جعفر عباس

أبـو الجعافـر طلـع درجـة ثانيـة

[JUSTIFY]
أبـو الجعافـر طلـع درجـة ثانيـة

ذات مرة اعتقلت السلطات الطبية زوجتي لليلتين في مستشفى، فقررت ان أجعل عيالي يحسون بأن أمهم «ولا شيء»: طالما انا موجود فلن تشعروا بنقص في الحنان والدلال.. وداعا للأكلات البلدية ومرحبا بالطعام المستورد.. لا فول ولا طعمية، أكل إفرنجي ميه الميه (100%)، وبما انني أعرف ان عيالي يكرهون السلطة والخضروات عموما، فقد أعلنت لهم أنه لا سلطة بعد اليوم، طالما أن ممثلة السُلطة القمعية غائبة! في اليوم الأول اشتريت لهم وجبة غداء من مطعم محترم جدا، وعرجت على محل للآيسكريم واشتريت لهم منه جردلا (سطلا).. والمشروبات الغازية ممنوعة في بيتنا بقرار ديمقراطي أصدرته مما جعل شعبيتي في الحضيض، ولكنني وفي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام أم الجعافر اشتريت لهم – وهي بالمستشفى – صندوقا من كل نوع من أنواع الكولا المتداولة.. ودخلت البيت وأنا أصيح: هييييييه، بص، شوف.. بابا بيعمل إيه، كنت أحس بأنني بابا نويل الذي يوهم الأطفال في الغرب أنه يأتيهم بالهدايا وهم نائمون في ليلة الكريسماس، ولكنهم لم يعيروا الأشياء الشهية التي أتيت بها ولو نظرة عابرة.. هذا قال إنه ليس جائعا، وتلك قالت إنها ستأخذ طعامها إلى المستشفى لتتناوله مع أمها،.. ولم يمهلوني حتى أتمكن من الاستحمام وتبديل ملابسي، بل طالبوني بتوصيلهم على الفور إلى المستشفى.. كانوا يخاطبونني وكأنني «سواق عند أبوهم».. أحسست في أصواتهم نبرة جفاء واستنكار، وفهمت لاحقا أنهم كانوا متضايقين لأنني ذهبت إلى العمل بدلا من البقاء إلى جوار زوجتي، ولأنني أرغمتهم على التوجه إلى مدارسهم بينما كانوا يودون المرابطة في المستشفى في غرفة والدتهم، وعند وصولنا المستشفى تغيرت تلك النبرة عندما سمعوا ام الجعافر تخاطبني قائلة: ليه ما استرحت شوية.. انت قاعد في الكرسي هنا منذ الصباح! عندئذ أدركوا أن بابا لم يقصر مع أمهم، وصاروا يخاطبوني بأدب، وأكلوا الطعام الذي اشتريته لهم بنهم رغم أن أجواء المستشفيات تسد النفس بصفة عامة.. وفي المساء غادروا المستشفى على مضض، وعرضت عليهم العشاء في مطعم ياما طالبوني كثيرا من قبل بأخذهم اليه (بلا طائل) ولكنهم قالوا انهم لا يحسون بالجوع.. وفي البيت أعلنت رفع حظر التجول وإباحة حرية السهر، ولكن كل واحد منهم استلقى في فراشه في تمام التاسعة مساء لم تكن زوجتي تعاني من علة تشكل خطرا على حياتها، بل كان لزومها المستشفى بغرض استكمال فحوصات معينة، ومع هذا خيمت الكآبة على بيتنا، رغم أنني حرصت على تدليع عيالي ع الآخر.. وتزامنت تلك التجربة مع سفر الخادمة في إجازة.. وعندما خرجت زوجتي من المستشفى مزودة ببكالوريوس مخ وأعصاب وأوعية دموية مع مرتبة الشرف، قلت لها: بصراحة.. أصبحت مؤمنا بضرورة تعدد الزوجات.. فلو كانت هناك زوجة ثانية في غيابك لما تعرضت وعيالي للبهدلة،.. فقالت بكل برود ان تلك التجربة تؤكد ضرورة تعدد الخادمات! (ما رأيكم في استقدام بعض العائلات خادمات تكنولوجية لتستعرض بهن في الأسواق حيث يلبسوهن المحزق والملزق، فلا تدري هل يعملن في غسل الحمامات والملابس ام عارضات أزياء.. ثم تسمع ان فلانا تزوج خادمته وأن ذلك أدى إلى خلعه من منصبه كبعل.. وجع؟).
كنت أريد ان أثبت لعيالي ان أمهم «ولا شيء»، فإذا بهم يعلمونني أنني بدونها «ولا شيء»! وتزامن ذلك مع بطولة كرة قدم آسيوية خرجت منها الفرق الخليجية بهزائم متلتلة، وكان أبو الجعافر من تلك الفرق، ومثلها فإنني أعتقد أن التحكيم ظالم و«الجمهور» متحيز.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]