عادل الباز

مكافحة الجريمة.. ما هي الخيارات؟


مكافحة الجريمة.. ما هي الخيارات؟
قبل يومين كتبت تعليقاً على بعض ما جاء في التقرير الجنائي وطرحت بعض التساؤلات التي لن أجد لها إجابةً بالتأكيد. ولكن سؤالاً مُلحاً طاف بذهني بعد أن أنهيت كتابة المقال. السؤال هو كيف يمكن أن نكافح الجريمة؟. هنالك عدة طرق وحلول بإمكانها أن نسلكها لتحقيق ذلك الهدف.

الأول: أن نسلك درب الحلول الأمنية، بمعنى أن نمضي في تعزيز القدرات الشرطية والأمنية، وتجييش جيوش بلا حصر للقبض على المجرمين، وافتتاح عددٍ من السجون والحراسات تفوق المستشفيات عدداً، ونسعى لإقامة مركز بوليس في كل حي وحارة وفريق، ونستعين بالتكنولوجيا لتعقُب المجرمين. المهمة لا تنتهي هنا إنما يعقب ذلك صرف على التحريات وإثبات الاتهامات بالأدلة والبراهين مما يتطلب إنشاء نيابات فاعلة يقوم عليها جيوش من المحققين. الحكاية لم تنته هنا، بل لابد من تجنيد آلاف القضاء لحسم تلك القضايا وهم بحاجة لزمن متطاول حتى يصلوا إلى الحقيقة مما يستغرق وقتاً طويلاً يمتد لسنوات.

الثاني: هو حل اقتصادي اجتماعي وسياسي يتطلب جهداً نوعياً في مجال التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتراضٍ سياسي وهي سياسات وإجراءات لا تنهض بهما الشرطة والأمن بالطبع، بل ينهض بهما الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون بتبني سياسات وإجراءات ناجعة تقي المجتمع العوز والحاجة وتنمي قدراته الاقتصادية. هدف تلك السياسات أن تطعم المجتمع من جوع وتأمنه من الخوف. فلا يتوقّع من مجتمع جائع وفقير أن يأمن من الخوف مهما بسطت الدولة من إجراءات أمنية. نماء المجتمع وتحقيق الحد الأدنى من احتياجاته هو أولى مراحل الأمن، على أن ذلك لن يشكل منظومة متكاملة إذا لم يترافق مع قيم العدالة (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). صدق الله العظيم.

هذان الخياران ليسا متناقضين فلا غنى عن الأمن في أي مجتمع مهما تقدم ونما، ولكن وسائل تحقيقه تختلف، فإذا ما اعتمدنا فقط على بسط الأمن بالمفهوم البسيط فإننا اتخذنا وسيلة لن تصل بنا إلى الهدف. يتطلب كلا الخيارين أعلاه توافر موارد وميزانيات هائلة. الخيار الذي ستختاره الدولة بناءً على سياساتها والتحديات التي تواجهها ستترتب عليه نتائج تتعلق باستقرار المجتمع ككل وأمنه وتنميته.

من البديهيات القول إنه لا تنمية في ظل غياب الأمن ولا جدوى من تنمية بلا أمن يقوم على عدالة مبسوطة. وهنا تأتى ضرورة التوازن بين الأمن ومتطلبات التنمية. فلا غنى أن يترافق الخياران لتبقى الأولويات مرهونة بالتحديات التي تواجه الدولة في زمان ما.

بإمكاننا إبصار هذه الرؤية بوضوح إذا ما نظرنا لما يجري في دارفور. فأغلب مشاريع التنمية الكبرى في دارفور متوقفة، لأنّ الأمن مفقودٌ، ولذا تظل دارفور تعاني إلى ما لا نهاية. غياب التنمية نفسه كان سبباً في التمرد والنزاعات القبلية بسبب الأرض والمياه. (التنمية).

أصبح إنسان دارفور ضحية لتلك الدائرة الخبيثة التي لم يجد منها مخرجاً حتى الآن. النزاعات الجارية الآن في دارفور تشهد تحولاً نوعياً بدءاً، وما جرى في جبل عامر من نزاع بين الرزيقات وبني حسين والذي راح ضحيته ألف شخص يشير لهذا التحول. نزاع حول مورد جديد في الإقليم وهو الذهب كان يمكن أن يشكل عنصر استقرار ونماء ولكن أصبح مهدداً أمنياً جديداً بدارفور. تعطلّت التنمية في غياب الأمن.

الآن المطلوب قراءة متعمقة للتقرير الجنائي لاستخلاص نتائج مهمة. المطلوب بإلحاح خلق معادلة متزنة بين الصرف على الأمن والصرف على التنمية. نحن بحاجة لأن يدرك السياسيون أن الصرف على التنمية هو صَرفٌ على الأمن وبحاجة لأن يدرك الاقتصاديون أن الصرف على بسط الأمن ضرورة تنموية. فإذا تعطلت التنمية تدهورت الحالة الأمنية وإن بدا غير ذلك، وإذا تدهور الأمن انعدمت التنمية.

الكاتب : عادل الباز
صحيفة الرأي العام
[EMAIL]elbaaz40@gmail.com[/EMAIL]