تحقيقات وتقارير

ما لا يرافقنا للعام 2020.. انتبهوا لانتشار واسع وتأثير فعال أحدثته شركات الاتصالات

[JUSTIFY]يُنسب لـ(ألبرت أنشتاين) المولود في 1879 أنه قال: “لا أفكر في المستقبل، لأنه في كل الأحوال سرعان ما يأتي”. لكن هذه الفرضية تتناقض مع الرغبة العارمة والتعطش للسيطرة والتحكم في الأمور، اللتين يعيشهما إنسان القرن الواحد والعشرين خاصة. وبالطبع، هذا ما يدفع للنبش والتفكر في أشياء سائدة الآن في السودان، ويعتبرها السودانيون من المسلمات، لكنها إلى زوال. ربما خلال السنوات الـ6) القادمة، وربما قبل ذلك، بفعل تسارع نشاط الناس في الحياة.

فكروا جيدا في التحلق حول صينية الغداء مثلاً. وكذلك، في مصير عدد من الوزارات والناطقين الرسميين في المؤسسات الحكومية، وحتى في تناقص عدد المصلين في جامع الخرطوم الكبير، بعد تفريغ الحكومة لوسط السوق العربي. ولا تنسوا التفكير، خلال السنوات حتى 2020، في إمكانية استمرار الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين. وكذلك، انتبهوا إلى مصير كثير من الأحزاب السياسية التي تملأ الساحة الآن.

بالنسبة لوزارة مثل وزارة الإعلام، فإن مصيرها إلى زوال قريب لا محالة، فقد قال المدون جون پِري بارلو مؤخراً: “يا أيتها الحكومات آتي إليكم من الفضاء السِّبرانيّ، الموطن الجديد للعقل. باسم المستقبل أسألكم يا من تنتمون للماضي أن تدعونا لشأننا؛ ولا سلطان لكم حيث نجتمع”.

ولا ترى التقارير الصحافية صعوبة في أن تنسحب مقولة بارلو على السودانيين الذين عرفوا التعامل مع خدمة الإنترنت منذ عام 1998. وطبقا لبيانات البنك الدولي (2010) فإن أكثر من 10 بين كل مائة سوداني يستخدمون الإنترنت بفاعلية، وبالطبع فإن العدد قابل للزيادة، وبسرعة فائقة، وذلك بفضل الانتشار الواسع والتأثير الفعال الذي أحدثته شركات الاتصالات.

ومع هذا التبادل المتسارع للمعلومات والاتصال، لا تملك وزارة الإعلام أي مقدرة على ممارسة اختصاصها في السيطرة على تدفق المعلومات عبر (اقتراح سياسات الإعلام وخططه والإشراف على تنفيذ برامجه ومشروعاته. وإعلام المواطنين، داخل وخارج البلاد، بمختلف القضايا القومية، وكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورعاية الإبداع والمبدعين. ثم، توظيف أجهزة الإعلام لبناء الوحدة وترسيخ مفهوم الهوية والانتماء وتعميق القيم الدينية) كما ورد في ديباجة الوزارة. وعلاوة على عدم مقدرتها في ممارسة اختصاصها، لا يحق لوزارة الإعلام، قانوناً، الاقتراب من مؤسسات الدولة الإعلامية ولو تطفلاً: الإذاعة والتلفزيون القوميين ووكالة الأنباء “سونا”، مثلما يحدث في كوريا الشمالية، مثلا، التي أذاعت على مواطنيها كذبة بلغاء مفادها أن المنتخب الكوري الشمالي لكرة القدم تأهل لملاقاة البرتقال في نهائي كأس العالم الذي أقيم في البرازيل. ولا تقرب وزارة الإعلام، كذلك، أيا من الوسائط الإعلامية الأخرى التي نشأت في إطار إمكانية امتلاك الأفراد لوسائل الإعلام الخاصة.

ربما كانت وزارة الإعلام صاحبة نفوذ وسلطة على ضباط العلاقات العامة في الوزارات الأخرى والمؤسسات الحكومية التي نجت من سيف الخصخصة، لكن هذا خيط واهٍ لا يعطيها أحقية البقاء لترافقنا لـ6) سنوات قادمة، أو أن نتجادل في تخمين وزيرها في أي تشكيل وزاري قادم، خصوصاً لو تذكرنا فاعلية الناطقين الرسميين أصحاب النفوذ المنتشرين في الوزارات، مثل الخارجية والدفاع ومجلس الوزراء وغيرها من الوزارات والمؤسسات.!

نظرياً، تنهض وزارة الإعلام بحمولة ومهام تبدو زائفة الآن مثل (حث الشعب على المشاركة الإيجابية في عملية التنمية وعلى البذل والإنتاج وإعلاء قيمة العمل). فهذا الكلام مثالي للغاية وربما أقرب للطلاسم، ولا يقول شيئاً البتة في عصر الإنترنت الذي خلق كوناً كاملاً في الفضاء السبراني، يتضمن التجارة والنقود والمكتبات الإلكترونية والجامعات الافتراضية، وحتى الطب السبراني.

عملياً، وبالنظر إلى تاريخ مفعول القرارات، يعتبر قرار رئيس الجمهورية المشير عمر البشير القاضي بتحويل الإذاعة والتلفزيون والوكالة الرسمية إلى هيئات، وأيلولتها لرئاسة الجمهورية، المسمار العملي الأوّل المدقوق في نعش هذه الوزارة.

عالميا، استطاعت كثير من الدول المتقدمة فك شفرة كيفية تناقل المعلومات، ثم اللعب على السيطرة بطرق عدة؛ ربما كانت طرقا أخلاقية وربما لا، لكن في نهاية الأمر فإن المعلومات ستصل، ومع وصولها لا تحتاج إلى تعيين وزير للإعلام، أو حتى وكالة أو قناة متحدثة باسم الحكومة، قد يقول قائل إن الشفرة في دول العالم الأوّل حُلّت بواسطة تطور المجتمع نفسه، وبالطبع هذا لا يغني عن القول إن المجتمعات المتقدمة ما كان لها أن تتطور بغير الرغبة الجامحة من حكوماتها في رفع يدها عن (بلف) المعلومات وتمظهراته إلى أبعد ما يكون الرفع، وجعلت تدفق المعلومات مفتوحا على آخره، وسرَّحت خفير (البلف) إلى الأبد، فما بال الزمن لا يسرِّح وزارة سودانية دورها الآن أقلّ من الخفير؟.. أقلّ بكثير.!!

صحيفة اليوم التالي
يوسف حمد
ش ص [/JUSTIFY]