منى ابوزيد

على طرف الفراء ..!

على طرف الفراء ..!
«أنَا في حُبِّك كالأطفَال» ..!
طبيعة الحوار الذي تنتهجه معظم الفقرات المخصصة للصغار في قنواتنا المحلية تبدو وكأنها لا تدرك أن فئة المشاهدين دون الخامسة عالم فكري متكامل يستحق خطاباً تربوياً أقل تظارفاً وأكثر احتراماً .. وهو شأن لا يمكن تقييمه بمعزل عن قصور المقومات الأساسية للخطاب الإعلامي الموجه للأطفال في مجتمعنا عموماً، والذي لا يصطحب خصوصية كل مرحلة عمرية في إعداد البرامج ويقع كثيراً وطويلاً في مآزق الخلط بين ذكاء الطفل وحظه من المعلومة ..!
في الجانب الآخر من العالم باحثون نجحوا ـ يوماً ـ في تعليم أطفال دون سن الخامسة مبادئ الفلسفة، وفي الولايات المتحدة تقرير حديث أكد أن أكثر من 80% من أطفال الأمريكيين الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة يستخدمون شبكة الإنترنت مرة ـ على الأقل كل أسبوع .. وأندادهم عندنا لا يزالون يواجهون خطاباً إعلامياً يبدو وكأنه لا يكاد يفرق بين فئة صغار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ..!
مفتاح كل طفل في هذه السن هو بحثه عن المتعة التي يمكن إدخال أي عنصر تربوي ضمن سياقها، فينمو ذوقه الجمالي ويقوى إحساسه اللغوي، ولكن كيف لذلك أن يصدر عن مهرج يجرجر أذيال الحديث ويطوح برأسه بلا مناسبة ؟! .. لن ترى أبداً مثل ذلك المشهد في برامج أطفال العالم الأول، حيث يضمن التعلم كبسولة من التشويق، وبمنتهى المهارة والاحترام لعقل الطفل الذي يكتشف بسهولة كل من يحاول أن يلتف عليه أو يعتقد أنه أذكى منه .. وهنا يكمن الفارق الهائل بين البساطة والتسطيح ..!
تلك المخلوقات الصغيرة لها قوانينها الفكرية التي تؤمن بسببية العلاقات بين الأشياء، والتي تعتقد أن الجمادات حية فتنمط العالم المادي من حولها في إطار تلك القناعات، والتي تفترض أن لكل غرض في محيطها الخاص سبب لذلك يكثر السؤال عن الأسباب، وأن رسالة برامج التلفزيون الموجهة لها هي توفير إجابة تربوية مناسبة لكل (لماذا) تصدر عن أي فيلسوف صغير ..!
ولعل أجمل ما قيل عن هذا، ما جاء في رواية (عالم صوفي ) ـ لجوستاين غاردر ـ على لسان الفيلسوف ألبرتو (من قبعة كل ساحر يخرج أرنب، فيولد أطفال البشر على أطراف فراء ذلك الأرنب، محفوفين بالدهشة والأسئلة، لكنهم ما أن يكبروا حتى يغوصوا أكثر في عمق الفراء، فيفقدون شجاعة التسلق والوقوف على أطراف الحقائق من جديد، إلا إذا عادوا أطفالاً، أو أصبحوا فلاسفة) ..!

الكاتب : منى أبوزيد
صحيفة الرأي العام