الطاهر ساتي
شمالا باتجاه الجنوب .. وبالعكس ..!!
** بتلك الخاطرة تابعت زيارة رئيس قطاع الشمال بالحركة الشعبية لبعض قرى أقصى شمال السودان ، وهى القرى النوبية التي شهدت ما شهدت حين فكرت الحكومة ثم قررت أن تنفذ مشروعا تنمويا ، وهكذا اختصر التعريف بلا إعادة إنتاج ذاك الطحن المطحون بين مطرقة « عايزين يغرقوكم » وسندان « عايزين ينفعوكم » .. المهم ، نظرت إلي الزيارة بزاوية تختلف عن تلك الزوايا التي نظرت بها لجان المناهضة والمؤتمر الوطني ..بالتأكيد لجنة المناهضة فرحت بالزيارة بمظان أن وفد الحركة الشعبية جاء ليقف سدا مانعا لبناء السد ، وكذلك المؤتمر الوطني توجس بما لايدع مجالا للشك خوفا على رصيده السياسي بالولاية ..هكذا بكت كل جهة ليلاها في تلك الزيارة ، بيد أني بكيت ليلى أخرى لم تخطر على قلب لجنة المناهضة ولم تشغل بال المؤتمر الوطني بتلك الولاية وهي : أهمية مثل هذا النوع من الزيارة في عملية بناء الثقة التي تؤدي إلي الغاية في لحظة تقرير المصير ، هذا إذا كانت غاية الكل هي الوحدة ..بمعنى ، وبالمختصر المفيد ، وبعيدا جدا عن المصالح الحزبية الضيقة ، فان أي نشاط إيجابي للحركة الشعبية بالشمال مقابل أي نشاط إيجابي للمؤتمر الوطني بالجنوب يعد بمثابة وسيلة مهمة من وسائل بناء الثقة.. أكرر : نشاط إيجابي ، مع وضع خطين بارزين تحت مفردة الإيجابي بحيث لاتخطئها عيون الشريكين ..!!
** ولأن عيون الشريكين بها رمد التشاكس الحزبي الذي يصيب الأفكار بداء قصر النظر ، نطرق على باب العقول لإدخال تلك المفردة ، عسى ولعل يتغلب عندهما الوطن على الحزب .. فالمؤتمر الوطني يعرف ما ينقص المواطن في الجنوب ليثق في الشمال ، ويعرف أن الحركة الشعبية مهما كانت عدتها وعتادها وعلاقاتها العالمية والإقليمية لن تستطيع وحدها أن تنشل الجنوب وإنسانه من براثن أثار الحرب والفقر في ثلاث سنوات فقط ، لن تستطيع وحدها فعل ذلك ، بدليل أن الحال العام هناك لم يتغير إلا بمقدار توقف أزيز المدافع فقط لاغير ، فالتوقف مهم ولكن ليس كافيا لبناء الثقة ، فالفقر هنالك أكبر هادم لهذه الثقة والحلم بأبسط مقومات الحياة الكريمة لايزال يؤرق مضاجع الأهل هناك ، ونصف إيراد البترول بالكاد يفي راتبا ومسكنا وملبسا ومأكلا ومشربا لحكومتهم الماهلة وجيشها ، وسيظل الحال هكذا حينا من الدهر وليس لسنوات ماقبل تقرير المصير فقط ..ولكن تستطيع الحكومة الاتحادية أن تساهم فى تحسين هذا الحال نسبيا ، بما عندها وبما لديها من علاقات إقليمية والسدود التى إحتفى بعقد توقيعها الشمال والجنوب بجوبا نموذج ، ولكن هناك مشاريع إسعافية في مجال الخدمات الضرورية يجب التفكير فى تنفيذها بشراكة حميدة غير تلك التى نراها حاليا .. وشراكة كهذه إحدى عوامل بناء الثقة ..كل السودان دفع ثمن الحرب عقودا من الزمان ، فلن يرهقه أن يدفع ثمن السلام والوحدة عاما وآخر وثالثا ، إذا صدقت نوايا الشريكين فى تحقيق غاية هذا ..« الكل » ..!!
** ثم الحركة الشعبية أيضا مطالبة بمواقف إيجابية تخدم بناء الثقة بين أبناء الوطن ، فالتقوقع في محطة الثورية لن يخدم هذه القضية ، وعليها أن تعي بأنها أصبحت حزبا سياسيا وقيادة مسؤولة عن حياة ومصير بعض الشعب مسؤولية مباشرة ، وقيادة حياة ومصائر الشعوب فى عوالم تضج بصراع المصالح تختلف عن قيادة متحرك قتالي في طريق نمولى ..فالحكمة هي ضالة القيادة التي تضع مصالح رعيتها فوق أجندة حزبها ..وترتيب بيت حكومة الجنوب من الداخل حلم كل مواطن جنوبي ، هكذا نشير تلميحا فأنهم أذكياء ، ثم ترتيب البيت السودانى بخطاب سياسي وليس عسكري أو عنتري أو كيدي يؤدي إلي وسيلة بناء الثقة التى تقرب الكل إلي الغاية المرتجاة .. !!
** الملخص .. بعيدا عن زيارة وفد الحركة للشمالية وقريبا منها ..الشد والجذب منذ أن صارا شريكين في الحكم ، أحدهما يشد الشمال شمالا والأخر يجذب الجنوب جنوبا ..وهذا خطأ .. فالصواب هو : أن يتبادلا ما بأيديهما ..!!
إليكم – الصحافة الاحد 25/01/2009 .العدد 5595[/ALIGN]