بابا إكسسوار
أصيب الجيولوجي البريطاني برايان تاندي بنوبة قلبية شديدة أودت بحياته فرحل عن الدنيا مخلفا أرملة وبنتين، هما جيل البالغة من العمر 23 سنة وكلير ذات التسع عشرة سنة، ومن فرط حبهما لأبيهما الراحل قررت البنتان الاحتفاظ به قريبا منهما بالمعنى الحرفي للكلمة.. وستسترد البنتان خلال الأيام القليلة المقبلة أباهما المتوفى وهو في حالة مبهجة.. سيعود إليهما وهو يلمع ويتوهج ويتلألأ، والسر في ذلك ان كلير وجيل قامتا بحرق جثة الوالد العزيز ثم تسليم الرماد الناجم عن الحرق الى شركة «لايف جم».. وتعني «درَّة الحياة» لتحويله الى قطعتي ماس يتم تثبيتهما في خاتمين ترتديانهما الفتاتان، وتقوم الشركة باستلام رماد المتوفيين وتسخينه في فرن يحتوي القليل جدا من الاوكسجين للتخلص من الشوائب وبعدها يتم تحويل الفحم الى جرافايت وهو الكربون الطري الذي تصنع منه أقلام الرصاص بالتسخين على درجات حرارة عالية للغاية.. ثم يوضع مسحوق الجرافايت في جهاز ضغط قوي بمعدل 900 ألف باوند (رطل انجليزي) للبوصة المربعة ويُعرّض لحرارة تبلغ 3000 درجة، ويستغرق إنتاج قطعة ماس من المتوفى عدة أشهر تظل خلالها بقاياه تتعرض للتسخين والضغط والضرب عدة مرات.. وقد افتتحت شركة لايف جم الامريكية فرعا لها في بريطانيا قبل نحو أسبوع. وبما اننا مولعون بالتداوي هناك رغم ان النظام الصحي في بريطانيا لم يعد افضل حالا من النظام الصحي في الصومال، فإنني انصح كل قارئ يتم ابلاغه بأن عزيزا لديه توفي في بريطانيا ودفن هناك أن يتوجه الى الشرطة ليتم إخضاع من رافقوا المريض خلال رحلة طلب الاستشفاء للتأكد من انهم لا يملكون قطعا من الماس!! وطالما ان انتاج الماس من جثة الميت ممكن فعلينا فرض حراسات مشددة كالتي يحظى بها البيت الابيض على المقابر، كي لا تقوم عصابات بسرقة جثامين الموتى وحرقهم بقصد الإثراء بتحويلهم الى ماس!! المقرف في حكاية الراحل العزيز برايان تاندي ان ارملته وبنتيه يزعمن ان بهدلة بقاياه وتحويلها الى فصين من الماس «سيجعل الراحل يحس بالسعادة»، لأنه سيبقى لصيقا بالبنتين لأنه سيكون خاتما في أصبع كل منهما، والرجل قد يقبل طوعا او كرها ان يكون «خاتما» في إصبع زوجته بل وشبشبا في رجلها ولكنني لا أعرف رجلا يقبل ان يكون خاتما في إصبع بنته وهو ميت. حققت العلوم فتوحات كبيرة في السنوات الأخيرة وخاصة في مجالات الطب والصحة والتكنولوجيا، ولكن معظمها تطبّع بالعولمة التي تحيل كل شيء الى سلعة، وآخر صرعة هي تحويل جثث المتوفين الى أحجار كريمة للزينة!! نعرف جميعا أنه لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها وهو المنطق الذي يجعل الكثيرين لا يمانعون بنقل أعضائهم بعد وفاتهم الى أشخاص آخرين يعانون من علل مستعصية، ولكن حكاية تاندي الذي تحول الى خاتم تجعلني أقشعر من فكرة ان يحمل شخص أعضائي بعد موتي. ماذا مثلا لو نقل الأطباء كبدك الى شخص يقوم بمجرد تعافيه بتلويثها (كبدك) بالمشروبات الكحولية الرخيصة المغشوشة (هنا أجاري من يزعمون ان الكحوليات الغالية الثمن لا تضر الكبد!!)؟ ماذا يقول الناس عنك لو تم نقل قرنيتك الى شخص فاسترد بصره وبات يستخدم تلك القرنية في متابعة برامج رزان وهيفاء.. ومعاكسة بنات الناس في الأسواق؟ أو ذاك الذي تنتقل اليه رئتك فيلوثها بالنيكوتين والقار؟
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]