حيدر المكاشفي

«وزير القنزب والخنزب»

[JUSTIFY]
«وزير القنزب والخنزب»

٭ يُروى أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ليشير عليه في مسألة أهمّته جداً فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلبسها علىَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني… ويبدو أن السيد وزير المالية لديه «خنزب» من نوع آخر، لا يلهي الناس عن صلاتهم وقراءتهم، بل ألهاهم عن جراحات اقتصادية أخرى يرجح أنها ستكون أشد إيلاماً وقساوة مما سيخلفّه قرار رفع الدعم عن المحروقات، ولكن الناس انشلغوا بقرار الرفع وكأنه الإجراء العصيب الوحيد الذي سيواجهونه وظهورهم إلى الحائط عارية من أي سند أو نصير، فالوزير لا يرفع صوته الجهير إلا لإعلان وتأكيد إعلان رفع الدعم، بينما لا يعلن إلا على استحياء وبصوت خفيض الإجراءات الأخرى دون أن يسميها، وحين يأتي على ذكرها يقولها بصورة معممة ومعتمة، وفي آخر تصريح له منشور أمس قالها هكذا «تعتزم الدولة إجراء إصلاحات اقتصادية من بينها رفع الدعم عن المحروقات»، ومن التبعيضية تفيد أن رفع الدعم هو بعض هذه الإصلاحات وليس كلها، أما ماهية هذه «الإصلاحات» الأخرى غير رفع الدعم وطبيعتها وأثرها في الاقتصاد وتأثيرها في الناس، فعلمها عند الله والوزير والمكتب القيادي للحزب الحاكم حتى هذا اليوم الذي ستنعقد في صبيحته جلسة مجلس الوزراء، فتدخل في علم الوزراء من غير قياديي المؤتمر الوطني.
ولم يكن السيد وزير المالية أميناً وشفافاً في عرض «إصلاحاته» الاقتصادية المزمعة على الشعب، بنداً بنداً وإجراءً إجراءً، أو وفقاً لرأيه وتسميته إصلاحاً إصلاحاً، فقد حجب عن الشعب وحقه في أن يعلم إجراءات أخرى اخفاها عنه ولم يشر إليها إلا تلميحاً، وهذا مما يؤخذ ليس على الوزير وحده بل على مجموع الجماعة من كان منهم في الحزب أو في الحكومة أو جمعوا بين الاثنين ممن علموا بجملة هذه الإجراءات وشاركوا فيها أو باركوها وأجازوها، فمن حق الشعب أن تحيطه حكومته علماً بمنتهى الصدق والأمانة والشفافية بحقيقة الوضع الذي يعيشه أولاً بأول، وأن تكون على قدر من الجرأة والشجاعة فتعرِّف المواطن تعريفاً دقيقاً بما سيواجهه من ضيق وعنت أو ما سيحل به من أزمات وكوارث، فبذلك ترد الحكومة الأمانة لصاحبها وتترك له حرية الاختيار، إما ارتضى هذه الاجراءات وأعد نفسه لها نفسياً وعملياً واقتصادياً، وإما اتخذ في مواجهتها ما يشاء من مواجهات، وهذا يقتضي عليها ألا تخفي عنه شيئاً فتعلمه بكل الوضوح عن حقيقة الإجراءات الأخرى غير رفع الدعم التي لا يتحدث عنها وزير المالية إلا بطريقة «النخنخة» لغة البعاعيت، لا تفهم فيها حرفاً ولا صرفاً ولا عدلاً، فما هي هذه الإجراءات الأخرى التي يداريها الوزير وكأنها عورة يخشى اطلاع الناس عليها؟ هل هى جبايات أخرى ورسوم وضرائب إضافية بمسمياتها المعروفة أو تحت أية مسميات أخرى مثل دولار الجمارك والقيمة المضافة؟… فيا وزير القنزب، والقنزب لمن لا يعرفونه هو المال بلغة أحبابنا الأحباش، أرجوك دع الخنزب و «الخنسرة» و«الدغمسة» وقل للناس كل ما عندك من إجراءات نسأل الله أن يجيرهم منها.
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة الصحافة
حيدر المكاشفي