تحقيقات وتقارير

المتمترس: لم تُتخذ أية خطوات جادة تجاهه..هلال يتمسك بمواقفه متجولا بين “كبكابية” و”سرف عمرة

[JUSTIFY]تشعبت مسارات الأحداث في المسألة الدارفورية ما بين السياسي والقبلي.. وفي أعقاب توقيع مذكرة التفاهم الشهيرة التي أثارت جدلا كثيفا في الأسبوع الماضي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال ومجلس الصحوة الثوري الذي يتزعمه موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد في العاشر من يوليو الجاري، تكون الأزمة قد دخلت فعليا فصلاً جديداً، لتتجلى تحت سماء المشهد الدارفوري العديد من التشابكات المحلية والإقليمية والدولية، ولكن الحقيقة الوحيدة تظل أنه وبعد جريان كل المياه تحت الجسر وبعد مرور عقد من الزمان على الأزمة يبقى الحال على ما هو عليه، بلا جديد في الأمر.

حسناً، في خطوة مفاجئة وقع كل من اللواء جقود مكوار مرادة القيادي بالحركة الشعبية وإسماعيل أغبش القيادي بمجلس الصحوة الثوري السوداني على مذكرة تفاهم أثارت كثيرا من الجدل في الأوساط السياسية السودانية، مثلما جادت بذلك أنباء مطلع الأسبوع. بيد أنه وفي أعقاب التوقيع على المذكرة بين الطرفين برز خلاف واضح داخل مجلس الصحوة الثوري السوداني وانقسم المجلس بين مؤيد ومعارض للمذكرة الموقعة. حيث أدانت واستنكرت مجموعة كبيرة ومعتبرة من أعضاء المجلس المذكرة، وفي ذات المنحى أكد هارون محمود مديخير القيادي بمجلس الصحوة بحسب ما أوردته وكالة السودان للأنباء أن الاتفاق لا يمثل المجلس، وجدد رفض القيادات التنفيذية والشعبية بالمجلس للمذكرة الموقعة بين الطرفين جملة وتفصيلا.

مديخير أبان أن المذكرة الموقعة تعبر عن أجندة شخصية لمن وقعوها واعتبرها أجندة عناصر تريد مزيدا من زعزعة الاستقرار لإقليم دارفور، وقطع هارون بأن المجلس لم يكلف إسماعيل أغبش بالتوقيع على مذكرة التفاهم، متهما إياه بأن لديه أجندة خفية يريد تمريرها عبر المجلس.. ولكن في المقابل أكد موسى هلال رئيس مجلس الصحوة الثوري السوداني حقيقة توقيع مذكرة تفاهم بين الحركة الشعبية ومجلس الصحوة الثوري السوداني الذي يتزعمه، وقطع هلال بأن المذكرة الموقعة تمت بإشرافه المباشر وأنه منح إسماعيل أغبش تفويضا كاملا لتوقيع مذكرة التفاهم، حسبما أوردت بعض الحوارات الصحافية معه في الأيام الماضية.

ويرى بعض المتابعين للشأن الدارفوري أنه بعد الخطوة التي أقدم عليها هلال ومجلسه ربما تسارع الحركات الدارفورية بالاتصال بالزعيم القبلي ذائع الصيت الذي تحول إلى اللعب في ميدان السياسة ودعوته للانضمام إلى ركب الحركات المسلحة الدارفورية المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية السودانية وتنسيق الجهود، بإغراءات أن التحالف المرحلي ربما يضمن معه بقاءه كلاعب أساسي في المشهد السياسي بالبلاد.

الأربعيني موسى هلال، زعيم قبيلة المحاميد، التي تقطن ولاية شمال دارفور، لمع نجمه إثر أزمة دارفور، ويتهمه خصومه السياسيون في صراع دارفور بأنه زعيم لمليشيات ساهمت في تأجيج الصراع بالإقليم. لاحقاً تم تعيينه مستشاراً في ديوان الحكم الاتحادي حيث مكث بها لأكثر من ست سنوات بعيدا عن أهله وعشيرته، ولكنه خرج مغاضبا من الخرطوم وظل يمكث لبضعة شهور مضت في مسقط رأسه قرية (مستريحة)، التي ترقد في الناحية الشمالية الغربية من ولاية شمال دارفور، ومنذ مغادرته للعاصمة ومكوثه في البادية ظلت تتردد إشاعة تمرده من وقت لآخر. وبعد أن طال غياب هلال عن العاصمة الخرطوم رشحت أحاديث عن تمرده إلا أنه نفى صحة هذه الأخبار، مؤكدا أنه لم يتمرد لكن لديه مطالب في المركز وولاية شمال دارفور شدد على ضرورة تنفيذها.

هلال الذي تأكد للجميع أنه ساخط من بعض ممارسات الحكومة طالب بإيجاد حل شامل ومرض لجميع الفئات في دارفور بما فيها الحركات المسلحة وأن تكون تلك الحلول مرضية لإنسان الإقليم، وظل طوال فترة وجوده في (مستريحة) ينظر إلى ما يجري في الإقليم بأنه يتطلب معالجة جذرية عاجلة.. وبعد تمترسه في (مستريحة) أعلن من قبل عن مواقف ومطالب محددة تتعلق بولاية شمال دارفور وطريقة إدارتها ورفضه للوالي عثمان كبر والمطالبة بإقالته بعد أن ظل صراع الرجلين ولفترة طويلة من الأمور التي تشغل الرأي العام الدارفوري.

الرجل المثير للجدل يعتبر عضوا فاعلا في حزب المؤتمر الوطني، إلى جانب أنه عضو في المجلس الوطني عن إحدى دوائر شمال دارفور، وإضافة إلى ذلك مستشارا بديوان الحكم الاتحادي.. إذاً الرجل يحمل ثلاث صفات جلها مرتبطة بالحزب الحاكم والجهاز التنفيذي والتشريعي.

المؤتمر الوطني طوال الفترة الماضية وبعد توقيع هلال مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية ظل يؤكد أن هلال لم يتمرد وأنه لازال عضوا ملتزما بحزب المؤتمر الوطني.. لكن بعد عودة هلال إلى الجذور وتخندقه في مسقط رأسه أقر بوجود خلافات بينه وبين بعض قيادات المؤتمر الوطني على مستوى الحزب وعلى مستوى الحكومة طيلة الفترة الماضية، ومضى إلى أكثر من ذلك وأكد فشل الطرفين في إيجاد حلول ناجعة لها، وتوقع هلال في حديثه لبعض وسائل الإعلام في الأيام الماضية أن يستقيل أو يقال في أي وقت متهما الوطني بالمراوغة في مسألة فصله من الحزب، وقطع هلال أن خلافاته واضحة ومعلومة وأن حزبه يعرفها تماما، مؤكدا أنه في خلاف مع الحكومة ونفى تهمة تمرده.

الواضح الآن أن عدم وضوح الرؤية والجدية الملموسة من قبل الحزب الحاكم جعلت هلال يتمسك بمواقفه مرابطا في (مستريحة) متجولا في بعض الأوقات بين (كبكابية) و(سرف عمرة) فيما لم تُتخذ أية خطوات جادة تجاهه، واكتُفى فقط بإرسال أكثر من عشرة وفود رسمية فشلت جميعها في إقناع الرجل بالعدول عن مواقفه المتعنتة.

عبدالرحمن العاجب: صحيفة اليوم التالي
ي.ع
[/JUSTIFY]