حيدر المكاشفي

هل هؤلاء جبهة؟!

[JUSTIFY]
هل هؤلاء جبهة؟!

ليس من الحصافة ولا الحكمة لكل حاكم أن لا يُرِي الناس إلا ما يرَىَ، ولا يسمع منهم إلا ما يُطربه ويُبطره، ولا يرى من مشاهد إلا ما يسعده ويثلج صدره، ولا يفسر الأحداث ويشرح الأحوال إلا بالطريقة التي تريحه، فتلك «فرعنة» ذميمة نزلت فيها آية كريمة تذمها وتنهي عنها، وتكشف المصير المخزي الذي آل إليه فرعون، الذي قيل إنه لما سُئل «مين فرعنك» قال «ما لقيتش حد يقولي لا»، ومن قولنا في هذا الصدد إننا لم نجد أية حكمة أو حصافة في قول بعض القياديين في الحزب الحاكم إن ما جرى ويجري من احتجاجات غاضبة مشروعة صاحبتها بعض الأفعال المرفوضة وغير المشروعة، وراءه الجبهة الثورية، بل وجدناه التفافاً على الأزمة والضائقة التي وجد الناس أنفسهم في لجتها بين يوم وليلة، ناموا وقد تركوا الأسعار على حال، وعند صحوهم في الصباح وجدوا أن «واطاتهم قد أصبحت»، جالون البنزين الذي تركوه قبل قليل بـ«12 جنيها»، بين غمضة عين وانتباهتها وجدوه قد ارتفع إلى «21 جنيها» وعلى ذلك قس الارتفاعات الجنونية والماراثونية التي طالت كل شيء، فهل هي الجبهة الثورية والمعارضة السياسية التي فعلت ذلك، أم هي الجراحات الاقتصادية المؤلمة؟، ربما تكون الجبهة الثورية أو غيرها حاولت الاستفادة من هذا الوضع المأزوم وأفردت أشرعتها لتملأها رياح «الثورة»، ولكنها ليست بأية حال السبب في اندلاع واندياح هذه الاحتجاجات والتظاهرات، ولو كانت الجبهة الثورية تملك قوة دفع جماهيري بمثل الذي يجري لكانت فعلتها من قبل، أو على الأقل متزامنة مع أحداث أبو كرشولا، وليتهم قادة الحزب الحاكم من شاءوا ويطلقوا من الاتهامات ما أرادوا، ولكن تبقى الحقيقة وهي أن الغلاء الطاحن والفاحش مقروناً ببعض التصريحات الاستفزازية، هما السبب في الذي يجري الآن في العاصمة وغيرها، ولن تفعل أية مبررات أو مشاجب أخرى تعلق عليها أسباب التظاهرات والاحتجاجات شيئاً سوى أن تضيف استفزازاً جديداً يزيدها اشتعالاً….
وعلى ذكر الجبهة الثورية وأنها المخطط والمدبر لهذه الأحداث، عادت بي الذاكرة إلى ما كان قد ذكره المفكر الاستراتيجي محمد أبو القاسم حاج حمد، رحمه الله قبل وفاته بقليل، أذكر أنني سمعت وقتها هذا الرجل العارف بخبايا السياسة والمحلل المتعمق الذي يسبر أغوار القضايا تاريخياً واجتماعياً، يقول في مناسبة ذات صلة بقراءة الأوضاع والأحوال السودانية وتحليلها، ما معناه أن التغيير القادم في أي مكان موجود بالمشاكل السياسية والمظالم الاجتماعية والغبائن الاقتصادية، والسودان من هذه الأمكنة بطبيعة الحال، سيفجّره ويقوده «العطالى والزهاجى والمتسكعون والجياع والفقراء وأصحاب الغبائن والمظالم وأهل الحقوق المضاعة والمحبطون»، ولن يكون للجيش عبر الانقلابات أو النقابات أو الأحزاب أي دور يذكر، اللهم إلا أن يجدوا أن رياحهم قد هبّت فيهبوا لإغتنامها»… المهم الآن ليس التعاطي حول أغراض الأزمة ونتائجها ومن وراءها، بل حول أصلها وفصلها وكيفية معالجتها، ولن تتوفر المعالجة الناجزة إلا وفقاً لحلول شاملة وتراضٍ وطني جامع بلا اقصاء أو تغييب أو تهميش لطرف، فالبلاد الآن في مفترق طرق، إما القيادة الخلاقة أو الفوضى المدمرة، إما أن يتقدم العقلاء والحكماء والراشدون، ويعلو صوتهم، أو أن تضيع البلاد.

اللهم احفظ السودان.
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة الصحافة
حيدر المكاشفي