من الارواح وحُرقت ونُهبت الكثير من الممتلكات، وكعادة مؤتمرات الصلح فى دارفور فهو لن يدوم طويلا ويفضى الا للمزيد من الصراع واراقة الدماء، رغم الكلمات الطيبة والخطب البليغة ورصاصات البهجة التى أطلقت فى السماء.
* وقبل أيام عُقد مؤتمر، بل مؤتمرات للصلح بين المعاليا والرزيقات، وبين الرزيقات والمسيرية، وبين بنى حسين والعريقات ..إلخ، ولكن سرعان ما عاد الصراع أشرس مما كان ..!!
* الصراع القبلى ليس جديدا على دارفور ولكنه كان محدودا فى السابق ولم يتعد الاقتتال على الموراد باستخدام الاسلحة البيضاء، ولكنه تطور كثيرا فى السنوات الأخيرة بعد تدخل السياسة وانتشار الأسلحة الحديثة فى ايدى القبائل بما فى ذلك البنادق الاتوماتيكية ومدافع الآر بى جيه، الخ.
* كان الحد الفاصل بين الصراع على الموارد والصراع العرقى والسياسى العنيف الذى يدور الان هو التمرد الثالث على الحكومة الذى اندلع فى دارفور عام 2003 ( التمرد الاول وقع فى الفترة بين 1986 و1989، والثانى بين عامى 1995 و1998)، ولقد أسهمت الحكومة بالقدر الأكبر فى اتساعه واستمراره بسبب الحرب التى شنتها بمساعدة بعض القبائل (بعد تسليحها) ضد قبائل الفور والزغاوة والمساليت.. إلخ، التى ينتمى اليها المتمردون وذلك بغرض ارغامها بالقوة على مغادرة قراها ومواطنها ما ادى لحدوث جرائم خطيرة وصلت حد الابادة الجماعية كان نتيجتها مقتل اكثر من 300 ألف مواطن وفرار أكثر من مليونين ونصف توزعوا فى 65 معسكر نزوح فى دارفور، ولجوء أكثر من نصف مليون الى تشاد وهجرة الآلاف الى مناطق مختلفة فى العالم، وهى المأساة التى لفتت انتباه العالم ولا تزال قائمة حتى الان ..!!
* والسؤال الذى يفرض نفسه .. الى اين ستذهب المنطقة (دارفور وكردفان ) تحت ظل هذه الصراعات المستمرة التى لا تنتهى ؟!
* الاجابة فى غاية البساطة .. كل البوادر والملامح تشير وتؤشر الى قرب اندلاع حرب أهلية طاحنة بغرب السودان لا تبقى ولا تذر، لن يقف فيها طرف على الحياد، ولن ينجو منها أحد ولن تقتصر فقط على القبائل السودانية بل ستجتذب اليها العديد من القبائل من الدول المجاورة خاصة تلك التى تربطها صلة بالمجموعات او (الجماعات) التى استجلبتها حكومة الخرطوم بين عامى 2004 و2005 من مالى والنيجر للاستيطان فى دارفور ومساعدتها فى الحرب !!
* لا يعرف أحد حتى الان كيف ستتشكل الاحلاف، ومن يكون مع من او من ضد من، ولكن حسب قاعدة الصراعات السياسية المسلحة التى تتغير طبيعتها وتحالفاتها من وقت لآخر بتغير المصالح والأطراف فان كل شئ جائزخاصة بعد ظهور بوادر تمرد على الحكومة من قبائل كانت حليفة لها، غير انه يمكن القول أن ارتفاع وتيرة الصراعات فى المنطقة واتساع دائرتها وازدياد حدتها وتغير طبيعتها وانضمام قبائل وبطون جديدة اليها كل يوم والعدد الكبير للمقاتلين والضحايا ونوعية الأسلحة المستخدمة، والممارسات الحكومية التى تتصف بعدم المبالاة أوالممالأة وصب الزيت فى النار، ووجود فوضى وصراعات دامية فى الدول المجاورة (ليبيا، تشاد، مالى، النيجر وافريقيا الوسطى) واستمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين من هذه الدول الى الإقليم، مع استمرار التمرد واتساع دائرته ليشمل جنوب وشمال كردفان، بالاضافة الى شح الموارد كلها مظاهر تنبئ بقرب نشوب حرب أهلية طاحنة فى دارفور وكردفان لن يكون بمقدور أحد إيقافها مهما امتلك من قوة وقدرات .. ويكفى كدليل على ذلك ان الحرب القبلية الطاحنة التى تدور فى الصومال منذ أكثر من ربع قرن لم يتمكن أحد من ايقافها ولا يعرف أحد كيف ومتى تتوقف ..!!
* غرب السودان مرشح بقوة لحدوث حرب أهلية شرسة، وهى لن تقف على غرب السودان وحده ولكنها حتما ستتع لتشمل معظم القطر، خاصة مع الازمة السياسية والاقتصادية الحادة التى يعانى منها والتغييرات الكبيرة التى تشهدها شمال افريقيا مع انتشار ظاهرة الفوضى ووجود جماعات ارهابية نشطة على استعداد لنقل نشاطها الى اى مكان تستطيع ان تتخذه قاعدة لممارسة عملياتها التخريبية ..!!
* أذكر اننى كنت فى زيارة للولايات المتحدة الأمريكية فى اكتوبر من عام 2007 بدعوة من وزارة الخارجية الأمريكية برفقة الزملاء مرتضى الغالى ويسن حسن بشير وشمس الدين ضوالبيت للتفاكر حول ازمة دارفور ــ وكنت ضمن قلة من الصحافيين غطوا الحرب فى دارفور الكبرى بولاياتها الثلاثة ونجوعها فى عام 2004 ــ وإلتقينا ضمن برنامج الزيارة بالعاصمة الامريكية بالباحث المعروف (ريتشارد آتوود) الذى يشغل الآن وظيفة كبير الباحثين بمجموعة الازمات الدولية، فذكر فى معرض الحديث الطويل الذى دار بيننا انه يعد دراسة عن الصراعات القبلية فى السودان ووصل الى نتيجة مفادها أن نذر حرب أهلية تلوح فى دارفور ما لم يتخذ السودان والمجتمع الدولى خطوات حاسمة وجبارة فى سبيل انهاء التمرد وايجاد حل عادل لأهل الإقليم .. .!!
* ويبدو جليا الان ان ما توصل اليه (ريتشارد) قبل ستة عوام بعد دراسة وبحث عميقين فى طريقه الى التحقق، بل يستطيع أى شخص بناءا على الظروف التى تعيشها المنطقة أن يتنبأ بأن (صومال) جديد فى الطريق الى الولادة، ولكن هذه المرة بشهادة ميلاد سودانية .. !!
[/JUSTIFY]مناظير – زهير السراج
[email]drzoheirali@yahoo.com[/email]