وحدة غر ابشي.. العودة لحضن الوطن بعد مضي «13» عاماً
الزغاريد في استقبالنا
فكانت زغاريد الأمهات وتكبيرات الكبار وصيحات الصغار قد علت في سماء غرابشي بمجرد وصول والي جنوب دارفور اللواء آدم محمود برفقة لجنة أمن الولاية ومنسقي الخدمة الوطنية والشرطة الشعبية والدفاع الشعبي للمنطقة على الرغم من أن معالم البؤس والشقاء قد ارتسمت على وجوه هؤلاء الغلابة الذين واجهوا أصعب الظروف طوال تاريخ المنطقة التي يعود تأسيسها للعام 1826م، وفي طريقنا من نيالا إلى تلك المنطقة كانت ثمة تساؤلات دارت في مخيلتي عن الهدف من هذه الزيارة الأمنية البحتة وغيرها من التساؤلات، ولكن عند وصولنا للمنطقة وجدنا تدافعاً كبيراً لأهل المنطقة نحو الوفد في مشهد صعب لنا مهمة أخذ اللقطات المناسبة من الصور وعندها تمنيت أن يأخذ والي الولاية بمعيته كل وزراء حكومته حتى يحمل كل واحد منهم مطالب المواطنين التي تليه خاصة وأن هؤلاء منكوبون يحتاجون للإعانة العاجلة، وهنا قدم أهل المنطقة واجب التحية والتقدير للقوات المسلحة التي بسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة التي أعلنت حكومة الولاية عودتها لحضن الوطن.
غرابشي الدلالة والتاريخ والمأساة
قال عمدة المنطقة محمد أبكر أن منطقة غرابشي التي تعد معقل قبيلة البرقد يرجع أساسها للعام 1826م وجاءت تسميتها بهذا الاسم لوجود جبلها الذي يحمل غرة بجانب واديها المنساب تحت الجبل الذي وصفوه بالبشوش حتى جاء الاسم من «غرة الجبل وبشاشة الوادي» وقال إن المنطقة مذ ذاك التاريخ عاش أهلها في نسيج متماسك بين المكونات السكانية بلا قبلية أو جهوية بجهود إدارتها الأهلية ممثلة في الشرتاي أبو آدم والعمدة أبو القاسم عليهما رحمة الله، حيث لعبوا أدوارا في جمع الصف والكلمة لأهل غرابشي التي تأسست مدرستها في العام 1944م وأنشئت عام 1954م قبل الاستقلال بعامين وتعاقب عليها مديرون من معظم ولايات السودان، وأضاف محمد أن أهالي المنطقة منذ ذلك الحين عاشوا مطمئنين إلى أن جاءت الحرب اللعينة التي بدأت بناء دارفور حملة السلاح بأن لديهم قضية ومطالب وتابع «بعدها دخلوا المنطقة في أبريل من العام 2003م وبعدها لم يذق المواطن طعم الراحة والاستقرار فكل يوم حرب وحرق وسلب للممتلكات واختلط الحابل بالنابل في هذه المنطقة التي تعرضت للحرق أكثر من ست مرات». وأضاف أن العام 2006م شهد نوعا من الاستقرار لأهل المنطقة عندما جاء الاتحاد الافريقي ورجع البعض لممارسة الزراعة والرعي والتجارة وقيام المصالحات مع الجيران إلا أنهم تعرضوا مرة أخرى لهجوم في العام 2011م من جهات لم يستطع تحديدها حيث قال إنها تدمرت إثره المنطقة مرة أخرى وأجبرت العديد من الأهالي الفرار كنازحين إ لى منواشى ونيالا وزمزم بشمال دارفور والمتبقي منهم احتمى بمقر بعثة اليوناميد الاتحاد الإفريقى سابقا، وتابع«حتى جاءت القوات المسلحة اليوم وانفتحت بالمنطقة بحمد الله ورسالتنا نوجهها لأهلنا النازحين بتلك المعسكرات «بأن يأتوا إلينا لنعمر دارنا لأن ما فى أعز من الوطن الصغير ونحن كإدارات أهلية قاعدين هنا وتانى ما في خوف وغر ابشى أصبحت آمنة».
ثلاثة عشر عاماً خارج حظيرة الوطن
ممثل المنطقة محمد زكريا في الاحتفال الذي أعد على شرف تحرير مناطق غر ابشي قال إن ولاية جنوب دارفور تعاقب عليها عدد من الولاية وأنهم منذ العام 2001م لم يحالفهم الحظ بزيارة والٍ لهم إلا جار النبي بعد ثلاثة عشر عاماً، وتابع «زيارتكم أثلجت صدورنا ومسحت دموعنا الباكية وتأكدنا تماما أن الخطوة يمكن أن تعالج مشاكلنا المتراكمة منذ سنوات عديدة». وقال إن غر ابشي اليوم لبست ثوبها ودخلت تاريخها الجديد. وأكد زكريا ان المنطقة عانت طوال فترة التمرد وتم حرقها عدة مرات إلا ان مواطنيها صبروا حتى جاءت لحظة الفرج. وأضاف «نحن في غر ابشي لسنا في معارضة ضد الدولة ولكنها محنة ألمت بنا فكلنا مع الدولة قلباً وقالبا واليوم نبياعك أخي الوالي ونعلن انضمامنا مجدداً للمؤتمر الوطني». وقد ذكر زكريا جملة من المطالب أبرزها الحفاظ على الأمن وتوفير الإغاثة العاجلة ومعينات الزراعة للحاق بالخريف بجانب إعادة تأهيل مرافق الصحة والتعليم والمياه التى تم تدميرها.
ترتيبات لعودة الأهالي للمنطقة
قال مفوض العون الإنساني بالولاية جمال يوسف إنهم منذ أن كان المواطنون حول مقر اليوناميد ظلوا يقدمون المساعدات للمتأثرين فى المنطقة من المواد الغذائية والإيواء عن طريق المنظمات والمفوضية السامية للاجئين بجانب توجيه بعض المنظمات لإجراء المسح وتقديم المساعدات، وأضاف ان كل المواطنين الذين كانوا حول مقر اليوناميد خرجوا للساحة الخارجية بعد وصول القوات المسلحة الذى توقع بوجودها عودة أعداد كبيرة، وقال إنهم سيكون لهم تنسيق مع مفوضية العودة بالسلطة الإقليمية والسلطات المحلية للتمكن من تحريك البقية الموجودين فى المعسكرات المختلفة، مؤكداً استعدادهم التام لتوفير الخدمات الضرورية للمتأثرين بالمنطقة والذين لهم الرغبة في العودة.
تحقق العزم لتطهير المنطقة
أما القوات المسلحة التى أعلنت سيطرتها الكاملة على مناطق شمال الولاية، فقد أكدت ان العزم الذى عقدته بتطهير غر ابشي قد تحقق وأن الجزء الفضل من الحركات ذهب ووقع على السلام بالفاشر، وقال قائد الفرقة (16) مشاة بنيالا اللواء السر حسين بشير «الأخ الوالي نقول ليك مبروك بعودة آخر منطقة في شمال الولاية لحضن الولاية ودا فتح رباني ونحن كدا نكون قد أمنا جنوب السكة حديد وغر ابشي التي تم تأمينها بأبنائها المعانا في القوات المسلحة ومنهم العقيد عبد الله قروش وإبراهيم نخارة والإدارات الأهلية». ودعا السر أهل المنطقة بالتعايش السلمي في إشارة الى ان الناس عانوا كثيرا من ظلم الحركات لهم وتابع «من اليوم ضربوا وخطفوا وقتلو دى ما عايزنها ولا بد من التعاون من أجل تنفيذ مشاريع التنمية»، وقال السر ان الأعمال الشنيعة التي شاهدوها في القرية والسوق زول عندو دين وأخلاق ما بعملها». وزاد«مدرستكم بتعمل منذ العام 1954م والمتمردين ديل دايرين يرجعوكم خمسين سنة وراء ما فى تعليم,ما فى تنمية وأن تعيشوا فى هلع وخوف لكن دا تانى ما بعود وأنتم عدتم لحضن الحكومة فما فى زول بقول ليكم ادفعوا أو يقلع منكم لأنكم بوابة الولاية الشمالية وانعزلتم 13 عاماً حسب متحدثنكم لكن تانى ما حتنعزلوا (13) يوماً» داعيا الأهالى لحث أبنائهم حملة السلاح للانضمام للسلام للاستفادة من طاقاتهم للتنمية والإعمار في دارفور ونقل السر تهانئ الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير ووزير الدفاع ورئيس الأركان المشتركة لأهالي غر ابشي بتحرير منطقتهم وعودتها لحضن الوطن.
جار النبي: الصيف الساخن حققته القوات المسلحة
حيا والي الولاية اللواء آدم جار النبى جهود القوات المسلحة، واكد خلو ولايته من التمرد بعد أن تمكن القوات من طرد كل المتمردين من مناطق غر ابشى، وقال مخاطبنا المواطنين«عانيتم بالمنطقة وحصل الاحتلال من قبل المتمردين الذين أصبحوا مخربين ولكن صيفنا الساخن الذي أعلناه لعام الأمن فعلاً بقى ساخن تمام وسخانته مرقت المتمردين من كل المنطقة وبقدومنا لغر ابشى اليوم في هذه الوقفة الآن جنوب دارفور ما فيها تمرد وآخر موقع في شمال هذه الولاية الوحدة الإدارية غر ابشي وكرمجي التي نحن فيها اليوم وجئناكم عشان الأمن وتم فتح القوات المسلحة وخلال أسبوع الشرطة وبقية الأجهزة ستباشر مهامها»، وقال الوالى إن المنطقة حصل فيها تخريب لكل المرافق وستتم إعادتها قريباً، داعيا أهل المنطقة بتوجيه رسالة لأهلكم الموجودين حاليا بالمعسكرات بأهمية العودة لهذه المناطق التى أصبحت آمنة الآن، وحيا جار النبي صمود المرأة التي ظلت بالمنطقة رغم المعاناة التي لحقتها، وقال إنها ستقابل بالاهتمام والتمكين وتابع «بعد اليوم ما دايرين عنصرية وقبلية وجهوية وأن نعيش أبناء بلد وأن نسعى للنهوض بغر ابشي ولحاق أبنائنا الذين فاتهم قطار التعليم بفعل هؤلاء المتمردين للمدارس».
صحيفة الإنتباهة
غرابشى: حسن حامد