تمت الناقصة
** الجنون هو أن تفعل الشئ مرة تلو أخرى ثم تتوقع نتائج مختلفة، أوهكذا إحدى حكم أنشتاين الداعية إلى عدم التمادي في الخطأ بالتنطع والمكابرة و( العنتريات)..وكما يوضح الحال العام للناس والبلد ، بتمادي سلطات وأجهزة الدولة في الخطأ، دائماً ما تعيد إنتاج الأزمات والكوارث في كل مناحي الحياة العامة..ومع ذلك، أي رغم تراكم الكوارث والأزمات على طول البلاد وعرضها، لم تحدث تلك السلطات والأجهزة أنفسها بتغيير طرائق تفكيرها بحيث تبتكر وتبادر بفعل أفعال أخرى تأتي بنتائج تختلف عن السابقات (الكوارث والأزمات).. وهذا ما يصفه أنشتاين بالجنون، وهو – فعلاً – كذلك ..!!
** على سبيل المثال، نقرأ لسان حال تفكير وزارة العلوم والإتصالات، إذ يقول الدكتور عيسى بشري، وزير تلك الوزارة بالنص : ( يجب إعتماد اللغة العربية كلغة أولى في إجراء البحوث العلمية)، هكذا التفكير .. لماذا؟، أي لما تمييز اللغة العربية على الإنجليزية في إجراء البحوث العلمية؟..ليست لنهضة علمية شهدها العالم العربي في علوم الحياة ومراجعها وبحوثها وجامعاتها، بل : ( الأمم لا تحقق نهضتها إلا عبر الإعتزاز بلغتها والإنعتاق من التبعية للآخرين)، أوهذا هو سبب التمييز حسب منطق الوزير بشري..فالوزير يرى أن إتقان الإنجليزية وتجويدها – لحد إجراء البحوث العلمية بها – نوع من ( التبعية)، وأن تجاهل هذه اللغة المشهود لها بأنها ( لغة العلم)، نوع من ( الإنعتاق)..هكذا التفكير الرسمي، وكأن ما حدث لجامعاتنا ومعاهدنا – بعد التعريب – لايكفي ( تدميراً)..!!
** ناهيكم عن علوم الدنيا الاخرى ومراجعها العلمية، بل لغة الإتصالات – التي وزير وزارتها الدكتور عيسى بشرى – هي ( اللغة الإنجليزية)..ولولا الإنجليزية هذه لما كانت في البلاد ما يسمونها بثورة الإتصالات التي حفزت الحكومة على تأسيس وزارة الاتصالات و تعيين وزرائها، بمن فيهم الدكتور عيسى بشرى..فلماذا يتنكر الوزير فضل اللغة الإنجليزية عليه ( هو شخصياً).؟..ثم، المؤتمر الذي طالب فيه الوزير بشري بتمييز اللغة العربية على الإنجليزية في مجال البحوث العلمية، كان (مؤتمراً دولياً)، وهو مؤتمر جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات..وغير تلاوة الإفتتاح ثم خطاب الوزير بشري، لم تجر اللغة العربية – التي يميزها الوزير – على آلسنة المؤتمرين طوال جلسات المؤتمر، وكذلك لم تُكتب بها ورقة واحدة من كل الأوراق العلمية..فالإنجليزية المرفوضة – من أجل الإنعتاق – هي لغة المؤتمر الذي خاطبه الوزير بطلب إعتماد العربية ك ( لغة أولى).. لوكانت العربية تصلح كلغة أولى في عالم البحوث، أو كما يسعى الوزير بشري، لما كانت لغة هذه المؤتمر وأوراقه ( إنجليزية) ..!!
** ثم، دستور السودان – ما لم يكن قد تم تعدليه ليلاً والناس نيام – لم يميز اللغة العربية على اللغة الإنجليزية في أي مرحلة من مراحل التعليم.. بل، المادة (8/ 5) من مواد الدستور الذي يحكم البلاد تقول بالنص : لايجوز التمييز ضد إستعمال أي من اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية في أي مرحلة من مراحل التعليم ..وعليه، عملاً بأحكام هذا النص، وزارة العلوم والاتصالات تخالف دستور البلاد حين تطالب بإعتماد اللغة العربية كلغة أولى في إجراء البحوث العلمية..والمهم، مثل هذا التفكير – الذي جاء بسياسة التعريب – هو الذي أحال جامعات بلادنا من القمة إلى القاع في قوائم التنصيفات العالمية والإقليمية، ويبدوا أن القاع ذاته لم يعد يسع حال علوم جامعاتنا، ولذلك يجب تعريب البحوث العلمية أيضاً.. وبهذا تكون سلطات التعليم العالي قد ( تمت الناقصة) ..!!
[/JUSTIFY]
إليكم
[email]tahersati@hotmail.com[/email]