مصطفى أبو العزائم

الطريق إلى الثراء..


[JUSTIFY]
الطريق إلى الثراء..

أحببت مطالعة الصحف منذ طفولتي، وكنت شغوفاً بكل ما ينشر فيها بالقدر الذي يستوعبه عقل طفل لم يجرّب التوهان في عالم السياسة، لذلك كنت مغرماً بمتابعة أخبار الفن، والجريمة، والرياضة وقليل جداً من تحقيقات ذلك الزمان البعيد على قلتها، مع متابعة الأخبار الغريبة في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، على شاكلة «الفكي أبو نافورة» في القضارف وغير ذلك من أخبار، لكن أكثر ما كان يستهويني ولازال الكثير منه راسخاً في ذهني فهو الرسومات الكاريكاتيرية للفنان الراحل «عز الدين»، حتى أنني بدأت في تقليد رسومات بما تهيأ لي من قدر قليل في مجال الرسم الذي لم استمر فيه كثيراً، رغم تشجيع أسرتي وأساتذتي وأقراني لي بالاستمرار في تجويد هذا الجانب.

من كاريكاتيرات الراحل عز الدين – رحمه الله – التي مازالت راسخة في ذهني، بخطوطه الواضحة، ذلك الرسم الذي بدا فيه (بوليس الحركة) وهو ما يقابله اليوم (شرطي المرور) في تحرير مخالفة مرورية لسيدة تقود سيارتها وتجاوزت بها الإشارة الحمراء، لكنها كانت تعتذر بشدّة للشرطي وتؤكد له بالقول: (والله كنت قايلاها لون زينب).. وكاريكاتير آخر عن مستوى الغش التجاري الذي تفشى في الأسواق وفيه يصور الفنان عز الدين سيّدة غاضبة ومحتدة داخل حجرتها تمسك بشعر مستعار (باروكة) بين يديها وتقول ما معناه إن (الباروكة) غير أصلية لأنها امتلأت شيباً في الفترة الممتدة من لحظة شرائها في السوق إلى لحظة وصولها إلى البيت.

وهكذا كانت الكاريكاتيرات ترسخ في الذاكرة حتى وإن كانت الفكرة يسيطة، ولازلت أذكر كاريكاتيراً تم نشره خلال موسم ندرة البصل، يصوِّر بائعاً على ظهر حمار يحمل جوالين من البصل على جانبي ركوبته تلك وينادي بأعلى صوته: (بصل بصل) وعلى طريقه لافتة طريق صغيرة حملت عنواناً بخط واضح يقول: (إلى الثراء).

تذكرت هذا الرسم الكاريكاتيري صباح الأمس خلال تسوقي لشراء بعض مستلزمات المنزل الضرورية، ووجدت أن أسعارها حلّقت في سماوات بعيدة دون أجنحة، ودون مبررات، إذ زادت كل السلع الاستهلاكية تقريباً بنسبة متراوحة ما بين العشرين والثلاثين في المائة، وهي زيادات غير منطقية، خاصة إذا ما تمت المقارنة بين أسعار السوق وبين أسعار الأسواق المخصصة للبيع المخفض أو التابعة للمحليات، فالسلعة هي السلعة لكن السعر مختلف ويكون دائماً الفرق كبيراً ما بين الأسعار في الأسواق العامة وبينها في الأسواق المخصصة.

تذكرت ذلك الكاريكاتير القديم، وعادت خطوط الفنان عز الدين قوية وراسخة، ولكن الذي يقود إلى الثراء ليس البصل وحده، بل كل منتج وسلعة معروضة في الأسواق.. وهذا يتطلب في تقديرنا تدخل الدولة حماية لمواطنيها لأن للفوضى أكثر من جناح.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]