التبادل الجينى السوادنى المصرى !!
* للروائى المصرى العالمى علاء الاسوانى صاحب روايات عمارة يعقوبيان، شيكاغو ونادى السيارات كتاب جمع فيه عدة مقالات كتبها فى الصحف المصرية أثناء فترة حكم الرئيس مبارك يهاجم فيها ممارسات النظام والمجتمع المصرى السلبية، منها مقالة ( لماذا لا يثور المصريون؟) التى صارت عنوانا للكتاب عندما صدر فى عام 2010، اقتطف منها ما يلى ..!!
* كنت اسير فى شارع طلعت حرب ساعة الظهر، وكان الجو حارا وقد إمتلأ الشارع بالسيارات، ورأيت ضابط شرطة يقترب من سائق تاكسى وتحادثا قليلا ثم هوى الضابط على وجهه بلطمة عنيفة، ومد السائق يده ليتفادى الضربة، وهنا جن جنون الضابط وانهال على السائق ضربا حتى نزف، ثم امسكه وأخرجه من التاكسى، وراح يجرجره فى الشارع وهو يضربه، ووجدت نفسى أسير خلف الموكب الدموى يتبعنى بعض المارة، وعندما وصل الضابط الى نقطة الشرطة القريبة وقف على بابها وهو ممسك بالسائق من قميصه الملطخ بالدم واستدار ناحيتنا وقال باستهانة: حد فيكم يحب يعمل راجل ويشهد ضدى فى المحضر؟!
* كنا حوالى عشرة أشخاص، تدل هيئة معظمنا على رقة الحال، وكدت اسمع همهمة مستنكرة من أحد الواقفين، لكنها خمدت فورا وران علينا جميعا صوت ثقيل .. ونهرنا الضابط بقوة: يلا امش من هنا انت وهوه ..
* ابتعدنا جميعا بخطوات عجلى ومرتبكة، وهمس رجل عجوز بجوارى: ربنا على الظالم، وبعد لحظات كنا قد تفرقنا فى الزحام.. وجثم علىّ شعور مؤلم بالكآبة والعجز، ورحت أتساءل: لماذا لم أرد على الضباط، لقد اهاننا جميعا وتحدى رجولتنا، ولو أننى رددت عليه لربما تشجع الآخرون على مقاومة الظلم.
* عند وصولى الى البيت كتبت الواقعة بالتفصيل وارسلتها الى (الاهرام) وكتبت اسمى وعنوانى كاملين، ومرت شهور ولم ينشر بريد الاهرام الرسالة، ونسيت الحادثة، لكنها تعاودنى دائما إذا ما ُطرح السؤال: لماذا لا يثور المصريون؟
* والحق ان فى مصر من الظلم والفساد والاستبداد ما يكفى لاشعال عشر ثورات فى بلد آخر فلماذا لا يثور الناس فى بلادنا؟!
* أتذكر وجوه الواقفين فى ذلك اليوم أمام الضابط .. كانوا يدركون كل شئ وقلوبهم مفعمة بالمرارة والحنق لكنهم برغم ذلك أذعنوا حتى تمر العاصفة هل اذعنوا لانهم جبناء؟ الاجابة بالنفى، انهم فقط يعرفون انهم يعرفون جيدا معنى أن تتحدى ضابط شرطة فى مصر ..!!
* ان ما يمنع المصريين من الاحتجاج خبرتهم الأليمة بالقمع ويأسهم الكامل من الاصلاح وقد تعود المصريون ان يبتعدوا عن السلطة بقدر الامكان: يتجاهلونها ويتحملون أذاها، ويسخرون منها فيما بينهم ثم يصنعون ــ بعيدا عنها ــ عالمهم الصغير الحقيقى: يعملون ويكسبون ويربون الاولاد وينعمون ببعض المتع الصغيرة .. والحق ان المصرى لا يعبأ كثيرا بمن يحكمه: اولا لانه لم يُسمح له أبدا باختياره، وثانيا لان معظم الحكام عادة ما يتبارون على الظلم والفساد، وفى المرات القليلة التى ثار فيها المصريون كان هنالك زعيم حقيقى مخلص صدقه الناس وعقدوا عليه الأمل وثاروا بقيادته على الظلم، كسعد زغلول. انتهى
* والسؤال الذى يطرح نفسه: هل حدث تبادل جينى بيننا وبين الأشقاء فى مصر؟!
[/JUSTIFY]
مناظير – زهير السراج
[email]drzoheirali@yahoo.com[/email]